العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٥ - الاثنين ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

ليكُن أطفالكم بخير

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٩ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

دعوني‭ ‬أعرّفكم‭ ‬على‭ (‬لونا‭) ‬وهي‭ ‬قطة‭ ‬سيامية‭ ‬جميلة‭  ‬تعيش‭ ‬بيننا،‭ ‬اكتشفت‭ ‬مؤخراً‭ ‬أنها‭ ‬حامل‭ ‬وأنجبت‭ ‬أربعة‭ ‬قطط‭ ‬صغيرة‭ ‬جميلة،‭ ‬وما‭ ‬أريد‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬سلوك‭  ‬لونا‭ ‬تجاه‭ ‬صغارها‭ ‬المليء‭ ‬بمشاعر‭ ‬الأمومة،‭ ‬حيث‭ ‬صبرها‭ ‬على‭ ‬متطلباتهم‭ ‬وحرصها‭ ‬على‭ ‬أمنهم‭ ‬وسلامتهم‭ ‬بصورة‭ ‬مدهشة،‭ ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أقضيه‭ ‬معهم‭ ‬تجدها‭ ‬أحيانا‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الاسترخاء‭ ‬وأبناؤها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬لعب،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬سرعان‭ ‬أن‭ ‬تفزع‭ ‬فزعة‭ ‬مسرعة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬سمعت‭ ‬صوتاً‭ ‬غريباً‭ ‬للاطمئنان‭ ‬عليهم،‭ ‬ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬يرتبط‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬بالأمومة‭ ‬لدى‭ ‬جميع‭ ‬الكائنات‭ ‬الحيّة‭ ‬السويّة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬ميّزه‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬خلقه‭ ‬بالعقل‭ ‬وفضّله‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬خلق‭ ‬تفضيلا‭.‬

وليس‭ ‬أجمل‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬الأم‭ ‬وحبّ‭ ‬الأم‭ ‬وإيثار‭ ‬الأم،‭ ‬حتى‭ ‬اختص‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬حنوّ‭ ‬الأم‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬رحمته‭ ‬وحنوّه‭ ‬على‭ ‬عبيده‭ ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬سيدنا‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أنه‭ ‬قال‭: ‬‮«‬أترون‭ ‬هذه‭ ‬المرأة‭ ‬طارحةً‭ ‬ولدها‭ ‬في‭ ‬النار؟،‭ ‬قلنا‭: ‬لا‭ ‬والله،‭ ‬فقال‭:‬‮ ‬الله‭ ‬أرحم‭ ‬بعباده‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬بولدها،‭ ‬متفق‭ ‬عليه‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬يبلغ‭ ‬حنان‭ ‬الأم،‭ ‬لذا‭ ‬يُستغرب‭ ‬ويُستنكر‭ ‬أي‭ ‬سلوك‭ ‬منها‭ ‬قد‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬ضرراً‭ ‬لطفلها‭.‬

ولعل‭ ‬مشاهداتي‭ ‬للونا‭ ‬وحنوّها‭ ‬على‭ ‬صغارها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أعادت‭ ‬طرحي‭ ‬لموضوع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الأبناء‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬مبكّرة،‭ ‬من‭ ‬الألواح‭ ‬الذكية‭ ‬والأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬دون‭ ‬رقيب‭ ‬وآثارها‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬الأطفال‭ ‬النفسية‭ ‬والجسدية‭ ‬والعقلية‭ ‬وعلى‭ ‬سلامتهم‭ ‬أيضاً،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظاهرة‭ ‬مجتمعية‭ ‬خطيرة‭ ‬يعانيها‭ ‬الأطفال‭ ‬بلا‭ ‬ذنب‭ ‬منهم‭- ‬بسبب‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬وإهمال‭ ‬وانشغال‭ ‬الوالدين‭ ‬العصريين‭ ‬بأمور‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬حُسن‭ ‬تربية‭ ‬أبنائهم،‭ ‬فأكثرهم‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬متطلبات‭ ‬أطفاله‭ ‬وشغبهم‭ ‬وحركتهم‭ ‬بإلهائهم‭ ‬بالأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تستمر‭ ‬فيه‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬الضرر‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الأطفال‭ ‬لتلك‭ ‬الأجهزة‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬تتسبب‭ ‬به‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬التوحّد‭ ‬والعزلة‭ ‬النفسية‭ ‬والانقطاع‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬الطفل‭ ‬لتنمية‭ ‬قدراته‭ ‬ومهاراته‭ ‬وتعليمه‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬وحتى‭  ‬7‭ ‬سنوات،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تتسبب‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬شعور‭ ‬دائم‭ ‬بالقلق‭ ‬والتوتر‭ ‬أثناء‭ ‬لعب‭ ‬بعض‭ ‬الألعاب‭ ‬وأثناء‭ ‬سحب‭ ‬الأجهزة‭ ‬منهم‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تعطل‭ ‬الإنترنت‭ ‬أو‭ ‬فصله‭ ‬وتُعزز‭ ‬العنف‭ ‬لديهم‭ ‬بحكم‭ ‬طبيعة‭ ‬الألعاب‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يندمج‭ ‬الطفل‭ ‬معها‭ ‬ويدمنها،‭ ‬فهي‭ ‬تعزلهم‭ ‬عن‭ ‬بيئتهم‭ ‬وتخلق‭ ‬لهم‭ ‬بيئة‭ ‬جديدة‭ ‬افتراضية‭ ‬مغايرة‭ ‬للبيئة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الطبيعية،‭ ‬فتحرمهم‭ ‬وفقاً‭ ‬لأحد‭ ‬الباحثين‭- ‬من‭ ‬معايشة‭ ‬المشاعر‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬يتشاركها‭ ‬مع‭ ‬بيئته‭ ‬وأسرته‭ ‬وأقرانه،‭ ‬فضحكته‭ ‬افتراضية‭ ‬وألمه‭ ‬افتراضي‭ ‬وجميع‭ ‬مشاعره‭ ‬افتراضية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الأثر‭ ‬الجسدي‭ ‬الذي‭ ‬يلحق‭ ‬بأعصابه‭ ‬وقوة‭ ‬نظره‭ ‬وجميع‭ ‬أعضائه‭ ‬الحيوية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬تضج‭ ‬بها‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬التطرق‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬المؤتمرات‭ ‬العلمية‭ ‬المتخصصة‭ ‬والتي‭ ‬اعتبر‭ ‬أغلبها‭ ‬أن‭ ‬الآثار‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والألواح‭ ‬الذكية‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرّة‭ ‬قد‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬خلق‭ ‬أطفال‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬إعاقة،‭ ‬ليست‭ ‬بالضرورة‭ ‬إعاقة‭ ‬جسدية‭ ‬ولكن‭ ‬إعاقة‭ ‬نفسية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬وذلك‭ ‬نفسه‭ ‬ما‭ ‬انتهت‭ ‬إليه‭ ‬ندوة‭ ( ‬تمكين‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬إعاقة‭ ‬‭ ‬التحديات‭ ‬والحلول‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬ضمن‭ ‬فعاليات‭ ‬المؤتمر‭ ‬الدولي‭ ‬للأشخاص‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬الإعاقة‭ ‬والذي‭ ‬أقامته‭ ‬جمعية‭ ‬التعاون‭ ‬الثقافي‭ ‬ومساندة‭ ‬الأشخاص‭ ‬المعاقين‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬الثالث‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭.‬

لذا،‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬رسالة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الأسرة،‭ ‬الوالدين،‭ ‬الجدّين،‭ ‬للتحذير‭ ‬من‭ ‬مغبّة‭ ‬استخدام‭ ‬أطفالهم‭ ‬لتلك‭ ‬الأجهزة،‭ ‬مع‭ ‬علمهم‭ ‬بضررها‭ ‬وآثارها‭ ‬الحالية‭ ‬والمستقبلية؟‭ ‬أي‭ ‬جرس‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُقرع‭ ‬ويُحرّك‭ ‬مشاعر‭ ‬الوالدين‭ ‬نحو‭ ‬حماية‭ ‬أطفالهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الخطر؟؟‭ ‬والأمرّ‭ ‬والأدهى‭ ‬هو‭ ‬أنهم‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بهذه‭ ‬الأضرار‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬مصرّين‭ ‬على‭ ‬تعريض‭ ‬أبنائهم‭ ‬لها‭.‬

فرفقا‭ ‬بأطفالكم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا