العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٨ - الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن الظلم والظلامات

هب‭ ‬أن‭ ‬اسمك‭ ‬مزمل،‭ ‬وأنك‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬ما‭ ‬منذ‭ ‬سبع‭ ‬سنوات،‭ ‬وخلال‭ ‬اجتماع‭ ‬يشارك‭ ‬فيه‭ ‬بضعة‭ ‬أشخاص‭ ‬خاطبك‭ ‬المدير‭ ‬بقوله‭: ‬نريد‭ ‬رأيك‭ ‬يا‭ ‬عبدالصمد‭.  ‬ثم‭ ‬ضحك‭ ‬وعندما‭ ‬بدأت‭ ‬تتكلم‭ ‬ظل‭ ‬‮«‬المدير‮»‬‭ ‬يقلب‭ ‬أوراقاً‭ ‬أمامه،‭ ‬ثم‭ ‬يتلاعب‭ ‬بأزرار‭ ‬هاتفه‭ ‬الجوال‭ ‬ويبتسم‭. ‬ربما‭ ‬وصلته‭ ‬نكتة‭ ‬عبر‭ ‬واتساب‭ ‬وربما‭ ‬كسب‭ ‬نقاطا‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬الكترونية‭ ‬يمارسها‭ ‬باستخدام‭ ‬هاتفه‭. ‬وهب‭ ‬أنك‭ ‬جلست‭ ‬أمام‭ ‬رئيس‭ ‬القسم‭ ‬وشرعت‭ ‬تشرح‭ ‬له‭ ‬مشكلة‭ ‬تعاني‭ ‬منها،‭ ‬أو‭ ‬تعرض‭ ‬عليه‭ ‬موضوعاً‭ ‬طلب‭ ‬منك‭ ‬إعداده،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬أول‭ ‬كلمتين‭ ‬يشرع‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬ساعته‭. ‬فتتوقف‭ ‬عن‭ ‬الكلام‭ ‬ولكنه‭ ‬يقول‭: ‬أها‭.. ‬ثم‭ ‬ماذا‭ ‬بعد؟‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عندك‭ ‬وهو‭ ‬يتشاغل‭ ‬بأمور‭ ‬لا‭ ‬تجعله‭ ‬يحسن‭ ‬الإصغاء‭ ‬إليك،‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬فكرتك‭ ‬أو‭ ‬اقتراحك‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬لأنه‭ ‬غير‭ ‬منطقي،‭ ‬ومخالف‭ ‬للائحة،‭ ‬ويهدد‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭. ‬ثم‭ ‬يدخل‭ ‬عليكم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاثناء‭ ‬زميل‭ ‬ويصيح‭: ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬لقيتكم‭ ‬جالسين‭ ‬سوا‭ ‬لأني‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أعرف‭ ‬رأيكم‭ ‬في‭ ‬اقتراح،‭ ‬ثم‭ ‬يعرض‭ ‬هذا‭ ‬الزميل‭ ‬نفس‭ ‬اقتراحك،‭ ‬ولكن‭ ‬بأسلوب‭ ‬ركيك،‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يدرسه‭ ‬جيدا،‭ ‬لأنه‭ ‬التقطه‭ ‬منك‭ ‬وأراد‭ ‬ان‭ ‬يسجل‭ ‬به‭ ‬نقاطا‭ ‬لصالح‭ ‬نفسه،‭ ‬فيصغي‭ ‬سيادة‭ ‬رئيس‭ ‬القسم‭ ‬جيدا‭ ‬ويصيح‭: ‬فانتاستك‭.. ‬اكسلنت‭.. ‬رائع‭.. ‬ممتاز‭! ‬يا‭ ‬ليت‭ ‬يكون‭ ‬عندي‭ ‬ثلاثة‭ ‬موظفين‭ ‬مثلك‭! ‬هات‭ ‬اقتراحك‭ ‬وأنا‭ ‬ارفعه‭ ‬للمدير‭ ‬مع‭ ‬توصية‭ ‬بإجازته‭ ‬وترقيتك‭ ‬او‭ ‬منحك‭ ‬مكافأة‭ ‬مالية‭!! ‬أو‭ ‬هب‭ ‬أنك‭ ‬كنت‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬الممر‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬العمل‭ ‬ورأيت‭ ‬المدير‭ ‬قادماً‭ ‬من‭ ‬الاتجاه‭ ‬المقابل‭ ‬ثم‭ ‬توقف‭ ‬ليصافح‭ ‬زميلك‭ ‬في‭ ‬المكتب،‭ ‬ثم‭ ‬لما‭ ‬مر‭ ‬بك‭ ‬و«عينك‭ ‬في‭ ‬عينه‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬يكلف‭ ‬نفسه‭ ‬حتى‭ ‬إلقاء‭ ‬نظرة‭ ‬عليك‭ ‬او‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬التحية‭ ‬التي‭ ‬نطقت‭ ‬بها‭.‬

هذه‭ ‬مجرد‭ ‬عينات‭ ‬من‭ ‬السلوكيات‭ ‬المحبطة‭ ‬للمرؤوسين‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬المدراء‭ ‬ورؤساء‭ ‬القطاعات‭ ‬والأقسام‭. ‬والتجاهل‭ ‬والازدراء‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬متعمدا‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬أولئك‭ ‬‮«‬الكبار‮»‬‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬مشغولين‭ ‬بأمور‭ ‬كبيرة‭ ‬تجعلهم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬‮«‬توهان‮»‬‭ ‬معظم‭ ‬الوقت،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬أجلافا‭ ‬بطبعهم‭ ‬ويعاملون‭ ‬معظم‭ ‬الناس‭ ‬بذات‭ ‬الأسلوب،‭ ‬بينما‭ ‬يخصون‭ ‬أقلية‭ ‬بالمعاملة‭ ‬الخاصة،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬يجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬يحس‭ ‬بالمهانة‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ ‬الصغيرة‭: ‬تتكلم‭ ‬ولا‭ ‬يستمع‭ ‬اليك‭ ‬أحد‭.. ‬يمر‭ ‬بك‭ ‬شخص‭ ‬تعرفه‭ ‬بحكم‭ ‬زمالة‭ ‬الدراسة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬الجيرة‭ ‬دون‭ ‬إلقاء‭ ‬التحية‭ ‬عليك‭.. ‬أو‭ ‬دون‭ ‬الابتسام‭ ‬في‭ ‬وجهك‭.. ‬أو‭ ‬بالاستخفاف‭ ‬باللسان‭ ‬أو‭ ‬بلغة‭ ‬الجسد‭ ‬بوجهة‭ ‬نظرك‭!‬

مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬أسمتها‭ ‬البروفسر‭ ‬ميري‭ ‬راو‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬ماساشوستس‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬بوسطن‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬أصدرتها‭ ‬عام‭ ‬1973‭ ‬بالظلامات‭ (‬من‭ ‬الظلم‭) ‬الصغيرة‭ ‬micro‭ ‬inequities،‭ ‬ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬صار‭ ‬المصطلح‭ ‬يستخدم‭ ‬لدراسة‭ ‬المظالم‭ / ‬الظلامات‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬وغيرهما‭. ‬والإنسان‭ ‬قد‭ ‬يقبل‭ ‬أن‭ ‬يرفض‭ ‬اقتراح‭ ‬قدمه‭ ‬لرؤسائه‭ ‬بعد‭ ‬إخضاع‭ ‬الاقتراح‭ ‬للنقاش‭ ‬المستفيض،‭ ‬وقد‭ ‬يقبل‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬المدير‭ ‬يوم‭ ‬الاثنين‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلقي‭ ‬عليه‭ ‬التحية‭ ‬لأنه‭ ‬حياه‭ ‬بحرارة‭ ‬يومين‭ ‬متتاليين‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬المنصرم‭. ‬ولكن‭ ‬تكرار‭ ‬التجاهل‭ ‬والرفض‭ ‬يترك‭ ‬جراحا‭ ‬نفسية‭ ‬غائرة‭.‬

وقد‭ ‬بحت‭ ‬أصوات‭ ‬خبراء‭ ‬الإدارة‭ ‬وهم‭ ‬ينبهوننا‭ ‬إلى‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نحقق‭ ‬أي‭ ‬تقدم‭ ‬اقتصادي‭ ‬أو‭ ‬اجتماعي‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نتقن‭ ‬فنون‭ ‬وعلوم‭ ‬الإدارة‭. ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نحلم‭ ‬بأن‭ ‬يوضع‭ ‬الشخص‭ ‬المناسب‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المناسب،‭ ‬ونقبل‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬السيد‭ ‬طرطور‭ ‬هو‭ ‬الكل‭ ‬في‭ ‬الكل‭ ‬‭ ‬واللهم‭ ‬لا‭ ‬اعتراض‭ ‬‭ ‬ولكننا‭ ‬نحلم‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬يهدر‭ ‬هو‭ ‬وأمثاله‭ ‬آدميتنا،‭ ‬وأن‭ ‬تجعله‭ ‬عُقدة‭ ‬كونه‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬المنصب‭ ‬ساديَّا‭ ‬يستمتع‭ ‬باستدعائنا‭ ‬ليبهدلنا‭ ‬أمام‭ ‬ضيوفه‭.  ‬نحن‭ ‬قوم‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬صدقة‭ ‬ولكننا‭ ‬لا‭ ‬نسمع‭ ‬إلا‭ ‬كلاما‭ ‬مثل‭ ‬السم‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬العمل‭. ‬كلاما‭ ‬جارحا‭ ‬ومحبطا‭ ‬بل‭ ‬يحط‭ ‬بقدر‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬كرَّمه‭ ‬الرحمن‭.‬

ويا‭ ‬هوامير‭ ‬ويا‭ ‬تماسيح‭ ‬ويا‭ ‬كبار‭ ‬حلال‭ ‬عليكم‭ ‬وظائفكم‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تبخسوا‭ ‬الناس‭ ‬أشياءهم،‭ ‬فلا‭ ‬يستمتع‭ ‬بإهانة‭ ‬الآخرين‭ ‬إلا‭ ‬شخص‭ ‬مريض‭ ‬وعاجز‭ ‬مهنياً‭ ‬ومعاق‭ ‬أخلاقياً‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا