العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ديزني للرشاقة

أنصحك‭ ‬أيها‭ ‬القارئ‭ ‬بقضاء‭ ‬بضعة‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬ديزني‭ ‬في‭ ‬باريس‭ (‬أكرر،‭ ‬باريس‭ ‬وليست‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تعرض‭ ‬نفسك‭ ‬للبهدلة‭ ‬في‭ ‬مطاراتها‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مستعدا‭ ‬للزعم‭ ‬بأن‭ ‬اسمك‭ ‬جيفري‭ ‬وليس‭ ‬جعفر‭ ‬وميمو‭ ‬وليس‭ ‬محمد،‭ ‬ومتروك‭ ‬لتقديرك‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المسألة‭ ‬مستأهلة‭) ‬وستكون‭ ‬زيارتك‭ ‬لمدينة‭ ‬ديزني‭ ‬مفيدة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الصحية،‭ ‬فإذا‭ ‬قررت‭ -‬مثلا‭- ‬القيام‭ ‬بتلك‭ ‬الزيارة‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬العام‭ ‬المقبل‭ ‬فبمقدورك‭ ‬أن‭ ‬تقضي‭ ‬نحو‭ ‬أحد‭ ‬عشر‭ ‬شهراً‭ ‬وأنت‭ ‬تأكل‭ ‬على‭ ‬كيفك‭: ‬كبسة،‭ ‬هريس،‭ ‬كوارع،‭ ‬كنافة‭ ‬بالقشطة،‭ ‬وأم‭ ‬علي‭ ‬بالزبدة،‭ ‬وتناول‭ ‬المكرونة‭ ‬أربع‭ ‬مرات‭ ‬بالبشاميل‭ ‬أو‭ ‬الشخاليل‭ ‬يومياً،‭ ‬وإذا‭ ‬تجاوز‭ ‬وزنك‭ ‬المائة‭ ‬كيلوجرام،‭ ‬ولا‭ ‬يهمك،‭ ‬فكل‭ ‬يوم‭ ‬تقضيه‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬ديزني‭ ‬سيخصم‭ ‬من‭ ‬وزنك‭ ‬عشرة‭ ‬كيلوجرامات،‭ ‬وإذا‭ ‬قضيت‭ ‬فيها‭ ‬أسبوعاً‭ ‬كاملاً‭ ‬فستعود‭ ‬إلى‭ ‬بلادك‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬خادمتك‭ ‬الاندونيسية‭.‬

أقول‭ ‬ذلك‭ ‬مستذكرا‭ ‬بعض‭ ‬أجمل‭ ‬أيام‭ ‬حياتي‭ ‬التي‭ ‬قضيتها‭ ‬في‭ ‬ديزني‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الداعشية،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الإرهاب‭ ‬آفة‭ ‬أمريكية‭ ‬لا‭ ‬تعرفها‭ ‬بقية‭ ‬الدول،‭ ‬وبمنطق‭ (‬بلد‭ ‬ليس‭ ‬بلدك‭ ‬امش‭ ‬فيه‭ ‬عريان‭)‬،‭ ‬ودون‭ ‬التمسك‭ ‬بحرفية‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬المعوج،‭ ‬فقد‭ ‬مارست‭ ‬اللعب‭ ‬والنطّ‭ ‬والشقلبة‭ ‬ليومين‭ ‬متتاليين‭ ‬ومعي‭ ‬أمّ‭ ‬المعارك،‭ ‬ثم‭ ‬تركنا‭ ‬عيالنا‭ ‬والخلق‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬يركضون‭ ‬ويمرحون‭ ‬متنقلين‭ ‬من‭ ‬لعبة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬بينما‭ ‬اعتزلنا‭ ‬اللعب‭ ‬وصرنا‭ ‬نقضي‭ ‬معظم‭ ‬وقتنا‭ ‬جلوساً‭ ‬في‭ ‬الكافتيريات‭ ‬وتحت‭ ‬المظلات،‭ ‬وأجسامنا‭ ‬تكسب‭ ‬كيلوجراما‭ ‬يوميا‭ ‬لأنها‭ -‬أي‭ ‬أجسامنا‭- ‬أصلاً‭ ‬تالفة،‭ ‬فعلى‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬طوال‭ ‬ظلت‭ ‬أقدامنا‭ ‬وسيقاننا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬خمول‭ ‬وجمود‭: ‬نوقف‭ ‬السيارة‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬متر‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬البيت،‭ ‬ونصف‭ ‬متر‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المكتب‭. ‬وإذا‭ ‬أردنا‭ ‬زيارة‭ ‬مريض‭ ‬عزيز‭ ‬نزيل‭ ‬مستشفى‭ ‬ولم‭ ‬نجد‭ ‬مكانا‭ ‬للسيارة‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬المدخل،‭ ‬صرفنا‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الزيارة‭.‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬الشيء‭ ‬بالشيء‭ ‬يذكر،‭ ‬وطالما‭ ‬جاء‭ ‬ذكر‭ ‬السيارات،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬عادة‭ ‬عربية‭ ‬أصيلة‭ (‬توحشني‭) ‬بمعنى‭ ‬أنني‭ ‬أفتقدها‭ ‬كلما‭ ‬زرت‭ ‬بلداً‭ ‬أوروبياً‭: ‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬تقضي‭ ‬أسبوعاً‭ ‬كاملاً‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مثل‭ ‬باريس‭ ‬بها‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬سيارة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭ ‬البوق،‭ ‬البوري‭.. ‬الهرن‭.. ‬الزمور‭.. ‬الكلاكس‭.. ‬عندنا‭ ‬بوق‭ ‬السيارة‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬الفرامل‭ ‬وتستخدمه‭ ‬لتعطي‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬السيارة‭ ‬التي‭ ‬أمامك‭ ‬الإحساس‭ ‬بأنك‭ (‬مهمّ‭ ‬وخطير‭ ‬ومستعجل‭). ‬يدور‭ ‬الشاب‭ ‬عندنا‭ ‬بسيارته‭ ‬خمس‭ ‬ساعات‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬قتلاً‭ ‬للوقت‭ ‬ويستخدم‭ ‬البوق‭ ‬نحو‭ ‬خمسين‭ ‬مرة‭ ‬كل‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭.‬

وثمة‭ ‬ملاحظة‭ ‬أخرى‭ ‬تلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الأوروبية‭: ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬الوحوش‭ ‬ذات‭ ‬الدفع‭ ‬الرباعي‭. ‬جلست‭ ‬نحو‭ ‬خمس‭ ‬ساعات‭ ‬على‭ ‬مقهى‭ ‬رصيف‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬ولم‭ ‬تمرّ‭ ‬أمامي‭ ‬سوى‭ ‬سيارة‭ ‬واحدة‭ ‬جيب‭ ‬شيروكي‭ ‬ذات‭ ‬دفع‭ ‬رباعي،‭ ‬وأدركت‭ ‬أن‭ ‬اليابان‭ ‬تنتج‭ ‬الكروزر‭ ‬والباترول‭ ‬والباجيرو‭ ‬ليستخدمها‭ ‬العرب‭.. ‬والهاتف‭ ‬الجوال؟‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬فوق‭ ‬العاشرة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬يملك‭ ‬ذلك‭ ‬الهاتف،‭ ‬وجلست‭ ‬عشرات‭ ‬المرات‭ ‬في‭ ‬باصات‭ ‬تحمل‭ ‬المئات‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الأوروبية،‭ ‬ولم‭ ‬أسمع‭ ‬جوالاً‭ ‬يرن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬ست‭ ‬مرات،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تستغرق‭ ‬المكالمة‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬دقيقة‭.‬

وعندما‭ ‬أكون‭ ‬على‭ ‬سفر،‭ ‬وأصدقائي‭ ‬وأقاربي‭ ‬يعرفون‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنهم‭ ‬لا‭ ‬يكفون‭ ‬عن‭ ‬الاتصال‭ ‬بي‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭ ‬للسؤال‭ ‬عن‭ ‬أحوالي‭ ‬وأحوال‭ ‬العائلة‭ ‬ويتكلم‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ (‬على‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬مهله‭)‬،‭ ‬لأنني‭ ‬سأتحمل‭ ‬قيمة‭ ‬المكالمة،‭ (‬بينما‭ ‬هو‭ ‬يدفع‭ ‬تكاليف‭ ‬الجزء‭ ‬المحلي‭ ‬من‭ ‬المكالمة‭). ‬في‭ ‬سنغافورة‭ ‬يخيل‭ ‬إليك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬هاتفاً‭ ‬جوالاً‭ ‬مزروعاً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بوصة‭ ‬مربعة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬والجدران،‭ ‬ورنينها‭ ‬يغطي‭ ‬على‭ ‬هدير‭ ‬السيارات،‭ ‬ولكن‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬يستقبل‭ ‬المكالمة؟‭ ‬دن‭ ‬تاكيكو‭... ‬باي‭.. ‬وانتهى‭ ‬الموضوع‭.. ‬ويرن‭ ‬هاتف‭ ‬آخر‭ ‬وتسمع‭ ‬من‭ ‬يستقبل‭ ‬المكالمة‭: ‬هوابنغ‭ ‬بونغ‭.. ‬باي‭.. ‬الكلام‭ ‬يستهلك‭ ‬الوقت‭ ‬والنقود،‭ ‬وتلك‭ ‬أشياء‭ ‬عندهم‭ ‬لها‭ ‬قيمة،‭ ‬وعندنا‭ ‬يستغرق‭ ‬تبادل‭ ‬التحية‭ ‬دقيقتين،‭ ‬أما‭ ‬كلمات‭ ‬الوداع‭ ‬لإنهاء‭ ‬المكالمة‭ ‬فإنها‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬أغنية‭ ‬أم‭ ‬كلثومية‭.‬

أعود‭ ‬إلى‭ ‬نصيحتي‭ ‬للقارئ‭ ‬بضرورة‭ ‬زيارة‭ ‬مدينة‭ ‬ديزني‭ ‬للترفيه‭ ‬و‭(‬الرجيم‭)‬،‭ ‬وأقول‭: ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬أوضاعك‭ ‬المالية‭ ‬سيئة،‭ ‬فعليك‭ ‬بالبلاستيك‭: ‬تسلح‭ ‬بكريديت‭ ‬كارد،‭ ‬أي‭ ‬بطاقة‭ ‬ائتمان،‭ ‬وأبرزها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يطالبك‭ ‬بنقود،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬بلدك‭ ‬تذكر‭ ‬كلام‭ ‬الصعايدة‭: ‬السجن‭ ‬للرجالة‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا