العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الرومانسية بريئة من جيلنا

أسمع‭ ‬وأقرأ‭ ‬باستمرار‭ ‬كلاماً‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬جيلنا‭ ‬كان‭ ‬رومانسياً،‭ ‬ودليل‭ ‬القائلين‭ ‬بذلك‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬نقرأ‭ ‬ونحفظ‭ ‬الشعر‭ ‬الجميل‭ ‬ونحرص‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬المطبوعات‭ ‬الثقافية‭! ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬اعتبرنا‭ ‬قراءة‭ ‬شعر‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬أو‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬ربيعة‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬الرومانسية‭ ‬فهي‭ ‬رومانسية‭ ‬نظرية‭ ‬أي‭ ‬ليست‭ ‬تطبيقية،‭ ‬ولا‭ ‬تختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬رومانسية‭ ‬النابغة‭ ‬الذبياني‭ ‬وتأبط‭ ‬شرا‭ ‬وبقية‭ ‬جماعة‭: ‬أحبها‭ ‬وتحبني‭/ ‬ويحب‭ ‬ناقتها‭ ‬بعيري‭! ‬ويقولون‭ ‬إن‭ ‬جيلنا‭ ‬كان‭ ‬ينتظر‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭ ‬حفل‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬خميس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬ويظل‭ ‬جالساً‭ ‬قبالة‭ ‬جهاز‭ ‬الراديو‭ ‬لمتابعة‭ ‬معلقاتها‭! ‬هذا‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬الخير،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بسبب‭ ‬كوننا‭ ‬رومانسيين،‭ ‬بل‭ ‬لكوننا‭ ‬متبطلين‭ ‬ولا‭ ‬قيمة‭ ‬للوقت‭ ‬عندنا،‭ ‬فالطموحات‭ ‬كانت‭ ‬متواضعة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كانت‭ ‬أوقات‭ ‬الفراغ‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬أوقات‭ ‬العمل،‭ ‬وأم‭ ‬كلثوم‭ ‬كانت‭ ‬تؤدي‭ ‬الأغنية‭ ‬الواحدة‭ ‬في‭ ‬خمسين‭ ‬دقيقة‭ ‬ثم‭ ‬يصيح‭ ‬الجمهور‭: ‬الله‭ ‬الله‭.. ‬كمان‭ ‬يا‭ ‬ست،‭ ‬فـ‭(‬تمط‭) ‬الأغنية‭ ‬وتمددها‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬أخرى‭.‬

ثم‭ ‬هل‭ ‬يريد‭ ‬من‭ ‬يزعمون‭ ‬أن‭ ‬جيل‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭ ‬الحالي‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬المعاصر‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬الرومانسية‭ ‬لغياب‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬وفايزة‭ ‬أحمد‭ ‬والمتنبي‭ ‬عن‭ ‬الساحة؟‭ ‬بذمتكم‭ ‬من‭ ‬هو‭ (‬الرومانسي‭)‬؟‭ ‬من‭ ‬يهيم‭ ‬بهدى‭ ‬سلطان‭ ‬وتحية‭ ‬كاريوكا‭ ‬وشكوكو؟‭ ‬أم‭ ‬من‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعجرمية‭ ‬والهيفاوية؟‭ ‬كلك‭ ‬نظر‭ ‬يا‭ ....! ‬أما‭ ‬الزعم‭ ‬بأن‭ ‬جيلنا‭ ‬نهل‭ ‬الرومانسية‭ ‬من‭ ‬روايات‭ ‬إحسان‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬فصحيح‭ ‬مائة‭ ‬بالمائة،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬رواياته‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا‭ ‬كمراهقين‭ ‬أجنحة‭ ‬نحلق‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬سماوات‭ ‬الحب‭ ‬والغرام‭ ‬والحرام،‭ ‬وأعترف‭ ‬بأنني‭ ‬شخصياً‭ ‬عشت‭ ‬حيناً‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬وأنا‭ ‬مقتنع‭ ‬بأن‭ ‬سعاد‭ ‬حسني‭ ‬تحبني‭ ‬كما‭ ‬أحبها‭ ‬وأن‭ ‬التقاءنا‭ ‬على‭ ‬كورنيش‭ ‬النيل‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬ثم‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬المأذون‭ ‬مسألة‭ ‬وقت،‭ ‬رغم‭ ‬معارضة‭ ‬الأهل‭ (‬أهلي‭ ‬طبعاً‭ ‬بزعم‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تستأهلني‭). ‬وما‭ ‬أن‭ ‬سرت‭ ‬شائعات‭ ‬بأن‭ ‬عبدالحليم‭ ‬حافظ‭ ‬خطفها‭ ‬مني،‭ ‬حتى‭ ‬هب‭ ‬إحسان‭ ‬عبدالقدوس‭ ‬لنجدتي،‭ ‬فقد‭ ‬تحولت‭ ‬إحدى‭ ‬رواياته‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬نادية‭ ‬لطفي‭ ‬فوقعت‭ ‬في‭ ‬غرامها‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬نظرة،‭ ‬وكنت‭ ‬أحرم‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬وجبة‭ ‬الإفطار‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬لتوفير‭ ‬النقود‭ ‬لمقابلة‭ ‬بنت‭ ‬لطفي‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬السينما‭. ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬قصة‭ ‬الحب‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نبيلة‭ ‬عبيد،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬تتويجها‭ ‬بمحادثات‭ ‬تلفونية‭ (‬يشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الأستاذ‭ ‬السعودي‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الخميس‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬المجلة،‭ ‬الذي‭ ‬اتصل‭ ‬بحبيبة‭ ‬القلب‭ ‬نبيلة‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬لسويسرا‭ ‬ثم‭ ‬سلمني‭ ‬الهاتف،‭ ‬ولك‭ ‬أن‭ ‬تتخيل‭ ‬سعادتي‭ ‬عندما‭ ‬عرفت‭ ‬ان‭ ‬لديها‭ ‬علما‭ ‬بهيامي‭ ‬بها،‭ ‬بل‭ ‬دعتني‭ ‬وزوجتي‭ ‬لقضاء‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬سويسرا،‭ ‬ولكن‭ ‬الغيرة‭ ‬نهشت‭ ‬عقل‭ ‬زوجتي‭ ‬وخيرتني‭ ‬بين‭ ‬الخلع‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬نبيلة،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬تفاديت‭ ‬الخلع‭!!!) ‬هل‭ ‬رأيت‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬الخط‭ ‬رفيعاً‭ ‬بين‭ ‬الرومانسية‭ ‬و‭(‬العبط‭) ‬عند‭ ‬أبي‭ ‬الجعافر؟‭ ‬وبالتالي‭ ‬عند‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جيله‭.‬

والنقطة‭ ‬التي‭ ‬أتفق‭ ‬فيها‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬الزعم‭ ‬بأننا‭ ‬فعلاً‭ ‬كنا‭ ‬رومانسيين‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الأمور‭ ‬السياسية‭: ‬وحدة‭ ‬عربية‭ ‬لا‭ ‬يغلبها‭ ‬غلاب‭.. ‬حرية‭ ‬اشتراكية‭ ‬وحدة‭.. ‬ويلك‭ ‬يللي‭ ‬تعادينا‭ ‬يا‭ ‬ويلك‭ ‬ويل‭.. ‬اشتراكية‭ ‬تجعل‭ ‬الفقر‭ ‬فعلاً‭ ‬ماضيا‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الإعراب‭. ‬والله‭ ‬زمن‭ ‬يا‭ ‬سلاحي‭! ‬ما‭ ‬أُخذ‭ ‬بالقوة‭ ‬لا‭ ‬يُسترد‭ ‬بالملوخية‭. ‬وباستثناء‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬رومانسية‭ ‬جيلنا‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬العزاء‭ ‬للنفس‭! ‬ولعلك‭ ‬يا‭ ‬صاحبي‭ (‬الرجل‭) ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬عيالك‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬وهم‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬براعة‭ ‬جيلنا‭ ‬في‭ ‬طاولة‭ ‬الزهر‭ ‬والكنكان،‭ ‬أو‭ ‬يديرون‭ ‬معارك‭ ‬البلاي‭ ‬ستيشن‭ ‬بمهارة‭ ‬يحسدهم‭ ‬عليها‭ ‬جنرالات‭ ‬أمريكا‭ ‬الخائبون‭ ‬الذين‭ ‬عجزوا‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬حركة‭ ‬المرور‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬تسمعهم‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬غوغل‭ ‬وواي‭ ‬فاي‭ ‬وإيه‭ ‬آي‭ (‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭)‬،‭ ‬فتحس‭ ‬بالغيرة‭ ‬وتلجأ‭ ‬إلى‭ ‬سنام‭ ‬الذاكرة‭ ‬طالباً‭ ‬العزاء‭ ‬في‭ ‬وقائع‭ ‬غابر‭ ‬السنين‭! ‬وتنسى‭ ‬أنك‭ ‬في‭ ‬شبابك‭ ‬كنت‭ ‬تظن‭ ‬أن‭ ‬‮«‬رومانسي‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬الشخص‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العاصمة‭ ‬الإيطالية‭ ‬روما‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا