العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لو دامت لغيرك.....!!

فرغت‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬الاطلاع‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬روائي‭ ‬ضخم‭ ‬محوره‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬حاقت‭ ‬بمدينة‭ ‬بومباي‭ ‬الإيطالية‭ ‬عندما‭ ‬ثار‭ ‬بركان‭ ‬فسيوفياس‭ ‬وأهلك‭ ‬الزرع‭ ‬والضرع‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬فهلك‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬ثوان،‭ ‬وبالضرورة‭ ‬فإن‭ ‬الكاتب‭ ‬تناول‭ ‬عظمة‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية،‭ ‬والتطور‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬الري‭ ‬والزراعة‭ ‬والعمران‭ ‬والصناعة،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬تغطي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالعالم‭ ‬القديم‭ (‬معظم‭ ‬أوربا‭ ‬وأقسام‭ ‬من‭ ‬قارة‭ ‬آسيا‭ ‬وشمال‭ ‬أفريقيا‭) ‬ولم‭ ‬يصمد‭ ‬بلد‭ ‬أمام‭ ‬سطوة‭ ‬جيوشها‭ ‬وبسبب‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأبهة‭ ‬والسلطان‭ ‬والهيلمان،‭ ‬جاء‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬الأباطرة‭ ‬ممتلئ‭ ‬غرورا‭ ‬وثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬واستخفافا‭ ‬بالآخرين،‭ ‬وارتكب‭ ‬حماقات‭ ‬استراتيجية‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬عرف‭ ‬الجيش‭ ‬الروماني‭ ‬الهزائم‭ ‬المتتالية،‭ ‬وكان‭ ‬أن‭ ‬تمردت‭ ‬على‭ ‬سلطته‭ ‬بعض‭ ‬الأقاليم‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدين‭ ‬لروما‭ ‬بالولاء‭ ‬التام،‭ ‬وتفككت‭ ‬أكبر‭ ‬إمبراطورية‭ ‬عرفها‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬شاهدوا‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬ذا‭ ‬فول‭ ‬أوف‭ ‬ذا‭ ‬رومان‭ ‬أمباير‮»‬‭ ‬

The Fall of the Roman Empire

ويعني‭ ‬‮«‬سقوط‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬عمر‭ ‬الشريف‭ ‬تناولوا‭ ‬جرعة‭ ‬مكثفة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬تشرح‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لبنيان‭ ‬ضخم‭ ‬أن‭ ‬يتهاوى‭ ‬كبيت‭ ‬الكرتون‭ ‬إذا‭ ‬أهمل‭ ‬بُناته‭ ‬ومهندسوه‭ ‬أمره،‭ ‬وحسبوا‭ ‬انه‭ ‬‮«‬خالد‮»‬‭ ‬لكونه‭ ‬محكم‭ ‬البناء‭ ‬وبلا‭ ‬نظير‭. (‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬شكسبير‭ ‬أنتوني‭ ‬وكليوباترا،‭ ‬تقول‭ ‬كليوباترا‭ ‬لحبيبها‭ ‬الزعيم‭ ‬الروماني‭ ‬العسكري‭ ‬أنتوني‭ ‬إن‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬روما‭ ‬ليتولى‭ ‬شؤون‭ ‬الحكم‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬‮«‬لازق‭ ‬فيها‮»‬‭ ‬فيرد‭ ‬عليها‭:‬

Let Rome in Tiber melt, and the wide arch of the Roman Empire fall. Here is my space

‮«‬خلي‭ ‬روما‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬التيبر‭ ‬وأعمدة‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬تتهاوى‭. ‬مكاني‭ ‬هنا‭ ‬جنبك‭ ‬يا‭ ‬أحلى‭ ‬من‭ ‬العجرمية‮»‬‭. ‬

وأمريكا‭ ‬المعاصرة‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬السياسيين‭ ‬هي‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬المعاصرة‭: ‬جيوشها‭ ‬في‭ ‬أركان‭ ‬الدنيا‭ ‬الأربعة‭ ‬تأمر‭ ‬وتنهى‭... ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬سعر‭ ‬النحاس‭ ‬والقطن‭ ‬والجرجير‭... ‬تنتج‭ ‬الصواريخ‭ ‬والفياغرا‭ ‬ومايكل‭ ‬جاكسون‭.. ‬تحدد‭ ‬كيف‭ ‬يتم‭ ‬تدريس‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والجمباز‭.. ‬تعتبر‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬هيفاء‭ ‬وهبي‭ ‬علامة‭ ‬تحضر‭ ‬ورقي،‭ ‬وفي‭ ‬علم‭ ‬الفيزياء‭ ‬فإن‭ ‬التمدد‭ ‬الشديد‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬تماسك‭ ‬الشيء‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تراخيه‭ ‬ووهنه‭!! ‬وأمريكا‭ ‬كما‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬العامية‭ ‬السودانية‭ ‬‮«‬إنشَرَّت‮»‬‭ ‬أي‭ ‬تمددت‭ ‬وترهلت،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬فإن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلثي‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المقاتلة‭ ‬توجد‭ ‬خارج‭ ‬الأراضي‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وهو‭ ‬خطأ‭ ‬استراتيجي‭ ‬نبه‭ ‬إليه‭ ‬قادة‭ ‬عسكريون‭ ‬متمرسون

الأمريكان‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬وهاييتي‭ ‬وليبيريا‭ ‬والعراق‭ ‬والسلفادور‭ ‬وبنما‭ ‬وجرينيدا‭ ‬وأوروبا‭ ‬وسيراليون،‭ ‬ولو‭ ‬فتحت‭ ‬فريزر‭ ‬الثلاجة‭ ‬الآن‭ ‬لوجدت‭ ‬فيه‭ ‬جنديا‭ ‬أمريكيا‭ ‬مثلجا‭ ‬ينتظر‭ ‬الأوامر‭ ‬ليدخل‭ ‬المايكروويف‭ ‬للتسخين‭ ‬ثم‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬القتال‭... ‬وصحاري‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬نيفادا‭ ‬وأريزونا‭ ‬مستودعات‭ ‬ضخمة‭ ‬لقنابل‭ ‬نووية‭ ‬تكفي‭ ‬لتدمير‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬14‭ ‬مرة‭.. ‬وهزة‭ ‬أرضية‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬على‭ ‬بومباي‭ ‬الرومانية‭ ‬أو‭ ‬حماقة‭ ‬بسيطة‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬معتوه‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فناء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كليا‭ ‬أو‭ ‬جزئيا،‭ ‬والانقطاع‭ ‬الفاجع‭ ‬للتيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬والذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬الصناعي‭ ‬والتجاري‭ ‬لأمريكا‭ ‬خلال‭ ‬شتاء‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬لا‭ ‬تجدي‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬معينة‭.. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الضعيف‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬ضعيفا‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬للعرب‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬إمبراطورية‭ ‬تضاهي‭ ‬الدولة‭ ‬الرومانية،‭ ‬ثم‭ ‬صاروا‭ ‬يستجدون‭ ‬الطعام‭ ‬والأمان‭ ‬ممن‭ ‬أذاقوهم‭ ‬المر‭ ‬والهوان‭. ‬والصين‭ ‬كانت‭ ‬وإلى‭ ‬عهد‭ ‬قريب‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬راع‭ ‬وكفيل،‭ ‬ثم‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬قوة‭ ‬صاعدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬المعاصر‭: ‬لديها‭ ‬موارد‭ ‬طبيعية‭.. ‬وقوى‭ ‬بشرية‭ ‬منضبطة‭ ‬تأكل‭ ‬الزلط‭.. ‬وتاريخ‭ ‬عريق‭ ‬لم‭ ‬تتبرأ‭ ‬منه‭.. ‬ولديها‭ ‬الماء‭ ‬والأرض‭.. ‬والتكنولوجيا‭ ‬والسلاح‭.. ‬وبعد‭ ‬عقد‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭ ‬ستنتقل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬شنغهاي‭ ‬أو‭ ‬هونغ‭ ‬كونغ‭ ‬وستهرع‭ ‬الوفود‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬بكين‭ ‬لمناشدة‭ ‬الصين‭ ‬أن‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لـ«تعترف‮»‬‭ ‬بالدول‭ ‬العربية‭! ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا