العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

أوْكِلوا الإعلام للإنسان الآلي

وقعت‭ ‬في‭ ‬غرام‭ ‬شعب‭ ‬إكوادور‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أثبتوا‭ ‬أنهم‭ ‬يتحلون‭ ‬بوعي‭ ‬سياسي‭ ‬رفيع،‭ ‬وتجلى‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬انتخبوا‭ ‬رئيسا‭ ‬وعدهم‭ ‬بتحسين‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة،‭ ‬وتقديم‭ ‬الحليب‭ ‬للأطفال‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬عبر‭ ‬خطوط‭ ‬أنابيب،‭ ‬وبأن‭ ‬يتم‭ ‬تعديل‭ ‬الأشجار‭ ‬جينيا‭ ‬حتى‭ ‬تطرح‭ ‬سندويتشات‭ ‬باللحم‭ ‬والكاتشب،‭ ‬وإحداث‭ ‬طفرة‭ ‬تنموية‭ ‬تجعل‭ ‬الأمريكان‭ ‬يتسابقون‭ ‬للفوز‭ ‬بفرص‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ومحاربة‭ ‬المجاعة‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ (‬على‭ ‬كثرة‭ ‬الوعود‭ ‬التي‭ ‬نسمعها‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬العرب‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬بهم‭ ‬السخف‭ ‬وعد‭ ‬الشعوب‭ ‬بتوصيل‭ ‬الشيشة‭ ‬الى‭ ‬البيوت‭ ‬عبر‭ ‬خطوط‭ ‬أنابيب‭).‬

‭ ‬وجلس‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬الحكم‭ ‬ولحس‭ ‬كلامه‭ ‬ذاك،‭ ‬أي‭ ‬نسي‭ ‬أمر‭ ‬وعوده،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬يحاول‭ ‬مجرد‭ ‬محاولة‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬لتطبيق‭ ‬برنامجه‭ ‬الانتخابي،‭ ‬وعندما‭ ‬أحس‭ ‬بأن‭ ‬الشعب‭ ‬يتململ‭ ‬ويريد‭ ‬تغيير‭ ‬النظام‭ ‬صار‭ ‬يحمل‭ ‬جيتاره‭ ‬ويطوف‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬العامة‭ ‬ليغني‭ ‬للجماهير،‭ ‬فازداد‭ ‬سخط‭ ‬الشعب‭ ‬عليه‭ ‬لأن‭ ‬صوته‭ ‬كان‭ ‬أقبح‭ ‬من‭ ‬صوت‭ ‬شعبولا،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬خرجت‭ ‬مظاهرات‭ ‬عارمة‭ ‬أطاحت‭ ‬به،‭ ‬فقد‭ ‬اكتشف‭ ‬شعب‭ ‬إكوادور‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬واسمه‭ ‬أبو‭ ‬كرم‭ ‬مستهبل،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يعرفونه‭ ‬‭ ‬حتى‭ ‬يعذروه‭ - ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬عربي‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬الاستهبال‭ ‬في‭ ‬جيناته،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬ما‭ ‬لن‭ ‬يفعل،‭.. ‬وكلام‭ ‬الليل‭ ‬يمحوه‭ ‬النهار‭!!‬

ومنذ‭ ‬أن‭ ‬طار‭ ‬أبو‭ ‬كرم‭ ‬وأكوادور‭ ‬تنعم‭ ‬بالاستقرار‭ ‬والازدهار‭!  ‬وهي‭ ‬البلد‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ (‬تعجبني‭ ‬طرفة‭: ‬لماذا‭ ‬تسمى‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية‭ ‬باللاتينية؟‭ ‬الجواب‭: ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬التين‭ ‬فيها‭) ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬انقلابا‭ ‬عسكريا‭ ‬خلال‭ ‬الثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية،‭ ‬ولكن‭ ‬وقبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬طفحت‭ ‬الجينات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المسؤولين‭ ‬الاكوادوريين‭ (‬ففي‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬جالية‭ ‬عربية‭ ‬كبيرة‭ ‬تتألف‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬اللبنانيين‭ ‬عمرها‭ ‬نحو‭ ‬مائتي‭ ‬سنة‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬عقد‭ ‬محافظ‭ ‬إحدى‭ ‬مقاطعات‭ ‬إكوادور‭ ‬مؤتمرا‭ ‬صحفيا،‭ ‬مصطحبا‭ ‬معه‭ ‬ببغاء،‭ ‬وكلما‭ ‬طرح‭ ‬الصحفيون‭ ‬سؤالا‭ ‬على‭ ‬المحافظ‭ ‬تولى‭ ‬الببغاء‭ ‬الرد‭: ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يسير‭ ‬بحسب‭ ‬الخطة‭ ‬المرسومة‭... ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬تردده‭ ‬جهات‭ ‬مغرضة‭ ‬حاقدة‭ ‬تخطط‭ ‬للنيل‭ ‬من‭ ‬مكتسبات‭ ‬بلادنا‭... ‬لا‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬في‭ ‬الخدمات‭... ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬عندنا‭ ‬مشكلة‭ ‬مجاري‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بدأنا‭ ‬في‭ ‬ضخ‭ ‬الكولونيا‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭.. ‬هناك‭ ‬فائض‭ ‬في‭ ‬ميزانية‭ ‬المقاطعة‭ ‬اضطررنا‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬بصبه‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬المجاري‭.‬

والفرق‭ ‬بين‭ ‬ذلك‭ ‬المسؤول‭ ‬الاكوادوري‭ ‬والمسؤولين‭ ‬عندنا،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الأول‭ ‬جاء‭ ‬ببغاء‭ ‬حقيقي‭ ‬ليقول‭ ‬الكلام‭ ‬المكرر‭ ‬والمعاد‭ ‬والممجوج،‭ ‬بينما‭ ‬جماعتنا‭ ‬يأتون‭ ‬ببغاوات‭ ‬بشرية‭ ‬ثقيلة‭ ‬الدم‭ ‬لتقول‭ ‬نفس‭ ‬الكلام‭ ‬السخيف‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬ولتؤكد‭ ‬لنا‭ ‬أننا‭ ‬نرى‭ ‬الأمور‭ ‬بالمقلوب‭. ‬عندما‭ ‬استولى‭ ‬عساكر‭ ‬الجبهة‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬فرضوا‭ ‬حظر‭ ‬التجوال‭ ‬الليلي‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬طوال‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬وبرر‭ ‬الدكتور‭ ‬حسن‭ ‬الترابي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬مهندس‭ ‬الانقلاب‭ ‬وعراب‭ ‬النظام‭ (‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬دعاة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وبالتالي‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬القمع‭)... ‬بأن‭ ‬حظر‭ ‬التجوال‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬الحركة‭ ‬الذي‭ ‬استمر‭ ‬لأربع‭ ‬سنوات‭ ‬متصلة‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬الترابط‭ ‬الأُسري‭ ‬والتناسل‭ ‬والتكاثر،‭ ‬وبحكم‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام،‭ ‬فإنني‭ ‬أدرك‭ ‬كم‭ ‬يعاني‭ ‬العاملون‭ ‬في‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإعلامية‭ ‬العربية‭ ‬وهم‭ ‬يرددون‭ ‬كلاما‭ ‬لا‭ ‬يقنع‭ ‬حتى‭ ‬هبنقة،‭ ‬وتحويل‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬إلى‭ ‬ببغاء،‭ ‬أو‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬عقله‭ ‬تعرض‭ ‬للإلغاء،‭ ‬فيه‭ ‬إهدار‭ ‬لكرامته،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنني‭ ‬أقترح‭ ‬إلغاء‭ ‬وظائف‭ ‬المذيعين‭ ‬والمذيعات‭ ‬في‭ ‬قنوات‭ ‬التلفزيون‭ ‬ومحطات‭ ‬الراديو‭ ‬واستبدالهم‭ ‬بكائنات‭ ‬افتراضية‭ (‬فيرشوال‭) ‬أو‭ ‬روبوتات،‭ ‬يتم‭ ‬تجميعها‭ ‬إلكترونيا‭ ‬لتتولى‭ ‬تقديم‭ ‬الوعود‭ ‬الرسمية‭ ‬والضحك‭ ‬على‭ ‬عقولنا‭ ‬فنوفر‭ ‬بذلك‭ ‬مبالغ‭ ‬ضخمة‭ ‬يمكن‭ ‬إنفاقها‭ ‬على‭ ‬الحفلات‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬بمناسبة‭ ‬افتتاح‭ ‬المشروعات‭ ‬الافتراضية‭ (‬الوهمية‭) (‬في‭ ‬النمسا‭ ‬أسس‭ ‬أحد‭ ‬المحامين‭ ‬حزبا‭ ‬سياسيا‭ ‬يدعو‭ ‬برنامجه‭ ‬الشعب‭ ‬لعدم‭ ‬دفع‭ ‬الضرائب‭ ‬لأن‭ ‬واجب‭ ‬الدولة‭ ‬توفير‭ ‬الموارد‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬لملء‭ ‬الخزينة‭ ‬العامة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬طالب‭ ‬بحل‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬متعللا‭ ‬بأن‭ ‬النمسا‭ ‬بلد‭ ‬غلبانة‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬واقترح‭ ‬وضع‭ ‬شريط‭ ‬تسجيل‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬يبث‭ ‬إعلانا‭ ‬صوتيا‭ ‬باستسلام‭ ‬البلاد‭ ‬بمجرد‭ ‬تعرضها‭ ‬لأي‭ ‬غزو‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا