العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ركزوا على الحاضر وليس المستقبل

على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬كان‭ ‬‮«‬الإنشاء‭/ ‬التعبير‮»‬‭ ‬نشاطا‭ ‬مدرسيا‭ ‬يبرع‭ ‬فيه‭ ‬أقلية‭ ‬من‭ ‬الطلاب،‭ ‬وكانت‭ ‬مواضيع‭ ‬الإنشاء‭ ‬هي،‭ ‬هي،‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭: ‬ماذا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬في‭ ‬المستقبل؟‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬النفوس‭ ‬كبارا‭ ‬تعبت‭ ‬في‭ ‬مرادها‭ ‬الأجسام،‭.. ‬كيف‭ ‬قضيت‭ ‬عطلتك‭ ‬الصيفية؟‭ ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬لو‭ ‬هبطت‭ ‬عليك‭ ‬ثروة‭ ‬ضخمة؟‭ ‬وكان‭ ‬الطالب‭ ‬الذي‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬تقدير‭ ‬‮«‬ممتاز‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحسن‭ ‬استخدام‭ ‬المعلبات‭ ‬من‭ ‬محسنات‭ ‬بديعية‭ ‬ويتلاعب‭ ‬بالألفاظ‭ ‬مجاراة‭ ‬لابن‭ ‬العميد‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬النقيب‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬وكيل‭ ‬العريف‭! ‬وفجأة‭ ‬صار‭ ‬الإنشاء‭ ‬نشاطا‭ ‬للكبار،‭ ‬وصارت‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬تتبارى‭ ‬لعقد‭ ‬منافسات‭ ‬في‭ ‬الإنشاء‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬الكبار‭ ‬بل‭ ‬الكبار‭ ‬جدا،‭ ‬وبنفس‭ ‬طريقة‭ ‬المدارس‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬فيها‭ ‬مواضيع‭ ‬الإنشاء‭ ‬ثابتة‭ ‬ومكررة‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي،‭ ‬فإن‭ ‬الكبار‭ ‬يشاركون‭ ‬في‭ ‬مسابقات‭ ‬‮«‬إنشاء‮»‬‭ ‬عناوينها‭ ‬واحدة‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تنوعت‭ ‬واختلفت‭ ‬مفرداتها،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬عقدت‭ ‬تحت‭ ‬مسميات‭ ‬تجنن‭ ‬وتهبل‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬منتدى‭ ‬ومؤتمر‭ ‬ومنبر‭ ‬وورشة‭ ‬عمل‮»‬،‭ ‬والصرعة‭ ‬في‭ ‬منافسات‭ ‬الإنشاء‭ ‬التي‭ ‬تنظمها‭ ‬مختلف‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬استشراف‭ ‬المستقبل‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الكلمة‭ ‬الإنجليزية oxymoron تقفز‭ ‬إلى‭ ‬الذهن‭ (‬تعني‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬معنيين‭ ‬متناقضين‭): ‬المستقبل‭.. ‬العربي؟‭ ‬ما‭ ‬يصير‭! ‬كيف‭ ‬يجتمع‭ ‬النقيضان؟‭ ‬والمثل‭ ‬الخليجي‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬اللي‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬تالي‮»‬،‭ ‬يعني‭ ‬من‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬حاضر‭ ‬عليه‭ ‬القيمة،‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬مستقبل،‭ ‬لأن‭ ‬دعامات‭ ‬وأسس‭ ‬المستقبل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬متوافرة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬والحاضر،‭ ‬وإلا‭ ‬فسنظل‭ ‬كما‭ ‬نحن‭ ‬نعيش‭ ‬على‭ ‬ذكريات‭ ‬الماضي‭ ‬‮«‬التليد‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي‭ ‬وابن‭ ‬سينا‭ ‬والخوارزمي‭ ‬يتميزون‭ ‬غيظا‭ ‬في‭ ‬قبورهم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬ورثتهم‭ ‬إلى‭ ‬كائنات‭ ‬مجترة،‭ ‬تختزن‭ ‬معارف‭ ‬وأمجاد‭ ‬غابرة‭ ‬في‭ ‬أسنمتها،‭ ‬وتلوك‭ ‬وتعجن‭ ‬سيرة‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬بسطحية‭ ‬مقززة‭ (‬سألت‭ ‬ذات‭ ‬ندوة‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ما‭ ‬الحضور‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬عمن‭ ‬هو‭ ‬عدو‭ ‬العرب‭ ‬الأول،‭ ‬فقالوا‭ ‬بالإجماع‭: ‬إسرائيل،‭ ‬ثم‭ ‬سألتهم‭ ‬عن‭ ‬لورد‭ ‬بلفور،‭ ‬فكانت‭ ‬أقرب‭ ‬الإجابات‭ ‬للصحة‭: ‬سيارة‭ ‬أمريكية‭ ‬بالدفع‭ ‬الرباعي‭)‬

المستقبل‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بنى‭ ‬أساسية‭: ‬علم‭ ‬وتنوير‭ ‬وخطط‭ ‬ونشاط‭ ‬جماعي‭. ‬ومن‭ ‬حاضره‭ ‬تعس‭ ‬بائس‭ ‬فإن‭ ‬مستقبله‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬تعاسة‭ ‬وبؤسا‭. ‬وباختصار،‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬داعيا‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المنابر‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬الخاصة،‭ ‬وشخصيا‭ ‬لست‭ ‬معنيا‭ ‬بالمستقبل،‭ ‬وأعرف‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يشغلون‭ ‬أنفسهم‭ ‬به،‭ ‬فما‭ ‬يهمني‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أشعر‭ ‬أنا‭ ‬ومن‭ ‬حولي‭ ‬بالأمن‭ ‬والأمان‭ ‬وراحة‭ ‬البال‭ ‬وأن‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬نصيب‭ ‬طيب‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬والرزق‭ ‬الحلال،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬لنا‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شأن‭ ‬يخصنا‭. ‬ونريد‭ ‬ذلك‭ ‬الآن،‭ ‬والمسألة‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ندوات‭ ‬ومحاضرات،‭ ‬وإذا‭ ‬ضمنا‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ ‬فسنضمن‭ ‬أن‭ ‬مستقبلنا‭ ‬سيكون‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬حاضرنا‭.‬

دعونا‭ ‬نطرح‭ ‬الأمر‭ ‬بشكل‭ ‬مبسط‭: ‬هنالك‭ ‬عائلة‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬زوج‭ ‬وزوجة‭ ‬وبعض‭ ‬العيال‭. ‬الزوج‭ ‬متسلط‭ ‬أو‭ ‬مستهتر‭ ‬أو‭ ‬يتسم‭ ‬باللامبالاة،‭ ‬وطلباته‭ ‬أوامر‭ ‬وكلامه‭ ‬‮«‬ماشي‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬خطأ،‭ ‬ويا‭ ‬ويل‭ ‬من‭ ‬يتجرأ‭ ‬على‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬كلامه‭. ‬ما‭ ‬مستقبل‭ ‬عائلة‭ ‬كهذه؟‭ ‬قد‭ ‬ينشأ‭ ‬الأولاد‭ ‬على‭ ‬شاكلته‭ ‬ويجارونه‭ ‬في‭ ‬الفظاظة‭ ‬والغلظة‭ ‬عندما‭ ‬تصبح‭ ‬لهم‭ ‬زوجات‭ ‬وعيال،‭ ‬وقد‭ ‬يكبرون‭ ‬ويتمردون‭ ‬على‭ ‬الأب‭ ‬ويجنحون‭ ‬إلى‭ ‬الهرب‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬دنيا‭ ‬المخدرات،‭ ‬أو‭ ‬عالم‭ ‬الجريمة‭ ‬الواسع‭ ‬الرحب،‭ ‬والتمرد‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬عملا‭ ‬محمودا،‭ ‬فيا‭ ‬ما‭ ‬تمرد‭ ‬أفراد‭ ‬وجماعات‭ ‬وانساقوا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬خرجوا‭ ‬عليه،‭ ‬رافضين‭ ‬له‭.‬

ارحمونا‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المستقبل‭ ‬والأجيال‭ ‬الصاعدة،‭ ‬لأنكم‭ ‬تعرفون‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأجيال‭ ‬بدأت‭ ‬سلفا‭ ‬في‭ ‬السقوط‭ ‬والهبوط‭ ‬والانحدار‭. ‬لأن‭ ‬الظل‭ ‬لا‭ ‬يستقيم‭ ‬والعود‭ ‬أعوج‭. ‬يريد‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬خبزا‭ ‬وسقفا‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬جدران‭ ‬غير‭ ‬آيلة‭ ‬للسقوط،‭ ‬وكتابا‭ ‬وجريدة‭ ‬وطبيبا‭ ‬يستقبلنا‭ ‬لأننا‭ ‬آدميون‭ ‬وليس‭ ‬لأننا‭ ‬أولاد‭ ‬عوائل‭ ‬وقبائل،‭ ‬ونريد‭ ‬شرطيا‭ ‬يعطينا‭ ‬الإحساس‭ ‬بالأمان،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬يبعث‭ ‬فينا‭ ‬الخوف‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬قريبا‭ ‬منا،‭ ‬وهذه‭ ‬أمور‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ندوات‭ ‬ومنتديات‭ ‬ونظريات،‭ ‬وارحمونا‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬استشراف‮»‬‭ ‬لأنها‭ ‬على‭ ‬وزن‭ ‬استف‭.....‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا