بينما كُنتُ أقضي وقتًا مُمتعًا بتصفُّح العدد : 17095 من صحيفة «أخبار الخليج»؛ استوقفني مقالٌ بقلم المُشرف على تحرير المُلحق الثقافي تحت عنوان: «سيرة المرأة التي ظلت متشبثة بفتيل شمعة الضوء من دون ملل!»، وباعتبار المقال يتحدَّثُ عنّي؛ كانَ لا بُد أن يأتي الرد عليه بمقالٍ مُراعاةً للأعراف والتقاليد التي تنصُّ على أنَّ ما يُقال في الصحافة يُرد عليه عبر صفحاتها، وما يُقال في الإذاعة يُرد عليه عبر أثيرها، وما يُرسل عبر التلفاز يُرد عليه عبر شاشته ما دام الأمرُ مُمكنًا، ولا يُحادُ عن تلكَ الأعراف إلا عند الضرورات المانِعة لوصول الرد عبر الوسيلة التي وصَلَت بها الرسالة، عندها يُستعان بغيرها وِفقَ مُقتضى الضرورة.
بعدَ عقود طويلة من النَّقش الصَّبور على جُدران الأدب والإعلام المقروء صارَ يكفي أن يُشير الأستاذ/ علي الستراوي إلى أي شخصٍ في الوسط الثقافي بكلمةٍ واحدة حتى تتوجَّه أنظارُ الاهتمام نحو المُشار إليه، فكيفَ إن أشرعَ الحظُّ أبوابهُ لهذا الشخص بمقالٍ من مئاتِ الكلمات المرسومة بأسلوبه الشاعري الذي غدا بصمةً نادرةً تمتاز بها هويّتهُ الأدبيَّة؟ ربما يُمكنني تقييم موهبتي باعتبارها واحدةً من أقل المواهِب التي تستحق الاهتمام في هذا السِّياق، فكُل الموجودين على ساحة الإبداع في البحرين أكثر موهبًة ومهارةً وثقافةً منّي، لكن التوفيق الإلهي ساندني والحظ ساعدني، ولا شك أن حظّكَ قادمٌ أيضًا يا من تقرأ سطوري وتتمنى أن يكون لكَ هذا المكان.
من باب الأمانة الأدبيَّة؛ لا يسعني غير الاعتراف بأنني - مثل كثيرين -أدين لما يُمكننا أن نُطلق عليه «مدرسة علي الستراوي» الإعلاميَّة بفضلٍ كبير، ففي بداياتنا كُنا نتلقى منهُ المُقترحات، والإرشادات، ونرصُدُ ما يقوم به من تعديلاتٍ في سياق تحرير الصفحات الثقافيَّة التي يُشرف عليها وإخراجها حتى تخرَّجَت أقلامنا منها بمخزون خبرةٍ لا يُمكن تقديرهُ بثمَن.. وسيكونُ من الإنصاف الإشارة إلى بداية تشرُّفي بمعرفة هذا الأستاذ الفاضِل شخصيًا؛ لعلَّ تلك الحكاية تكونُ مرجعًا ذات يومٍ لمُدوّني سيرتهُ الأدبيَّة ومسيرتهُ الإعلاميَّة.
عام 2010م كُنتُ أستكملُ دراستي الجامعيَّة في البحرين، سعيدةٌ ومفتونة بكُل جديدٍ بالنسبة لي وقتها كـ «أليس في بلاد العجائِب»، لي مجموعةٌ قصصيَّةٌ واحدةٌ ومقالاتٌ هُنا وهُناك، كثيرون يعرفون كلماتي المكتوبة باعتباري كنتُ أنشرُ بعض مُشاركاتي المكتوبة والمرسومة منذ الصِّغَر على صفحات مجلَّة «ماجد» للأطفال قبل أن أكبُر قليلاً وأتوجَّه للتعبير عمَّا يجول بذهني عبرَ صحافة الشَّباب في أكثر من بلدٍ عربي، لكن من يعرفونني شخصيًا في الأوساط الأدبيَّة قلائل، إلى أن وصلتني ذات يوم رسالة من القاص السعودي «حسن البطران» يسألني عمَّا إذا كانت ظروفي تسمحُ بالمشاركة في أُمسية قصصية يُقمها «مركز كرزكان الثقافي»، ويبدو أن المشيئة الإلهيَّة اختارتني منذ البداية لتلكَ الفُرصة لأن ظروف الأديبات اللواتي تم ترشيح اسمائهن قبلي لم تكُن مُلائمة لتمكُّنهن من القدوم خلال التاريخ المرصود للفعالية، فذهبنا إلى هُناك لنحظى بكُل تقديرٍ وإكرام.. كانت تلكَ المرَّة الأولى التي ألتقي فيها بالمُبدعين البحرينيين: محمد أبو حسن، مهدي عبدالله، علي خميس الفردان، أحمد المؤذن، علي البقالي، شوقي مُلا أحمد، محمد إبراهيم وكثيرونَ آخرون، ولأنني طرتُ من الفرحة ببهجة التجربة؛ فقد عُدتُ من فوري وكتبتُ مقالاً أُعبّرُ فيه عن سعادتي وشُكري وجانبًا من تفاصيل تجربتي، وأرسلتهُ إلى مجموعةٍ أدبيَّة إلكترونيَّة من تلك المجموعات التي انقرضَت الآن، ولم يخطُر لي قط أنني سأرى هذا المقال في مكانٍ آخر!
بعد يومين أو ثلاثةٍ على وجه التقريب، جلستُ لأرتاحَ قليلاً في مكتبة الجامعة بعد تلقّي مُحاضرةٍ علميَّة مُنهِكة، ومددتُ يدي نحو إحدى الصحُف المحليَّة التي توفرها الجامعة يوميًا للمُطالَعة، قفزَ قلبي طائرًا من مكانه وأنا أرى تقريرًا صحفيًا سخيًا عن الأمسية القصصية مُكللاً بأجمل الصور المُعبِّرة من قلب الحدَث، بجانبه مقالي الذي أرسلتهُ للمجموعة الإلكترونيَّة منشورًا باسمي لتكتمل خيوط الأحداث أمام القُرَّاء! كانت أقصى أُمنياتي تلك اللحظة معرفة اسم الشخص الذي نشرَ مقالي، وحرِص على كتابة ذاك التقرير المُدهِش عن الأمسية ثم نشرَهُ تحت اسم «المُحررُ الثقافي» لأشكُرهُ بإخلاص.. من هذا المُحرر الثقافي؟ أُريدُ معرفة اسم «المُحرر الثقافي» لأجدَ طريقةً أشكُرهُ بها! راسلتُ الصحيفة على أمل أن تنقلَ شُكري وتقديري إلى المُحرر الثقافي لكن على مدى أيَّام لم يصلني أي رد، ففهمتُ أن رسالتي ربما تكون وصلَت الصحيفة؛ لكنها لم تصل إلى الشخص المنشود.. عندها فكَّرتُ أنني إن وجدتُ طريقةً للتواصُل مع مُشرف الصفحة الثقافية الذي لا أعرفهُ شخصيًا ولا أعرفُ طريقةً للتواصُل معه قد أعرفُ «المُحرر الثقافي» للمادَّة المكتوبة عني، وقررتُ القيام بإحدى رحلاتي التسكُّعيَّة المُعتادة في مكتبتي «الوطنية» و«الأيَّام» التي حلَّت مكانها اليوم مكتبة «الوقت» خلال طريق عودتي من جامعتي على أمل إيجاد نُسخة من أحد مؤلَّفات مُشرف الصفحة الثقافية الشاعر/ علي الستراوي، ومن ثم قراءة الكتاب بعمقٍ والكتابة عنهُ بضميرٍ ورصانة، ونشرُ قراءتي فيه عبر المجموعة الإلكترونيَّة الأدبيَّة ذاتها.. خلال أقل من يومٍ واحد وصلتني رسالة غايةً في اللطفِ والدماثة من الشاعر/ علي الستراوي، ومازلتُ -حتى اللحظة- مدينةٌ لهذا الإنسان بنشرِ أوَّل تقريرٍ صحفي عن فعاليَّة أدبيَّةٍ وفقني ربي للمشاركة فيها، انتقلَ الستراوي من تلك الصحيفة إلى «أخبار الخليج»، وانتقلنا معهُ إخلاصًا وعِرفانًا بالجميل، لنظل مُخلصين منذ عام 2010م إلى عامنا هذا 2025م.
كُل ما أكتُبهُ منذ ذاك الحين إلى اليوم عن أي إصدارٍ أدبي بحريني، أو مُنجزٍ ثقافي، أو فعالية تستحق الالتفات نابعٌ من شعورٍ عميقٍ بالامتنان لكُل أولئكَ الذينَ قبلوا بوجودي، واهتموا بي، وساعدوني، لأن الشكر الحقيقي لعطائهم لا يكون إلا بعطاءٍ ثقافي مُماثِل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك