زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ديزني للرشاقة
أنصحك أيها القارئ بقضاء بضعة أيام في مدينة ديزني في باريس (أكرر، باريس وليست تلك التي في الولايات المتحدة كي لا تعرض نفسك للبهدلة في مطاراتها ما لم تكن مستعدا للزعم بأن اسمك جيفري وليس جعفر وميمو وليس محمد، ومتروك لتقديرك ما إذا كانت المسألة مستأهلة) وستكون زيارتك لمدينة ديزني مفيدة من الناحية الصحية، فإذا قررت -مثلا- القيام بتلك الزيارة في صيف العام المقبل فبمقدورك أن تقضي نحو أحد عشر شهراً وأنت تأكل على كيفك: كبسة، هريس، كوارع، كنافة بالقشطة، وأم علي بالزبدة، وتناول المكرونة أربع مرات بالبشاميل أو الشخاليل يومياً، وإذا تجاوز وزنك المائة كيلوجرام، ولا يهمك، فكل يوم تقضيه في مدينة ديزني سيخصم من وزنك عشرة كيلوجرامات، وإذا قضيت فيها أسبوعاً كاملاً فستعود إلى بلادك وأنت في حجم خادمتك الاندونيسية.
أقول ذلك مستذكرا بعض أجمل أيام حياتي التي قضيتها في ديزني باريس في عصر ما قبل الداعشية، الذي كان فيه الخوف من الإرهاب آفة أمريكية لا تعرفها بقية الدول، وبمنطق (بلد ليس بلدك امش فيه عريان)، ودون التمسك بحرفية هذا المنطق المعوج، فقد مارست اللعب والنطّ والشقلبة ليومين متتاليين ومعي أمّ المعارك، ثم تركنا عيالنا والخلق من حولنا يركضون ويمرحون متنقلين من لعبة إلى أخرى، بينما اعتزلنا اللعب وصرنا نقضي معظم وقتنا جلوساً في الكافتيريات وتحت المظلات، وأجسامنا تكسب كيلوجراما يوميا لأنها -أي أجسامنا- أصلاً تالفة، فعلى مدى سنوات طوال ظلت أقدامنا وسيقاننا في حالة خمول وجمود: نوقف السيارة على بعد متر من باب البيت، ونصف متر من باب المكتب. وإذا أردنا زيارة مريض عزيز نزيل مستشفى ولم نجد مكانا للسيارة قريبا من المدخل، صرفنا النظر عن الزيارة.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، وطالما جاء ذكر السيارات، فإن هناك عادة عربية أصيلة (توحشني) بمعنى أنني أفتقدها كلما زرت بلداً أوروبياً: تخيل أن تقضي أسبوعاً كاملاً في مدينة مثل باريس بها نحو ثلاثة ملايين سيارة من دون أن تسمع البوق، البوري.. الهرن.. الزمور.. الكلاكس.. عندنا بوق السيارة أهم من الفرامل وتستخدمه لتعطي الشخص الذي يقود السيارة التي أمامك الإحساس بأنك (مهمّ وخطير ومستعجل). يدور الشاب عندنا بسيارته خمس ساعات في الشوارع قتلاً للوقت ويستخدم البوق نحو خمسين مرة كل نصف ساعة.
وثمة ملاحظة أخرى تلفت الانتباه في المدن الأوروبية: لا توجد فيها تلك الوحوش ذات الدفع الرباعي. جلست نحو خمس ساعات على مقهى رصيف في باريس ولم تمرّ أمامي سوى سيارة واحدة جيب شيروكي ذات دفع رباعي، وأدركت أن اليابان تنتج الكروزر والباترول والباجيرو ليستخدمها العرب.. والهاتف الجوال؟ كل شخص فوق العاشرة في أوروبا يملك ذلك الهاتف، وجلست عشرات المرات في باصات تحمل المئات في العديد من المدن الأوروبية، ولم أسمع جوالاً يرن أكثر من نحو ست مرات، وفي كل مرة تستغرق المكالمة أقل من نصف دقيقة.
وعندما أكون على سفر، وأصدقائي وأقاربي يعرفون ذلك، فإنهم لا يكفون عن الاتصال بي على مدار الساعة للسؤال عن أحوالي وأحوال العائلة ويتكلم الواحد منهم (على أقل من مهله)، لأنني سأتحمل قيمة المكالمة، (بينما هو يدفع تكاليف الجزء المحلي من المكالمة). في سنغافورة يخيل إليك أن هناك هاتفاً جوالاً مزروعاً في كل بوصة مربعة من الأرض والجدران، ورنينها يغطي على هدير السيارات، ولكن الواحد منهم يستقبل المكالمة؟ دن تاكيكو... باي.. وانتهى الموضوع.. ويرن هاتف آخر وتسمع من يستقبل المكالمة: هوابنغ بونغ.. باي.. الكلام يستهلك الوقت والنقود، وتلك أشياء عندهم لها قيمة، وعندنا يستغرق تبادل التحية دقيقتين، أما كلمات الوداع لإنهاء المكالمة فإنها تتحول إلى أغنية أم كلثومية.
أعود إلى نصيحتي للقارئ بضرورة زيارة مدينة ديزني للترفيه و(الرجيم)، وأقول: إذا كانت أوضاعك المالية سيئة، فعليك بالبلاستيك: تسلح بكريديت كارد، أي بطاقة ائتمان، وأبرزها في وجه كل من يطالبك بنقود، وبعد أن ترجع إلى بلدك تذكر كلام الصعايدة: السجن للرجالة!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك