زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تقدُّم هو صنو التأخُّر
صحيح أن التقدم الصناعي والتكنولوجي جعل حياة الإنسان سهلة وميسورة، ولكن صحيح أيضاً أن البشرية تدفع ثمناً باهظاً نظير تلك السهولة واليسر، فالكونكورد طارت بأسرع من سرعة الصوت، ولكن أصيبت محركاتها ذات يوم بالجنون فأوصلت ركابها إلى المقابر بسرعة الضوء، والسيارات كلما ازدادت اتقانا ومزايا، تكاثر ضحاياها، خاصة في العالم العربي حيث الناس مجنونون بالسرعة رغم أن الوقت لا قيمة له عندهم، يقتل العرب بعضهم البعض في الشوارع وهم أكثر أهل الأرض استهتاراً بحياة الإنسان كما تدل على ذلك الطريقة التي يقودون بها سياراتهم، ثم يتباكون على حقوق الإنسان.
الغواصة الروسية كورسك تم تصميمها لقتل أعداء روسيا، فلم تقتل قط واحداً من أولئك الأعداء بل انقلبت على شباب روسيا وقتلت منهم 118: تعطلت وهي في الأعماق وهلك جميع من كانوا على متنها والطائرات الماليزية والفرنسية والكورية صنعت لتوصيل الناس إلى غاياتهم ففعلت ذلك عدة مرات ولكن أصابها خبل يوما ما وأوصلت ركابها إلى قيعان البحار فاختفت اسر بكاملها من الوجود، ومع هذا سنظل نتعامل مع الطائرات وسنظل نثق بالطيارين العرب لأنهم بالتأكيد أكثر عقلاً وإحساسا بالمسؤولية من قائدي السيارات العرب.
يوماً بعد آخر سينقلب السحر على الساحر وتتحول التكنولوجيا إلى غول يفتك بنا عضوياً وأخلاقياً فصناعة الأدوية التي انتجت العقاقير المنقذة للحياة انتجت أيضاً الاكستاسي الذي يسبب النشوة العارضة وتلف الدماغ، والتطور الزراعي أدى إلى ظهور الثمار الفرانكنشتانية الضخمة المرعبة، بذريعة «التحسين الجيني»، وصرنا نرى في الأسواق مؤخرا طماطم شديد الاحمرار في حجم الشمام، وتأكلها وتحسب أنها «خيار»، وفي السودان زرعنا القطن المعدل وراثيا، فصار من كل من زرعه في انتظار وفاة قريب ثري كي «يرثه»، ثم من أين أتى الإيدز والإيبولا في السنوات الأربعين الأخيرة وعمر البشرية أكثر من 40 ألف سنة لم تعرف خلالها سوى الاسهال ونزلات البرد وكسور العظام؟ ثم موضة البرازيل قبل أعوام: فيروس زيكا، الذي يسبب ضمور مخ الجنين فيولد مشوها ومعاقا، فكيف يحمل فيروس بهذه الشراسة اسم زيكا على وزن «مزيكا»؟ هل لأنه برازيلي المنشأ؟ وعندك التهمة التي دبسوا فيها بعيرنا، فزعموا أنها سبب ظهور النسخة الأولى من فيروس كورونا القاتل.. قاتلكم الله، بعيرنا عاشت بيننا أكثر من ألفي سنة ولم نسمع أن واحدا منها «عطس»، فمن أين أتاها الفيروس لتوزعه علينا؟
وسعدت كثيرا بتقنية واتساب، ولكنها سرعان ما سببت لي «رهاب»/ فوبيا، لأنني كلما استخدمتها أحسست بأن هناك أشخاصا معينين ينصبون لي كمائن على مدار الساعة، فصرت أتوقف عن استخدامها كل بضعة أشهر، وما زلت أحاول اقناع عيالي بالتوقف عن استخدامها لأنني أشتاق إلى أصواتهم بعد أن صاروا يجلسون معي وعقولهم «شتى» ومشتتة، يبتسمون ويضحكون وعيونهم على شاشات هواتفهم الغبية.. اسحب الكلمة الأخيرة، فمن حسنات هذه الهواتف أنها تبيح إجراء المكالمات الهاتفية المحلية والدولية بلا مقابل. ورغم طلاقي المتقطع لواتساب إلا أنني أمارس الكلام العابر للقارات مستخدما آيمو وفيس تايم وميت meet، وبالمناسبة فكلما استخدمت هذه الوسائط لمكالمات هاتفية بعيدة المدى (من البحرين الى الولايات المتحدة أو كندا أو بريطانيا) كلما ضمنت لنفسك ونسة وسوالف خالية من الخشخشة والوشوشة.
وبالمناسبة فلعل بعضكم انتبه إلى ان ما يسمى بتكنولوجيا المعلومات لم تؤد الى خفض العمالة في أي جهة أو ناحية، فما من جهة توسعت في استخدام الكمبيوتر لتسيير شؤونها، إلا وكان عدد العاملين في إدارات تكنولوجيا المعلومات فيها أكثر من عدد أساتذة الجامعة الواحدة، وقد ثبت خطل المزاعم بأن التوسع في استخدام الكمبيوتر سيجعل الناس يستغنون عن استخدام الورق والقلم، فما هو حادث هو أنه لابد من طباعة كل مستند مطبوع بالكمبيوتر والحصول على نسخة ورقية منه، ووضعها في ملف، وللنسخة الورقية أهمية عظمى في العالم العربي لأنها تتيح حرية «التوقيع»، لأنه ما من مستند عربي يعتبر صحيحا ما لم يكن يحمل أربعة تواقيع على الأقل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك