زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الصحافة وقنوات السخافة
كلما التقيت بشباب واعد يعمل في مجال الصحافة الورقية المطبوعة، واكتسب خبرة معقولة أنصحه بتنويع خبرته بالانتقال إلى التلفزيون، ولست ممن يعتقدون أن الصحافة المطبوعة ستختفي كليا بازدهار الصحافة الإلكترونية، فهناك الملايين وأنا منهم لا يستمتعون بقراءة الصحف إلا بالإمساك بها في أيديهم، ولكن الانتشار السريع للتلفزيون والإنترنت والهواتف الذكية كأداة لبث الأخبار ونشر المعرفة سيعجل باختفاء الصحف العرجاء، بمعنى أنه لن تبقى في الساحة إلا الصحف ذات الطبيعة الاستشرافية، أي تلك التي لا تحدثنا عما وقع بالأمس، بل عن دلالات ذلك الحدث، والأهم من ذلك «ذيوله» ونتائجه وعواقبه ويسمي البعض هذه الصحف «صحافة الرأي»، ففي عصرنا الراهن قليلون هم الذين يقرأون الصحف بحثاً عن «الأخبار» لأن التلفزيونات تبث تلك الأخبار قبل ساعات طويلة من عرضها عبر الصحف المطبوعة «في اليوم التالي». ومنصة يوتيوب توصل الخبر أسرع مما يفعل التلفزيون، وبعبارة أخرى فإن معظم الصحف تنشر أخباراً «مستعملة»، سكند هاند، بائتة. بل إن محطات التلفزة لم تعد تطالبك بفتح جهاز التلفزيون لمعرفة أهم الأخبار، فترسلها إليك أولا بأول حتى قبل أن تبثها هي (شخصيا أتلقى الأخبار الطازجة الطالعة من الفرن من أربعة مصادر ذات موثوقية عالية نسبيا كل بضع دقائق)، ومن ثم فإنني أعتقد أن السنوات المقبلة ستظل تشهد نمواً هائلاً في مجال البث التلفزيوني، دعك من المستقبل وارفع نظرك إلى الفضاء الآن: هل ترى تلك السحب الداكنة رغم أن موسم الأمطار ما زال بعيداً؟ إنها في واقع الأمر ليست سحبا، بل غبارا وأدخنة تغطي فضاءاتنا بسبب المواد المقرفة التي تبثها نحو 300 قناة فضائية عربية. وهناك نحو 70 قناة تلفزيونية عربية «يستعر» معظم الناس منها وتتنافس مع بعضها بعضاً على استدراج المشاهدين بمخاطبة غرائزهم. وهناك القنوات التي تتخصص في مدح وتجميد الحكام العباقرة أصحاب النظريات التي ستنقذ البشرية من الفقر والتسونامي وكاترينا (هل انتبهت إلى أن الأمريكان الذين يقولون إن النساء والرجال متساوون في الحقوق والواجبات ولكنهم وكلما فاجأهم إعصار مدمر أطلقوا عليها اسما نسائيا؟). طبعاً لو لم تكن الشغلة مربحة لما اتسع الفضاء لكل تلك القنوات.
وبقلب جامد أستطيع أن أقول إنه لو خصص رجل أعمال ثلاثة ملايين دولار فقط لقناة تلفزيونية وجعلني مديرها العام ومدير الشؤون المالية وكبير المذيعين فيها فإنني، ورغم ملامحي التي تقطع الخميرة، أضمن له بإذن الله استرداد رأس ماله خلال سنتين وجنى الأرباح في السنوات التالية بالطن، وكل هذا دون أن استعين بأي فتاة قليلة الملابس والحياء، أي أن القناة ستكون نظيفة وراقية ولا تنقض الوضوء، وفي الوقت نفسه لن تكون ثقيلة الظل، بل اعتقد أن لدي من الخبرة في مجال العمل التلفزيوني ما يجعلني أحترم جمهور المشاهدين، وأعد برامج على مدار السنة ليس فيها أغنية واحدة ومع هذا تشد الناس، وأقول هذا وقد ودعنا شهر رمضان الكريم قبل أسابيع قليلة وأعرف أن الفضائيات العربية قرفت عيشة الملايين، بأنها درجت على جعل رمضان شهر طقطقة وتهريج وسلق بيض منتهي الصلاحية (شخصيا أتعامل مع التلفزيون في رمضان على أساس أنه من مبطلات الصوم ولا أتابع الأخبار إلا عبر هاتفي العبقري)!!
باختصار فإن صناعة الترفيه هي القطاع الوحيد الذي يشهد نمواً متواصلاً ومطرداً، وفتشوا جيوبكم جيداً، ففي غضون أشهر ستطرح في أسواقنا نسخة متطورة من أجهزة بلاي ستيشن المحمولة psp صغيرة الحجم وخفيفة الوزن، تحملها في جيبك لتمارس ألعاب الفيديو وسماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام وتخزين الصور الفوتوغرافية والدخول في الانترنت لاسلكيا، ومشاهدة البرامج التلفزيونية. ولو تزامن ذلك مع بداية العام الدراسي: يكون المدرس يشرح الدرس والطالب مشغول بجهاز بي اس بي الذي يضعه على حجره وفي نهاية السنة يحصل على شهادة بي اس بي وهي اختصار لـ (بره. ساقط. بجدارة).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك