زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
هل الكودايين ابن عم الكوكايين
كعادتي كلما خضت في أمر يتعلق بالطب والصحة لا بد من التنبيه بأنني مجرد ناقل لمعلومات من مصادر أحس بأنها موثوق بها، ومن ثم أتكلم اليوم عن أن خطورة العقاقير المسكنة للألم تكمن في كونها موجودة في البقالات ومحطات البترول، وعند أكشاك بيع الصحف، وأكبر مستودع لمسكنات الألم هو حقائب اليد النسائية، وإذا صادفت امرأة قالت إنها لا تحمل معها بانادول فإن أنوثتها مشكوك فيها. في عام 2013 استهلك البريطانيون مسكنات بمليارين و800 مليون دولار، وخلال عام 2023 الجاري من المتوقع ان تدر تجارة المسكنات على منتجيها تسعة مليارات دولار.
هذا في حد ذاته دليل على عدم جدوى تلك المسكنات، فمهما تناولت منها فإن حاجتك إليها لا تنتهي أو تزول، بل يزداد استهلاك الناس لها، وهكذا فهناك ملايين الناس يدمنون المسكنات، وهكذا أيضا وبدلا من ان يستنتجوا أنها محدودة ووقتية التأثير فإنهم يزيدون العيار/الجرعة، وينتقلون من صنف متداول على نطاق واسع الى صنف «جديد وحديد»، وفي حالات كثيرة تكون المسكنات سببا في أوجاع الرأس وليس علاجا لها.
في علم الطب يتحدثون عن إدمان خفيف يسمونه الاعتياد habituation وهناك الإدمان المزمن المستفحلaddiction .. اعتبارا من العام الماضي منعت استراليا بيع المسكنات التي تحوي مادة الكودايين بدون وصفة من طبيب، فكثير من المسكنات تحتوي على الكودايين أو ابن عمه الديهايدروكودايين (وهو اسم يخرِّع ويسبب تلبك الأمعاء) الى جانب عناصر أخرى مثل الاسبرين والباراسيتامول والإيبوبروفين، وفي عددها لشهر مارس الماضي نشرت مجلة استراليا الطبية (ميديكال جورنال أوف استراليا) نتائج بحث قام به أطباء مستشفى أنغليس في ملبورن جاء فيه أن من يتعاطون عقار نوروفين بلس (مشبع بالكودايين) يعانون من تقرحات وثقوب في المعدة، وتناول كميات كبيرة من الكودايين نتائجه مثل ادمان النيكوتين والكحول، يعني تدخل في حلقة «داوني بالتي كانت هي الداء» الجهنمية، بمعنى أن من يكثر من تعاطي الكودايين يصبح جسمه محتاجا إلى الكودايين فيصبح الدواء داء (كثير من مشروبات النشاط تحتوي على كودايين بكميات تجارية ويشربها ثم يدمنها رياضيون).
في بريطانيا طالب الدكتور سايمون نيلسون من مستشفى مانشستر بتقييد توصيف وبيع المسكنات الحاوية للكودايين بعد أن سببت فشلا كلويا أدى إلى وفاة مريضة في الأربعين من العمر بلغ بها الإدمان انها كانت تتعاطى يوميا ما بين 50 و64 قرصا من نوروفين بلس. يا جماعة الخير 64 قرص شوكولاتة أو فلافل تسبب فشل الكلى والكبد والرئة فما بالك بالكودايين! وبعد ان توفي رجل اسمه ستيوارت وارتن بعد تناوله 12 قرصا من ذلك العقار خلال عشر ساعات و«أعطاها» بضعة كؤوس من الخمر.
يزعم الخواجات (الغربيون) أنهم يفهمون في كل شيء أكثر منا نحن أبناء العالم السفلي المسمى تأدبا «العالم الثالث»، ولكنهم أكثر شعوب الأرض تعاطيا للمخدرات والمسكرات، ويفسر هذا ارتفاع جرائم العنف عندهم، وحتى في مجال الاستهلاك العشوائي والاعتباطي للدواء فإنهم أزفت منا، في العام الفائت وحده باعت شركة وايث التي تنتج المسكن المعروف أنادين 47 مليون علبة في بريطانيا، وكي أعطيك فكرة عن حجم هذه المبيعات تخيل تلك الـ47 مليون علبة مرصوصة فوق بعضها البعض، سيكون ارتفاعها مساويا لارتفاع (28 كيلومترا) جبل ايفرست مضروبا في 4!!!! أخطر ما في أمر المسكنات أن الناس تصدق شهادات بعضهم البعض عنها: والله يا رجال/ يا زول/ يا زلمة لقيت دوا اسمه ساكسفون تاخد منه حبتين بعدها ما تحس براسك حتى لو طقّوه بفاس.. فيأتي الرد: يا زلمي بلا ساكسفون بلا بطيخ.. والله بفرنسا حصلت دوا صداع اسمه غيتانا -لا استغفر الله هادا سجائر- اسمه.. اسمه بلاسيبو.. يجنن.. تاخد حبة واحدة.. ولو تحاربوا الامريكان وطالبان حواليك ما بتحس بشيء! وهكذا يصبح توصيف الأدوية فولكلورا يتناقله الناس شفاهة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك