العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تأسُّوا بالرسول الكريم

العنوان‭ ‬أعلاه‭ ‬للصحفي‭ ‬السوداني‭ ‬الأستاذ‭ ‬عثمان‭ ‬ميرغني،‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬عاب‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬أئمة‭ ‬المساجد‭ ‬ميلهم‭ ‬إلى‭ ‬الصراخ‭ ‬في‭ ‬خطبهم،‭ ‬المشحونة‭ ‬بالوعيد‭ ‬والتخويف‭ ‬المتكرر‭ ‬من‭ ‬عذاب‭ ‬النار،‭ ‬وما‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬تجاهل‭ ‬الوعد‮»‬‭ ‬بجنة‭ ‬عرضها‭ ‬السماوات‭ ‬والأرض،‭ ‬وأردفه‭ ‬بمقال‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الشعب‭ ‬يريد‭ ‬تغيير‭ ‬الإمام‮»‬،‭ ‬ويقصد‭ ‬بها‭ ‬الأئمة‭ ‬المتخصصين‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الوعيد‭ ‬والنذير‭.‬

الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬لأئمة‭ ‬المساجد‭ ‬والدعاة‭ ‬عموما‭ ‬هي‭ ‬أنهم‭ ‬قوم‭ ‬دائمو‭ ‬التجهم،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬لهم‭ ‬بالعصر‭ ‬الذي‭ ‬يعيشون‭ ‬هم‭ ‬وبقية‭ ‬الناس‭ ‬فيه،‭ ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭ ‬حدث‭ ‬نفور‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬مدرسي‭ ‬العلوم‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬الابتدائية،‭ ‬فمدرس‭ ‬‮«‬الدين‮»‬‭ ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬نسميه‭ ‬كان‭ ‬يكلفنا‭ ‬بحفظ‭ ‬سور‭ ‬قرآنية‭ ‬معينه‭ ‬لنقوم‭ ‬بـ«تسميعها‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬قراءتها‭ ‬من‭ ‬الذاكرة،‭ ‬وكانت‭ ‬مناهج‭ ‬العلوم‭ ‬الدينية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التلقين‭ ‬الببغاوي‭: ‬نواقض‭ ‬الوضوء‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬السبيلين‭ ‬والنوم‭ ‬الثقيل‭ ‬وزوال‭ ‬العقل‭ ‬و‭.... ‬ولم‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬هما‭ ‬‮«‬السبيلين‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬الثانوية‭. ‬وفي‭ ‬الوضوء‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أفهم‭ ‬المقصود‭ ‬بـ«الفور‭ ‬والدلك‮»‬‭. ‬وكان‭ ‬مبلغ‭ ‬علمي‭ ‬ان‭ ‬الفور‭ ‬قبيلة‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬السودان‭ ‬يحمل‭ ‬إقليم‭ ‬دارفور‭ ‬اسمها‭.‬

ثم‭ ‬انتقلنا‭ ‬إلى‭ ‬المراحل‭ ‬المتوسطة‭ ‬والثانوية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬مدرسو‭ ‬العلوم‭ ‬الدينية‭ ‬يرتدون‭ ‬الكاكولة‭ (‬الجبة‭) ‬القفطان،‭ ‬وكان‭ ‬منهج‭ ‬التربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الشد‭ ‬العضلي،‭ ‬ويسبب‭ ‬الشدّ‭ ‬النفسي‭ ‬والعقلي‭: ‬مقدار‭ ‬زكاة‭ ‬المال‭ ‬‮«‬ربع‭ ‬العشر‮»‬،‭ ‬ويا‭ ‬ويلك‭ ‬لو‭ ‬قلت‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬واحد‭ ‬على‭ ‬أربعين‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬زكاة‭ ‬الإبل‭ ‬هناك‭ ‬بنت‭ ‬لبون‭ ‬وجذعة،‭ ‬ومازال‭ ‬أبناء‭ ‬جيلي‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬سورة‭ ‬‮«‬المطففين‮»‬،‭ ‬ولو‭ ‬كلف‭ ‬مدرس‭ ‬نفسه‭ ‬عناء‭ ‬شرح‭ ‬كيف‭ ‬إن‭ ‬السورة‭ ‬تؤسس‭ ‬للعدل‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬والمعاملات‭ ‬العامة‭ ‬لما‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬بعبع،‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬الحفظ‮»‬‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬فهم‭ ‬ووعي‭ ‬بالمعاني‭.‬

كنا‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬مدرسي‭ ‬التربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنهم‭ ‬دراويش،‭ ‬أو‭ ‬خارج‭ ‬التغطية‭ (‬بلغة‭ ‬عصر‭ ‬الموبايل‭) ‬بسبب‭ ‬زيّهم‭ ‬وهندامهم‭ ‬العجيب،‭ ‬ولم‭ ‬تقصر‭ ‬السينما‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬الاستخفاف‭ ‬بمدرسي‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والدين؛‭ ‬إذ‭ ‬كانوا‭ ‬يظهرون‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬كأشخاص‭ ‬متكلسين،‭ ‬ثقيلي‭ ‬الظل‭ ‬والدم،‭ ‬وبلهاء‭ ‬يتكلمون‭ ‬كما‭ ‬العالم‭ ‬النحوي‭ ‬الذي‭ ‬سأل‭ ‬خادمه‭: ‬أصعقت‭ ‬العتاريف؟‭ ‬فرد‭ ‬الخادم‭: ‬زقفيلم‭! ‬فسأله‭ ‬النحوي‭: ‬وما‭ ‬زقفيلم؟‭ ‬فرد‭ ‬عليه‭ ‬الخادم‭ ‬بالسؤال‭: ‬وما‭ ‬صعقت‭ ‬العتاريف؟‭ ‬أجابه‭ ‬النحوي‭: ‬هل‭ ‬صاحت‭ ‬الديكة؟‭ ‬فقال‭ ‬الخادم‭: ‬عندئذ‭ ‬فإن‭ ‬زقفيلم‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬نعم‮«‬‭.‬

ثم‭ ‬تكاثرت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬واكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬هؤلاء‭ ‬‮»‬الشيوخ‮»‬‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الظرف‭ ‬واللطف،‭ ‬وأن‭ ‬العبوس‭ ‬والتجهم‭ ‬وباء‭ ‬عام،‭ ‬لأننا‭ ‬شعوب‭ ‬مازال‭ ‬كثيرون‭ ‬من‭ ‬أفرادها‭ ‬يعتبرون‭ ‬الضحك‭ ‬والتبسم‭ ‬والدعابة‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬‮«‬العبث‭ ‬وعدم‭ ‬الجدية‮»‬،‭ ‬ويفوت‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬نفى‭ ‬عن‭ ‬نبيه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الفظاظة‭ ‬‮«‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬فظا‭ ‬غليظ‭ ‬القلب‭ ‬لانفضّوا‭ ‬من‭ ‬حولك‮»‬،‭ ‬و«تبسمك‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أخيك‭ ‬صدقة»؟‭ ‬حديث‭ ‬نبوي‭ ‬صحيح‭ ‬الإسناد‭.‬

وسألت‭ ‬عجوز‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الدعاء‭ ‬لها،‭ ‬فقال‭: ‬يا‭ ‬أم‭ ‬فلان،‭ ‬أما‭ ‬علمتِ‭ ‬أن‭ ‬الجنة‭ ‬لا‭ ‬يدخلها‭ ‬عجوز؟‭! ‬فجزعت‭ ‬الحُرمة،‭ ‬وارتاعت،‭ ‬فأفهمها‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الجنة‭ ‬عجائز،‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬شباب‭ ‬عُرُب‭ ‬حسناوات‭! ‬وتلا‭ ‬عليها‭: ‬‮«‬إِنَا‭ ‬أَنشَأُنَاهنَ‭ ‬إِنشَاء،‭ ‬فَجَعَلُنَاهنَ‭ ‬أَب‭ ‬كَارًا،‭ ‬عربًا‭ ‬أَترَابَا،‭ ‬لأصحاب‭ ‬اليمين‮»‬،‭ ‬وجاءته‭ ‬امرأة‭ ‬تقول‭: ‬إن‭ ‬زوجي‭ ‬يدعوك‭ ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬فقال‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭: ‬أهو‭ ‬الذي‭ ‬بعينه‭ ‬بياض؟‭ ‬فردّت‭ ‬متسرعة‭: ‬والله‭ ‬ما‭ ‬بعينه‭ ‬بياض،‭ ‬فقال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬بلى‭ ‬إن‭ ‬بعينه‭ ‬بياضًا،‭ ‬ردَّت‭ ‬مصممة‭ ‬على‭ ‬رأيها‭: ‬لا‭ ‬والله‭! ‬فقال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬ما‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬إلاّ‭ ‬بعينه‭ ‬بياض‮»‬‭.‬

وكان‭ ‬هناك‭ ‬بدوي‭ ‬اسمه‭ ‬زاهر‭ ‬يتبادل‭ ‬الهدايا‭ ‬مع‭ ‬الرسول،‭ ‬وكان‭ ‬زاهر‭ ‬هذا‭ ‬دميما،‭ ‬فأتاه‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬يومًا‭ ‬وهو‭ ‬يبيع‭ ‬متاعه،‭ ‬فاحتضنه‭ ‬من‭ ‬خلفه‭ -‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يبصر‭ ‬النبي‭- ‬فقال‭: ‬مَن‭ ‬هذا؟‭ ‬فصاح‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬مَن‭ ‬يشتري‭ ‬العبد؟‭ ‬فعرفه‭ ‬زاهر،‭ ‬وقال‭: ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬إذاً‭ ‬والله‭ ‬تجدني‭ ‬كاسدًا‭! ‬فقال‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬لكن‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬لستَ‭ ‬بكاسدٍ‮»‬‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا