العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لماذا أحب السيدة فيليس

تعالوا‭ ‬أحدثكم‭ ‬عن‭ ‬حبي‭ ‬لامرأة‭ ‬ينافسني‭ ‬على‭ ‬حبها‭ ‬الملايين،‭ ‬إنها‭ ‬السيدة‭ ‬الاسترالية‭ ‬فيليس‭ ‬تيرنر‭ ‬التي‭ ‬نالت‭ ‬الماجستير‭ ‬وعمرها‭ ‬94‭ ‬سنة،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نال‭ ‬بعض‭ ‬عيال‭ ‬أحفادها‭ ‬تلك‭ ‬الدرجة‭ ‬العلمية،‭ ‬وكانت‭ ‬تيرنر‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الـ‭ ‬12‭ ‬عندما‭ ‬هجر‭ ‬أبوها‭ ‬العائلة،‭ ‬فغادرت‭ ‬كرسي‭ ‬الدراسة‭ ‬لتساعد‭ ‬أمها‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬بقية‭ ‬إخوتها،‭ ‬ثم‭ ‬كبرت‭ ‬وتزوجت‭ ‬وأنجبت‭ ‬سبعة‭ ‬من‭ ‬البنين‭ ‬والبنات‭ ‬وتبنت‭ ‬فوقهم‭ ‬طفلين‭ ‬يتيمين،‭ ‬وعندما‭ ‬بلغت‭ ‬السبعين‭ ‬كان‭ ‬عيالها‭ ‬التسعة‭ ‬تزوجوا‭ ‬وصار‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬الأحفاد‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لتشكيل‭ ‬فريق‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬مع‭ ‬كذا‭ ‬لاعب‭ ‬احتياطي‭.‬

تعملي‭ ‬إيه‭ ‬يا‭ ‬فيليس‭ ‬يا‭ ‬تيرنر‭ ‬وعيالك‭ ‬صاروا‭ ‬مشغولين‭ ‬بعيالهم،‭ ‬والبيت‭ ‬صار‭ ‬خاليا‭ ‬من‭ ‬البشر؟‭ ‬جلست‭ ‬لامتحان‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬ونجحت‭ ‬بالمزيكة‭ ‬ثم‭ ‬التحقت‭ ‬بجامعة‭ ‬أديليد‭ ‬الاسترالية،‭ ‬وبعد‭ ‬سنتين‭ ‬فازت‭ ‬بمنحة‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬والسبعين‭ ‬أي‭ ‬صارت‭ ‬تدرس‭ ‬بالجامعة‭ ‬مجانا،‭ ‬حتى‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬بكالوريوس‭ ‬في‭ ‬الأنثروبولوجي‭ ‬‮«‬علم‭ ‬الأجناس‭/‬السلالات‭ ‬البشرية‮»‬‭. ‬طيب‭ ‬خلصنا‭ ‬من‭ ‬البكالرويوس،‭ ‬هل‭ ‬أبِلَّه‭ ‬وأشرب‭ ‬ماءه‭ ‬خصوصا‭ ‬وأنني‭ ‬لم‭ ‬أدخل‭ ‬الجامعة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مؤهل‭ ‬يضمن‭ ‬لي‭ ‬وظيفة،‭ ‬لأن‭ ‬القانون‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬فوق‭ ‬السبعين‭ ‬ببدء‭ ‬حياتهم‭ ‬العملية؟‭ ‬لا‭ ‬حل‭ ‬سوى‭ ‬مواصلة‭ ‬الدراسة‭.‬

‭ ‬وهكذا‭ ‬عادت‭ ‬تيرنر‭ ‬إلى‭ ‬جامعة‭ ‬أديليد‭ ‬في‭ ‬استراليا‭ ‬والتحقت‭ ‬بكلية‭ ‬الطب،‭ ‬وتأهلت‭ ‬كطبيبة،‭ ‬ولكن‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬العلماء‭ ‬فكلما‭ ‬اطلعت‭ ‬ودرست‭ ‬تزداد‭ ‬إحساسا‭ ‬بأنك‭ ‬جاهل،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬خالتو‭ ‬تيرنر‭ - ‬وكانت‭ ‬وقتها‭ ‬في‭ ‬التسعين‭ - ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة‭ ‬والعمل‭ ‬الميداني‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬حتى‭ ‬نالت‭ ‬الماجستير‭ ‬في‭ ‬الطب،‭ ‬ويحاول‭ ‬المشرف‭ ‬على‭ ‬رسالتها‭ ‬البروفسور‭ ‬هينيغبيرغ‭ ‬حالياً‭ ‬إقناعها‭ ‬بالعمل‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الدكتوراه‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬الـ‭ ‬94‭!!‬

تخيل‭ ‬أن‭ ‬شخصاً‭ ‬عربياً‭ ‬في‭ ‬السبعين‭ (‬رجلاً‭ ‬بالتحديد‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬لضرب‭ ‬المثل‭ ‬بامرأة‭ ‬عربية‭ ‬فوق‭ ‬السبعين‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬مجرد‭ ‬المرور‭ ‬بمحاذاة‭ ‬سور‭ ‬أي‭ ‬جامعة‭ ‬لأن‭ ‬أهلها‭ ‬كانوا‭ ‬سيربطونها‭ ‬بالحبال‭ ‬ويسلمونها‭ ‬إلى‭ ‬مستشفى‭ ‬للأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬والجلدية‭! ‬أو‭ ‬يسلمونها‭ ‬لدجال‭ ‬ليقوم‭ ‬بطرد‭ ‬الجان‭ ‬الذي‭ ‬تلبسها‭). ‬وتخيل‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬كان‭ ‬سلفاً‭ ‬يحمل‭ ‬بكالوريوس‭ ‬مع‭ ‬مرتبة‭ ‬الشرف‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬ما،‭ ‬ولديه‭ ‬إنجازات‭ ‬معروفة‭ ‬لدى‭ ‬الكافة،‭ ‬قرر‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬جامعة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬ماجستير‭ (‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المعارف‭ ‬والخبرات‭ ‬التي‭ ‬اكتسبها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬تؤهله‭ ‬لتدريس‭ ‬الأساتذة‭ ‬الجامعيين‭ ‬الذين‭ ‬يشرفون‭ ‬على‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭). ‬ولكنه‭ ‬يريد‭ ‬الماجستير‭ ‬لأنه‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أنجزه‭ ‬لا‭ ‬يحظى‭ ‬بالتقدير‭ ‬الكافي‭ ‬لأن‭ ‬مؤهلاته‭ ‬‮«‬حي‭ ‬الله‮»‬‭ ‬حتة‭ ‬بكالوريوس‭. ‬حتما‭ ‬لن‭ ‬يتمكن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬من‭ ‬اجتياز‭ ‬البوابة‭ ‬الخارجية‭ ‬للجامعة‭ ‬لأن‭ ‬جماعة‭ ‬السكيورتي‭ (‬الأمن‭) ‬كانوا‭ ‬سيصيحون‭ ‬فيه‭ ‬فور‭ ‬رؤيته‭ ‬وهو‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬البوابة‭: ‬روح‭ ‬حجي‭.. ‬هاذول‭ ‬طلاب‭ ‬ما‭ ‬عندهم‭ ‬شيء‭! ‬ويشرح‭ ‬لهم‭ ‬الرجل‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬شيئاً‭ ‬فيصيحون‭ ‬بحزم‭: ‬يا‭ ‬عمي‭ ‬التسول‭ ‬ممنوع‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭.. ‬ترا‭ ‬هم‭ ‬بعد‭ ‬يستحقون‭ ‬الزكاة‭.. ‬روح‭ ‬قبل‭ ‬لا‭ ‬أنادي‭ ‬لك‭ ‬الشرطة‭.‬

تكويننا‭ ‬العقلي‭ ‬والفكري‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬بقبول‭ ‬فكرة‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬سن‭ ‬يأس‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المعرفة‭ ‬والتحصيل‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬والعقلية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬اللوائح‭ ‬فوق‭ ‬البشر‭ ‬ومصالحهم‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬أساتذة‭ ‬جامعات‭ ‬نابهين‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬روبوتات‭ ‬يتم‭ ‬تحريكهم‭ ‬بالريموت‭ ‬كونترول‭ ‬الخاص‭ ‬بـ«الجداول‮»‬‭ ‬والمقررات‭.. ‬وأعرف‭ ‬أساتذة‭ ‬جامعات‭ ‬تعرضوا‭ ‬للاستجواب‭ ‬لأنهم‭ ‬يقضون‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬المختبرات‭ ‬أو‭ ‬المكتبات‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الدوام،‭ ‬ومصدر‭ ‬الشكوى‭ ‬مسؤول‭ ‬الأمن‭ ‬الذي‭ ‬لديه‭ ‬أوامر‭ ‬بإغلاق‭ ‬كل‭ ‬المكاتب‭ ‬والقاعات‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الليل‭. ‬

ولهذا‭ ‬أقول‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬لتيرنر‭ ‬عربية،‭ ‬فحتى‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬أنظمتنا‭ ‬بالتحاق‭ ‬طفل‭ ‬في‭ ‬التاسعة‭ ‬فاته‭ ‬قطار‭ ‬التعليم‭ ‬لعذر‭ ‬قاهر‭ ‬بالصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية،‭ ‬بل‭ ‬نعرف‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬النظم‭ ‬واللوائح‭ ‬من‭ ‬السخف‭ ‬والعسف‭ ‬بحيث‭ ‬تعطل‭ ‬المسار‭ ‬التعليمي‭ ‬لطفل‭ ‬لأن‭ ‬عمره‭ ‬يزيد‭ ‬أو‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬السن‭ ‬المحدد‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالصف‭ ‬الأول‭ ‬الابتدائي‭ ‬بثلاثة‭ ‬أسابيع‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا