زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
بِئْسه من تحضر
دعوني أعيد عليكم سرد وقائع شهدتها عاصمة اليمن (السعيد سابقا)، نقلا عن جريدة إلكترونية وهي حكاية عجوز (اكتشفت مؤخرا انه لا يصح لغويا ان تصف رجلا بأنه عجوز لأنه متقدم في السن، وأن مثل هذا الرجل يوصف بالكهولة أو الشيخوخة، ولو قال عني شخص يوما ما انني كهل أو «شيخوخ» فذنبه على جنبه وعليه تحمل العواقب الجسيمة المترتبة على ذلك). المهم أن عجوزا يمنية ذهبت إلى مطار صنعاء مع عدد من بناتها لوداع حفيدة لها كانت مسافرة إلى دولة الإمارات، وكانت تلك أول مرة في حياتها ترى فيها مطاراً أو طائرة على الأرض، ولما رأت بناتها يلوحن بأيديهن عندما بدأت الطائرة تتدحرج حذت حذوهن، ثم زادت الطائرة سرعتها فأطلقت الحجية صرخة تقطع نياط القلب ووقعت مغشياً عليها، وهب جماعة الاسعاف في المطار، و«أنعشوها ونعنشوها» بالنشادر، وعندما أفاقت احتضنت بناتها وحمدت الله على سلامتهن، فقد حسبت أن الطائرة المندفعة بصدد دهسها هي وبناتها.
وعندما عرضت على صديق كان يجالسني تفاصيل هذه الحكاية أطلق ضحكة من النوع الذي يطلقه الناس المتحضرون، عندما يرون أو يسمعون بردود أفعال من يحسبونهم متخلفين عند التعامل مع أدوات العصر الحديث! ولسوء حظ صاحبي هذا فقد كان زميلاً لي في الدراسة وخضنا سوياً تجربة لشرب الكوكاكولا المثلجة، التي جمعنا قيمتها بالإضراب عن وجبة الفطور المدرسي مدة أسبوع، وأذكر جيداً أن لسانه انحشر في عنق الزجاجة، وأن المشروب تدفق عبر أنفه الأفطس، حتى كادت روحه تخرج معه، وطلب مني أن أنقله إلى المستشفى ليتم شفط الكولا من جيوبه الأنفية ولم يتراجع عن طلبه هذا إلا بعد أن قلت له إن ذلك قد يتطلب استئصال أنفه بالكامل (كنت قد مررت قبلها بتجربة مماثلة ولكن بالمران والتدريب صرت قادرا على شرب الكولا دون أن يتعرض لساني أو أنفي لمشاكل من اي نوع، ثم هداني الله إلى هجر جميع صنوف الكولا). ثم ذكّرت ذلك الصديق بحادثة أخرى عندما كنا في المرحلة الثانوية، وقمنا بحملة ادخار استغرقت عاماً دراسياً كاملاً ليتسنى لنا دخول مطعم محترم من النوع الذي تستخدم فيه الشوكة والسكين في الأكل، ودخلنا المطعم وكان ملحقا بفندق يؤمه علية القوم من كبار المسؤولين الحكوميين والحرامية الكبار والدبلوماسيين الأجانب، بملابس استعرناها من هذا وذاك، كي نرتفع بمظهرنا إلى مستوى تلك المناسبة التاريخية التي تمثل منعطفاً خطيراً في مسيرة أمتنا الظافرة (من فرط ممارستي للنفاق الصحفي فإن مثل تلك العبارات تخرج من قلمي وكيبوردي لا إرادياً)، ووضع الجرسون أمامنا قائمة الطعام فلم نعرف من الأصناف المعروضة سوى الكباب، فاستبعدناه لأن الكباب يأتي مقطعاً ولن يتيح لنا فرصة استخدام السكين فطلبنا شيئاً اسمه سكالوب، واكتشفنا أنه قطعة كباب كبيرة مسطحة، ولكننا سررنا لأننا على الأقل سنستخدم السكين لقطعها، وغرس صاحبي الشوكة في طرف قطعة اللحم وبدأ ينحت فيها بالسكين التي أحدثت صوتا «سيك سيك» تضايق منه من كانوا حولنا، وفجأة طارت القطعة بكاملها من الطبق وسقطت ارضاً، وأصبح صديقي في حجم السمسمة من فرط الخجل، ثم طلب مني أن يشاركني قطعتي فقلت له بحزم: عيب، في المطاعم الراقية كل واحد يأكل من طبقه الخاص، وخوفاً من ضياع قطعتي وخوفاً من أن يشاركني في أكلها أمسكت بها كاملة في يدي وبدأت أنهش فيها بأسناني والتهمتها في قضمتين، ومنذ يومها وأنا أعاني من الإمساك، وذات مرة وفي مطعم في سنغافورة لم أفهم كنه شيء مما يقدمه المطعم فطلبت شوربة (قلتها سوب الإنجليزية)، فأتاني جرسون ذو عينين بائستين بمادة لزجة ما إن حركتها بالملعقة حتى اكتشفت أن بها خيوطا طويلة، فسألت الجرسون ما إذا كانت تلك البتاعات الطويلة اسباغيتي، فقال: إنها أذرع أخطبوط «فريش» أي طازج... وأضاف أن الطبق الذي أمامي يساعد على تليين البطن ومقاومة الإمساك ولهذا يسمونه «سوب» soap أي صابون!! وهكذا أصبحت نباتياً إلى أن غادرت ذلك البلد!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك