زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الوجبات السريعة مريعة
للمرة التاسعة عشرة بعد المائة (أيهما أصح: مئة أم مائة= 100؟) أقول إنني لا أتناول أمور الصحة والتغذية كخبير بل مجرد ناقل يجتهد في ان يكون أمينا في النقل من مصادر موثوقيتها عالية، وأعرض اليوم تعميما أصدرته الحكومة البريطانية قبل بضعة أعوام إلى إدارات جميع المدارس بمنع بيع المشروبات الغازية والشكولاتة والوجبات السريعة، في أعقاب تقارير ومسوحات تؤكد أن معظم الأطفال صاروا يميلون إلى البدانة (لا توجد في بريطانيا وزارة للتربية والتعليم ولكن يوجد وزير دولة للمدارس، لا سلطة تنفيذية له على المدارس ولكنه يتعامل فقط مع المجالس التعليمية الخاصة بكل منطقة، فقط في الأمور والشؤون الكبيرة، وقرارته غير ملزمة ما لم تقبل بها نقابات المعلمين والمجلس الأعلى للتعليم الذي يتألف من معلمين معتقين).
وبكل فخر أقول إنني سبقت الحكومة البريطانية في هذا المضمار، فقد منعت دخول المشروبات الغازية في بيتي على أي واحد من عيالي دون الخامسة عشرة، وصرنا لا نحن نشربها ولا نقدمها لضيوفنا، بل نقدم لهم العصير الطبيعي المغشوش. مغشوش بمعنى أنه ليس طبيعياً بالمعنى العلمي للكلمة، ولكنه على الأقل لا يحتوي على المواد الضارة بالصحة التي تحتويها المشروبات الغازية (وبفضل يقظتي وبحسّي البوليس الذي اكتسبته من العيش في ظل أنظمة قمعية نجحت عدة مرات في اكتشاف محاولات تهريب مشروبات غازية الى البيت، ثم إخفائها في تلافيف الخس، لأن عيالي يعرفون أنني لا أتعاطى الخس عمدا، ولا أقترب منه).
وقد بات من المعروف أن المشروبات الغازية تسبب هشاشة العظام وعسر الهضم (بعكس الأوهام بأنها تساعد على الهضم)، ثم اكتشفت وكالة معايير الأطعمة في بريطانيا أن تلك المشروبات تحتوي على نسبة بنزين تعادل ثمانية أضعاف النسبة المسموح بها في المشروبات، ويتولد البنزين فيها نتيجة تفاعلات كيميائية، وهو كما هو معروف يحتوي على مادة carcinogenic مسرطنة وتسبب بالتحديد اللوكيميا وسرطانات أخرى في الدم (بالمناسبة فإن البنزين لا يستنبط فقط من الغاز النفطي بل أيضاً من تفاعلات كيميائية بين الكربون والأوكسجين ويتولد أيضاً خلال البراكين وحرائق الغابات ومن السجائر!!) والعجيب في الأمر أن معدلات التدخين واستهلاك المشروبات الغازية في ارتفاع مستمر في بلداننا! ثم صار القرويون وأهل الأرياف مغرمين بالوجبات السريعة ويعتبر الواحد منهم تناول سندويتش بيرغر ومعه كمية من البطاطس المقلية إنجازا حضاريا يتباهى به بين أهله!
محلات مكدونالدز الشهيرة للوجبات السريعة قررت إغلاق عدد كبير من فروعها في بريطانيا لأن تلك الفروع صارت خاسرة. ولم تخسر لأنها تعرضت لهجوم بالحجارة أو المتفجرات أو نتيجة دعوة إلى مقاطعة سلعة أجنبية (مكدونالدز أمريكية أباً عن جد)، ولكنها خسرت لأن الشعب البريطاني صار أكثر وعياً بشؤون التغذية الجيدة ولأن الحكومة البريطانية معنية بصحة المواطنين وتدرّس التغذية السليمة للصغار في المدارس، وعندنا قد تسمع الكثيرين يتحدثون عن أن الوجبات السريعة (ويقصدون عادة السندويتشات التي تبيعها فروع المطاعم العالمية) ضارة بالصحة وتسبب السمنة، ولكنك لا تسمع كلاماً عن أن الشاورما، مثلا، أكثر ضرراً بعشرات المرات من البيرغر. فالمذاق الخاص للشاورما منشؤه الشحم الذي يوضع بين كل شريحة لحم وأخرى، والأدهى من ذلك أن الشحم المستخدم في الشاورما يتم جمعه من محلات بيع اللحوم حيث يتم إلقاء الشحوم جانباً أو -غالبا- أرضا بطلب من الزبون، ونفس الزبون الذي يطلب تخليص اللحم الذي يريد شراءه من الشحم يذهب مساء ويشتري شاورما أهم مكوناتها الشحم الذي طلب من الجزار أن يخلصه منه! وهناك البهارات الكثيفة التي تغطي على رائحة اللحم الذي شبع تجميداً حتى فقد معظم خصائصه الغذائية. وحتى أطباؤنا يحذروننا من الوجبات السريعة ولكنهم لا يحذروننا من المكبوس والمندي وما على شاكلتهما من أكلات مشبعة بالدهون الحيوانية. ومعظم من يعانون ارتفاع الكولسترول في الخليج عليهم إلقاء اللوم على أكلاتهم الشعبية (بما في ذلك الفلافل/ الطعمية) المشبعة بالكولسترول قبل اتهام البيرغر. (لثقافتك العامة: تجنّب الفلافل الداكنة اللون لأنها تكون قد تعرضت للقلي في زيت تم استخدامه كثيرا فيصبح بحيرة من الكولسترول).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك