زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الظلم والظلامات
هب أن اسمك مزمل، وأنك تعمل في شركة أو إدارة ما منذ سبع سنوات، وخلال اجتماع يشارك فيه بضعة أشخاص خاطبك المدير بقوله: نريد رأيك يا عبدالصمد. ثم ضحك وعندما بدأت تتكلم ظل «المدير» يقلب أوراقاً أمامه، ثم يتلاعب بأزرار هاتفه الجوال ويبتسم. ربما وصلته نكتة عبر واتساب وربما كسب نقاطا في لعبة الكترونية يمارسها باستخدام هاتفه. وهب أنك جلست أمام رئيس القسم وشرعت تشرح له مشكلة تعاني منها، أو تعرض عليه موضوعاً طلب منك إعداده، وبعد أن تقول أول كلمتين يشرع هو في النظر إلى ساعته. فتتوقف عن الكلام ولكنه يقول: أها.. ثم ماذا بعد؟ وبعد أن تقول كل ما عندك وهو يتشاغل بأمور لا تجعله يحسن الإصغاء إليك، يقول لك أن فكرتك أو اقتراحك غير مقبول لأنه غير منطقي، ومخالف للائحة، ويهدد الوحدة العربية. ثم يدخل عليكم في هذه الاثناء زميل ويصيح: الحمد لله لقيتكم جالسين سوا لأني أريد أن أعرف رأيكم في اقتراح، ثم يعرض هذا الزميل نفس اقتراحك، ولكن بأسلوب ركيك، يدل على أنه لم يدرسه جيدا، لأنه التقطه منك وأراد ان يسجل به نقاطا لصالح نفسه، فيصغي سيادة رئيس القسم جيدا ويصيح: فانتاستك.. اكسلنت.. رائع.. ممتاز! يا ليت يكون عندي ثلاثة موظفين مثلك! هات اقتراحك وأنا ارفعه للمدير مع توصية بإجازته وترقيتك او منحك مكافأة مالية!! أو هب أنك كنت تسير في الممر في موقع العمل ورأيت المدير قادماً من الاتجاه المقابل ثم توقف ليصافح زميلك في المكتب، ثم لما مر بك و«عينك في عينه»، لم يكلف نفسه حتى إلقاء نظرة عليك او الرد على التحية التي نطقت بها.
هذه مجرد عينات من السلوكيات المحبطة للمرؤوسين التي تصدر عن المدراء ورؤساء القطاعات والأقسام. والتجاهل والازدراء قد لا يكون متعمدا بمعنى أن أولئك «الكبار» قد يكونون مشغولين بأمور كبيرة تجعلهم في حالة «توهان» معظم الوقت، أو قد يكونون أجلافا بطبعهم ويعاملون معظم الناس بذات الأسلوب، بينما يخصون أقلية بالمعاملة الخاصة، ولكن ما من شيء يجعل الإنسان يحس بالمهانة مثل تلك الأشياء الصغيرة: تتكلم ولا يستمع اليك أحد.. يمر بك شخص تعرفه بحكم زمالة الدراسة أو العمل أو الجيرة دون إلقاء التحية عليك.. أو دون الابتسام في وجهك.. أو بالاستخفاف باللسان أو بلغة الجسد بوجهة نظرك!
مثل هذه الأشياء أسمتها البروفسر ميري راو الأستاذ في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في بوسطن بالولايات المتحدة في دراسة أصدرتها عام 1973 بالظلامات (من الظلم) الصغيرة micro inequities، ومنذ يومها صار المصطلح يستخدم لدراسة المظالم / الظلامات في قطاعات الصحة والتعليم وغيرهما. والإنسان قد يقبل أن يرفض اقتراح قدمه لرؤسائه بعد إخضاع الاقتراح للنقاش المستفيض، وقد يقبل أن يمر به المدير يوم الاثنين دون أن يلقي عليه التحية لأنه حياه بحرارة يومين متتاليين في الأسبوع المنصرم. ولكن تكرار التجاهل والرفض يترك جراحا نفسية غائرة.
وقد بحت أصوات خبراء الإدارة وهم ينبهوننا إلى أننا لن نحقق أي تقدم اقتصادي أو اجتماعي ما لم نتقن فنون وعلوم الإدارة. ونحن لا نحلم بأن يوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ونقبل بأن يكون السيد طرطور هو الكل في الكل – واللهم لا اعتراض – ولكننا نحلم بأن لا يهدر هو وأمثاله آدميتنا، وأن تجعله عُقدة كونه يدرك أنه لا يستحق المنصب ساديَّا يستمتع باستدعائنا ليبهدلنا أمام ضيوفه. نحن قوم نعرف أن الكلمة الطيبة صدقة ولكننا لا نسمع إلا كلاما مثل السم في بيئات العمل. كلاما جارحا ومحبطا بل يحط بقدر الإنسان الذي كرَّمه الرحمن.
ويا هوامير ويا تماسيح ويا كبار حلال عليكم وظائفكم ولكن لا تبخسوا الناس أشياءهم، فلا يستمتع بإهانة الآخرين إلا شخص مريض وعاجز مهنياً ومعاق أخلاقياً.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك