العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

إيران وأمريكا: اللعبة الكبرى

في‭ ‬الفترة‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬تابعنا‭ ‬تصريحات‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬وأيضا‭ ‬تعليقات‭ ‬سياسية‭ ‬عامة‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬احتمالات‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬الحرب‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والبعض‭ ‬حذر‭ ‬تحديدا‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬وقوع‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬وأمريكا‭. ‬يقولون‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬التصعيد‭ ‬الظاهر‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات‭ ‬أو‭ ‬المخاوف‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها‭.‬

التطورات‭ ‬والتقارير‭ ‬عما‭ ‬يجري‭ ‬خلف‭ ‬الكواليس‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وإيران‭ ‬تؤكد‭ ‬هذا‭. ‬تؤكد‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬واردا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬الحرب‭ ‬ولا‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مواجهة‭ ‬لا‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭.‬

وعلى‭ ‬أي‭ ‬حال‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتأمل‭ ‬جيدا‭ ‬التطورات‭ ‬والمواقف‭ ‬التالية‭:‬

في‭ ‬البداية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعلنت‭ ‬إيران‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تتدخل‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ذكرت‭ ‬التقارير‭ ‬أن‭ ‬اتصالات‭ ‬مكثفة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬جرت‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وإيران‭. ‬التقارير‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬بعثت‭ ‬رسائل‭ ‬لإيران‭ ‬عبر‭ ‬وسطاء‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬مسئولون‭ ‬في‭ ‬دولتين‭ ‬خليجيتين‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الاتصالات‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬تم‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬رغبة‭ ‬لا‭ ‬أمريكا‭ ‬ولا‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬التصعيد‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬الحرب‭.‬

وحين‭ ‬قررت‭ ‬أمريكا‭ ‬ومعها‭ ‬بريطانيا‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬إلى‭ ‬الحوثيين‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬عملاء‭ ‬إيران،‭ ‬أكدت‭ ‬التقارير‭ ‬أن‭ ‬امريكا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬توجه‭ ‬الضربة‭ ‬أبلغت‭ ‬الحوثيين‭ ‬بالأماكن‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬تستهدفها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أتاح‭ ‬لهم‭ ‬الاستعداد‭ ‬ونقل‭ ‬الصواريخ‭ ‬وأي‭ ‬أسلحة‭ ‬وتجهيزات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن‭.‬

وبعد‭ ‬الضربة‭ ‬حرص‭ ‬المسئولون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬على‭ ‬تأكيد‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬أبدا‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الحوثيين‭ ‬أو‭ ‬توجيه‭ ‬ضربات‭ ‬قاصمة‭ ‬لهم‭ ‬وإنما‭ ‬تريد‭ ‬فقط‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬على‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭.‬

وحتى‭ ‬عندما‭ ‬أعلنت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إعادة‭ ‬تصنيف‭ ‬الحوثيين‭ ‬منظمة‭ ‬إرهابية،‭ ‬فقد‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬تصنيف‭ ‬خاص‭ ‬له‭ ‬وضعية‭ ‬معينة‭ ‬وأن‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬مؤجل‭ ‬مدة‭ ‬شهر‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يتضرر‭ ‬اليمنيون‭ ‬كما‭ ‬قالوا‭.‬

المسئولون‭ ‬الإيرانيون‭ ‬كشفوا‭ ‬عن‭ ‬أمر‭ ‬آخر‭ ‬اكثر‭ ‬أهمية‭. ‬قالوا‭ ‬إن‭ ‬أمريكا،‭ ‬وعبر‭ ‬الوسطاء،‭ ‬عرضت‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬ملامح‭ ‬وأبعاد‭ ‬صفقة‭ ‬كبرى‭ ‬مقترحة‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وإيران‭ ‬تتعلق‭ ‬بكل‭ ‬قضايا‭ ‬المنطقة،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬بموضوع‭ ‬عدم‭ ‬توسع‭ ‬الحرب‭. ‬ولم‭ ‬ينف‭ ‬الأمريكيون‭ ‬ما‭ ‬أعلنته‭ ‬إيران‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬جوانب‭ ‬هذه‭ ‬الصفقة‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬الإيرانيون‭ ‬تتعلق‭ ‬أساسا‭ ‬بالقضايا‭ ‬العربية‭.‬

إذا‭ ‬تأملنا‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬وغيرها‭ ‬فسوف‭ ‬ندرك‭ ‬بسهولة‭ ‬أننا‭ ‬إزاء‭ ‬لعبة‭ ‬كبرى‭ ‬تجري‭ ‬حاليا‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وإيران‭ ‬لا‭ ‬احد‭ ‬يعلم‭ ‬تماما‭ ‬أبعادها‭ ‬بالضبط‭. ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العرب‭ ‬والقضايا‭ ‬العربية‭.‬

ليس‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نستغرب‭ ‬هذا‭ ‬أبدا‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬اعتبارات‭ ‬كثيرة‭.‬

أولا‭ ‬هناك‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الصفقات‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وإيران‭ ‬وخصوصا‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬أوباما‭. ‬كما‭ ‬نعلم‭ ‬كان‭ ‬أوباما‭ ‬متواطئا‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وشديد‭ ‬الإعجاب‭ ‬بإيران‭ ‬وعبّر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬صراحة‭ ‬في‭ ‬مواقفه‭ ‬وتصريحاته‭ ‬المعلنة‭. ‬وعقد‭ ‬أوباما‭ ‬صفقة‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬التي‭ ‬انسحب‭ ‬منها‭ ‬ترامب‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬حين‭ ‬أتى‭ ‬بايدن‭ ‬للسلطة‭ ‬اتخذ‭ ‬أيضا‭ ‬إجراءات‭ ‬تصالحية‭ ‬كثيرة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬مفاوضات‭ ‬عودة‭ ‬أمريكا‭ ‬للاتفاق،‭ ‬ورفع‭ ‬الحظر‭ ‬عن‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬الإيرانية‭ ‬المجمدة،‭ ‬وغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الحظر‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬النفط‭ ‬الإيراني‭.. ‬وهكذا‭.‬

وفي‭ ‬غضون‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬غضت‭ ‬أمريكا‭ ‬النظر‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬الخطر‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وعن‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬القوى‭ ‬والمليشيات‭ ‬العميلة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

واليوم‭ ‬هناك‭ ‬مصلحة‭ ‬أمريكية‭ ‬إيرانية‭ ‬مشتركة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لوقف‭ ‬أي‭ ‬تصعيد‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وانما‭ ‬للتوصل‭ ‬الى‭ ‬توافقات‭ ‬سواء‭ ‬وصلت‭ ‬لحد‭ ‬الصفقة‭ ‬او‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭.‬

بايدن‭ ‬وهو‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬خلال‭ ‬أشهر‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬نشوب‭ ‬أي‭ ‬ازمة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬تصعيد‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭.‬

وإيران‭ ‬من‭ ‬مصلحتها‭ ‬دعم‭ ‬بايدن‭ ‬والديمقراطيين‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬القادمة‭ ‬إذ‭ ‬تخشى‭ ‬أن‭ ‬يفوز‭ ‬ترامب‭ ‬ويعود‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬بكل‭ ‬مواقفه‭ ‬المتشددة‭ ‬المعروفة‭ ‬تجاه‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭.‬

هناك‭ ‬إذن‭ ‬مصلحة‭ ‬أمريكية‭ ‬إيرانية‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬التهدئة‭ ‬وفي‭ ‬محاولة‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬توافق‭. ‬وليس‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نستغرب‭ ‬إذا‭ ‬فوجئنا‭ ‬قبل‭ ‬إجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بصفقة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وإيران‭ ‬يقدمها‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬إنجاز‭ ‬له‭. ‬وبالطبع‭ ‬لا‭ ‬يضع‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬اعتباره‭ ‬إطلاقا‭ ‬أي‭ ‬مصلحة‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أي‭ ‬صفقة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬العرب‭.‬

ما‭ ‬ذكرناه‭ ‬بعض‭ ‬ملامح‭ ‬اللعبة‭ ‬الكبرى‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬وإيران‭ ‬حاليا‭.‬

نقول‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بأبعاد‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسفر‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المصالح‭ ‬العربية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا