زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
أبو الجعافر تنساوي
لاحظ أفراد عائلتي باستنكار ظاهر أمرا غريبا في عاداتي وسلوكي، بعد أن صرت حريصاً على متابعة مباريات بطولة التنس العالمية في بريطانيا وفرنسا وأستراليا وغيرها من الدول، وصرت مثقفا نسبيا أتكلم بمناسبة وبدون مناسبة عن روجر فيدرر ورفائيل نادال وأندي مري ونوفاك والروسيتين ماريا شارابوفا وآنا كورنيكوفا (هذه الأخيرة دخلت مجال التنس من نفس البوابة التي دخلت بها هيفاء وهبي على الغناء، أي بوابة عرض المفاتن، ثم أدركت أن الظهور على أغلفة المجلات بالملابس البليغة التي تعبر عن كوامن الفتنة عائدها أفضل من عائد لعب التنس)، ولأنني دقة قديمة فلم أتمكن بعد من حفظ واستذكار أسماء نجوم التنس الجدد.
ولكنني ولأسباب عرقية - عنصرية كنت أتحدث كثيرا عن سيرينا وأختها فينوس وليامز، وكأنهما من «بقية أهلي»، رغم أنني في قرارة نفسي لا أحبهما كما سأشرح لاحقا، وعموما فإنني أنفعل مع هذا اللاعب أو ذاك، إذا كانت مباراة التنس حامية الوطيس (والله لا أعرف معني «الوطيس» ولكنني سمعت الناس يصفون المعارك الساخنة بتلك الكلمة، وناشدت القراء عشرات المرات ان يشرحوا لي ما هي الكراديس وما هو موقعها في الجسم، وخاصة ان غوغل قال إنه لا يعرف معناها ويضع لي خطاً أحمر تحتها كلما كتبتها) وإذا قالوا لي إن فلانا يريدني على الهاتف أثناء مباراة تنس دولية أصيح فيهم: قولوا له مش فاضي.
بدأت الحكاية عندما كنت بمفردي في البيت، ومررت على نحو عشرين قناة تلفزيونية، وكانت جميعها تسد النفس فقررت التوقف عند قناة كانت تبث مباريات التنس، وأمسكت بعدد جديد لمجلة تايم الأمريكية، (لأنني دقة قديمة فإنني مازلت أجد المتعة فقط بالإمساك بمطبوعات على الورق)، المهم أنني قلبت المجلة فلم يستوقفني فيها ولا مقال واحد، وكما المضطر الذي يركب الصعب، جلست أنظر إلى لاعبي التنس، وانتبهت لأول مرة إلى أنها لعبة صعبة وبها جماليات ومهارات لافتة للانتباه، ومنذ ذلك اليوم صرت أجلس طويلا أمام التلفزيون لمتابعة مباريات ويمبلدون على وجه الخصوص، وأجمل ما في الموضوع أنني لست معنياً بأن يفوز زيد أو عبيد.. يعني لا تفرق معي إذا فاز سويسري أو سنغالي. الغريب في الأمر هو أنني لا أتمنى الفوز للشقيقتين الأمريكيتين سيرينا وفينوس وليامز، ولم أحزن لهزيمتهما في أي مباراة، بل أحسست بالراحة عندما علمت باعتزالهما اللعب. عجيب! لأنه يفترض أن الجنس على الجنس رحمة، وهما من أصول إفريقية مثلي، ولكن كراهيتي للمغني المائع مايكل جاكسون جعلتني أسيء الظن بسود أمريكا، والثنائي وليامز باعتراف أبيهما مبرمجتان منذ الطفولة كي تفوزا.. وبس.. يعني هما مثل فريق كرة القدم الألماني الذي يفوز بمباريات كثيرة، ولكن بأسلوب لعب رتيب خال من أي لمسات فنية.. على كل حال فالمهم عندي في مجال التنس الذي دخلته متأخراً هو (الفرجة) على لعبة اكتشفت أنها قمة في الامتاع وتتطلب لياقة بدنية ومهارات عالية، وما هو أجمل من كل ذلك هو أنه ليس من المتوقع أن يظهر على ساحات التنس لاعب عربي خلال المائة عام المقبلة، مصحوباً بمشجعين يقرعون وينفخون في الأبواق، وعندما يخسرون المباراة يعزون ذلك إلى مؤامرة صهيونية.
زوجتي تفسر تعلقي بالتنس بأنه من علامات الخَرف، ولو قالت (الخرف المبكر) لما حزَّ في نفسي، ولكنها وكل ما مرت بي وعيناي معلقتان على الشاشة تقول: اختشي على دمك يا راجل.. عيب عليك تتفرج على عيال ينططوا بكورة صغيرة! وكي أؤكد لها أنني أشاهد التنس بكامل قواي العقلية فإنني فور سماع عباراتها التهكمية تلك أنتقل إلى قناة روتانا أو ميلودي أو إم تي في.. وعينك ما تشوف إلا النور! تتحول أم الجعافر إلى وحش كاسر وتتوجه إلى لوحة مفاتيح الكهرباء وتسحب كل الفيش والفيوزات حتى يغرق البيت في الظلام.. عندئذ أقول بكل خبث: أهه، التنس والا أبصبص في روبي وأليسا والعجرمية؟ هنا ألمح الهزيمة في وجهها فتسمح لي باستئناف متابعة مباريات التنس.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك