العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

بِئْسه من تحضر

دعوني‭ ‬أعيد‭ ‬عليكم‭ ‬سرد‭ ‬وقائع‭ ‬شهدتها‭ ‬عاصمة‭ ‬اليمن‭ (‬السعيد‭ ‬سابقا‭)‬،‭ ‬نقلا‭ ‬عن‭ ‬جريدة‭ ‬إلكترونية‭ ‬وهي‭ ‬حكاية‭ ‬عجوز‭ (‬اكتشفت‭ ‬مؤخرا‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬لغويا‭ ‬ان‭ ‬تصف‭ ‬رجلا‭ ‬بأنه‭ ‬عجوز‭ ‬لأنه‭ ‬متقدم‭ ‬في‭ ‬السن،‭ ‬وأن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬يوصف‭ ‬بالكهولة‭ ‬أو‭ ‬الشيخوخة،‭ ‬ولو‭ ‬قال‭ ‬عني‭ ‬شخص‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬انني‭ ‬كهل‭ ‬أو‭ ‬‮«‬شيخوخ‮»‬‭ ‬فذنبه‭ ‬على‭ ‬جنبه‭ ‬وعليه‭ ‬تحمل‭ ‬العواقب‭ ‬الجسيمة‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭). ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬عجوزا‭ ‬يمنية‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬مطار‭ ‬صنعاء‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬بناتها‭ ‬لوداع‭ ‬حفيدة‭ ‬لها‭ ‬كانت‭ ‬مسافرة‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬ترى‭ ‬فيها‭ ‬مطاراً‭ ‬أو‭ ‬طائرة‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ولما‭ ‬رأت‭ ‬بناتها‭ ‬يلوحن‭ ‬بأيديهن‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬الطائرة‭ ‬تتدحرج‭ ‬حذت‭ ‬حذوهن،‭ ‬ثم‭ ‬زادت‭ ‬الطائرة‭ ‬سرعتها‭ ‬فأطلقت‭ ‬الحجية‭ ‬صرخة‭ ‬تقطع‭ ‬نياط‭ ‬القلب‭ ‬ووقعت‭ ‬مغشياً‭ ‬عليها،‭ ‬وهب‭ ‬جماعة‭ ‬الاسعاف‭ ‬في‭ ‬المطار،‭ ‬و‮«‬أنعشوها‭ ‬ونعنشوها‮»‬‭ ‬بالنشادر،‭ ‬وعندما‭ ‬أفاقت‭ ‬احتضنت‭ ‬بناتها‭ ‬وحمدت‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬سلامتهن،‭ ‬فقد‭ ‬حسبت‭ ‬أن‭ ‬الطائرة‭ ‬المندفعة‭ ‬بصدد‭ ‬دهسها‭ ‬هي‭ ‬وبناتها‭.‬

وعندما‭ ‬عرضت‭ ‬على‭ ‬صديق‭ ‬كان‭ ‬يجالسني‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬أطلق‭ ‬ضحكة‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يطلقه‭ ‬الناس‭ ‬المتحضرون،‭ ‬عندما‭ ‬يرون‭ ‬أو‭ ‬يسمعون‭ ‬بردود‭ ‬أفعال‭ ‬من‭ ‬يحسبونهم‭ ‬متخلفين‭ ‬عند‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أدوات‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭! ‬ولسوء‭ ‬حظ‭ ‬صاحبي‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬زميلاً‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬وخضنا‭ ‬سوياً‭ ‬تجربة‭ ‬لشرب‭ ‬الكوكاكولا‭ ‬المثلجة،‭ ‬التي‭ ‬جمعنا‭ ‬قيمتها‭ ‬بالإضراب‭ ‬عن‭ ‬وجبة‭ ‬الفطور‭ ‬المدرسي‭ ‬مدة‭ ‬أسبوع،‭ ‬وأذكر‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬لسانه‭ ‬انحشر‭ ‬في‭ ‬عنق‭ ‬الزجاجة،‭ ‬وأن‭ ‬المشروب‭ ‬تدفق‭ ‬عبر‭ ‬أنفه‭ ‬الأفطس،‭ ‬حتى‭ ‬كادت‭ ‬روحه‭ ‬تخرج‭ ‬معه،‭ ‬وطلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أنقله‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬ليتم‭ ‬شفط‭ ‬الكولا‭ ‬من‭ ‬جيوبه‭ ‬الأنفية‭ ‬ولم‭ ‬يتراجع‭ ‬عن‭ ‬طلبه‭ ‬هذا‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يتطلب‭ ‬استئصال‭ ‬أنفه‭ ‬بالكامل‭ (‬كنت‭ ‬قد‭ ‬مررت‭ ‬قبلها‭ ‬بتجربة‭ ‬مماثلة‭ ‬ولكن‭ ‬بالمران‭ ‬والتدريب‭ ‬صرت‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬شرب‭ ‬الكولا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتعرض‭ ‬لساني‭ ‬أو‭ ‬أنفي‭ ‬لمشاكل‭ ‬من‭ ‬اي‭ ‬نوع،‭ ‬ثم‭ ‬هداني‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬هجر‭ ‬جميع‭ ‬صنوف‭ ‬الكولا‭). ‬ثم‭ ‬ذكّرت‭ ‬ذلك‭ ‬الصديق‭ ‬بحادثة‭ ‬أخرى‭ ‬عندما‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬وقمنا‭ ‬بحملة‭ ‬ادخار‭ ‬استغرقت‭ ‬عاماً‭ ‬دراسياً‭ ‬كاملاً‭ ‬ليتسنى‭ ‬لنا‭ ‬دخول‭ ‬مطعم‭ ‬محترم‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬تستخدم‭ ‬فيه‭ ‬الشوكة‭ ‬والسكين‭ ‬في‭ ‬الأكل،‭ ‬ودخلنا‭ ‬المطعم‭ ‬وكان‭ ‬ملحقا‭ ‬بفندق‭ ‬يؤمه‭ ‬علية‭ ‬القوم‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الحكوميين‭ ‬والحرامية‭ ‬الكبار‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬الأجانب،‭ ‬بملابس‭ ‬استعرناها‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬كي‭ ‬نرتفع‭ ‬بمظهرنا‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬تلك‭ ‬المناسبة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬منعطفاً‭ ‬خطيراً‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬أمتنا‭ ‬الظافرة‭ (‬من‭ ‬فرط‭ ‬ممارستي‭ ‬للنفاق‭ ‬الصحفي‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬العبارات‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬قلمي‭ ‬وكيبوردي‭ ‬لا‭ ‬إرادياً‭)‬،‭ ‬ووضع‭ ‬الجرسون‭ ‬أمامنا‭ ‬قائمة‭ ‬الطعام‭ ‬فلم‭ ‬نعرف‭ ‬من‭ ‬الأصناف‭ ‬المعروضة‭ ‬سوى‭ ‬الكباب،‭ ‬فاستبعدناه‭ ‬لأن‭ ‬الكباب‭ ‬يأتي‭ ‬مقطعاً‭ ‬ولن‭ ‬يتيح‭ ‬لنا‭ ‬فرصة‭ ‬استخدام‭ ‬السكين‭ ‬فطلبنا‭ ‬شيئاً‭ ‬اسمه‭ ‬سكالوب،‭ ‬واكتشفنا‭ ‬أنه‭ ‬قطعة‭ ‬كباب‭ ‬كبيرة‭ ‬مسطحة،‭ ‬ولكننا‭ ‬سررنا‭ ‬لأننا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬سنستخدم‭ ‬السكين‭ ‬لقطعها،‭ ‬وغرس‭ ‬صاحبي‭ ‬الشوكة‭ ‬في‭ ‬طرف‭ ‬قطعة‭ ‬اللحم‭ ‬وبدأ‭ ‬ينحت‭ ‬فيها‭ ‬بالسكين‭ ‬التي‭ ‬أحدثت‭ ‬صوتا‭ ‬‮«‬سيك‭ ‬سيك‮»‬‭ ‬تضايق‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬حولنا،‭ ‬وفجأة‭ ‬طارت‭ ‬القطعة‭ ‬بكاملها‭ ‬من‭ ‬الطبق‭ ‬وسقطت‭ ‬ارضاً،‭ ‬وأصبح‭ ‬صديقي‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬السمسمة‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬الخجل،‭ ‬ثم‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬يشاركني‭ ‬قطعتي‭ ‬فقلت‭ ‬له‭ ‬بحزم‭: ‬عيب،‭ ‬في‭ ‬المطاعم‭ ‬الراقية‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬طبقه‭ ‬الخاص،‭ ‬وخوفاً‭ ‬من‭ ‬ضياع‭ ‬قطعتي‭ ‬وخوفاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يشاركني‭ ‬في‭ ‬أكلها‭ ‬أمسكت‭ ‬بها‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬يدي‭ ‬وبدأت‭ ‬أنهش‭ ‬فيها‭ ‬بأسناني‭ ‬والتهمتها‭ ‬في‭ ‬قضمتين،‭ ‬ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬وأنا‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬الإمساك،‭ ‬وذات‭ ‬مرة‭ ‬وفي‭ ‬مطعم‭ ‬في‭ ‬سنغافورة‭ ‬لم‭ ‬أفهم‭ ‬كنه‭ ‬شيء‭ ‬مما‭ ‬يقدمه‭ ‬المطعم‭ ‬فطلبت‭ ‬شوربة‭ (‬قلتها‭ ‬سوب‭ ‬الإنجليزية‭)‬،‭ ‬فأتاني‭ ‬جرسون‭ ‬ذو‭ ‬عينين‭ ‬بائستين‭ ‬بمادة‭ ‬لزجة‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬حركتها‭ ‬بالملعقة‭ ‬حتى‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬بها‭ ‬خيوطا‭ ‬طويلة،‭ ‬فسألت‭ ‬الجرسون‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬البتاعات‭ ‬الطويلة‭ ‬اسباغيتي،‭ ‬فقال‭: ‬إنها‭ ‬أذرع‭ ‬أخطبوط‭ ‬‮«‬فريش‮»‬‭ ‬أي‭ ‬طازج‭... ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬الطبق‭ ‬الذي‭ ‬أمامي‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تليين‭ ‬البطن‭ ‬ومقاومة‭ ‬الإمساك‭ ‬ولهذا‭ ‬يسمونه‭ ‬‮«‬سوب‮»‬‭ ‬soap أي‭ ‬صابون‭!! ‬وهكذا‭ ‬أصبحت‭ ‬نباتياً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬غادرت‭ ‬ذلك‭ ‬البلد‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا