زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
سولبي زعلان ومعه حق
قبل عامين كان الخواجة البريطاني توم سولبي يغلي من الزعل، رغم أنه تلقى بطاقة تهنئة من ملكة بريطانيا الراحلة بمناسبة «عيد ميلاده»، وفي نظر كثير من البريطانيين، فإن مثل تلك البطاقة تعتبر كنزاً تتوارثه الأجيال، فمن ينالون شرف مصافحة الملكة لا يغسلون أيديهم قط، أما من يتسلمون منها ميدالية أو قلادة فيعتبرون أنفسهم مبشرين بـ«الخلود»، وتصبح الميدالية والقلادة إرثا عائليا تتباهى به الأجيال.
وسر غضب سولبي هو أن الشرطة سحبت رخصته لقيادة السيارات، من دون أن يكون قد ارتكب مخالفة تستوجب ذلك، بل إن الرجل لم يرتكب مخالفة مرورية منذ أن نال رخصة قيادة السيارات، وسجله لدى شرطة المرور نظيف، في حقيقة الأمر فإن عمنا هذا ظل يقود سيارة طوال 82 سنة من دون أن يرتكب مخالفة واحدة، ولكن ومع بلوغه سن المائة الذي أهله للفوز ببطاقة من الملكة، أوصى طبيبه بسحب الرخصة منه من باب الحرص على سلامته، رغم أنه متأكد من أنه، أي سولبي، يتمتع بحضور الذهن والتركيز، ويحترم قوانين المرور. نعم نال الرجل رخصة قيادة سيارة عام 1934، وهو العام الذي تم فيه إدخال نظام الرخص في بريطانيا، يعني كان من «العشرة الأوائل» الذين حملوا رخص قيادة سيارات في تاريخ بريطانيا، وظل سولبي يقود سيارة مورغان ذات ثلاث عجلات/ تايرات لسنوات طويلة، حتى انتهت موضة ذلك النوع من السيارات، فاشترى سيارة من ذوات الأربع، وأغرب ما في الأمر أن هذا الرجل المعمر الذي طالب بإعادة النظر في قرار حرمانه من قيادة السيارات اشترى لاحقا سيارة أوستن مترو موديل عام 1981 وطوال نحو أربعين سنة لم تقطع تلك السيارة سوى 50 ألف كيلومتر! أدعو القارئ إلى التوقف مرة أخرى عند أمرين: شخص يقود سيارة طوال 82 سنة من دون أن يرتكب مخالفة مرورية واحدة، ولا يستخدم سيارته لأكثر من ألف كيلومتر في السنة، مما يعني أنه يستخدم السيارة فقط للأغراض التي صُنِعت من أجلها: قضاء مشاوير ومهام ضرورية في غالب الأحوال وترفيهية أحيانا.
ثم اقرأ في الإعلانات المبوبة بهذه الصحيفة عن سيارات موديل هذه السنة (التي لا تزال فيها بقية)، وستجد أن صاحبها يقول إنها «قاطعة 40 ألف كيلومتر»، ويعتقد أن هذا سيغري الناس بشرائها بوصفها سيارة تكاد تكون غير مستعملة بالمقاييس العربية، لأن المسافات التي قطعها بها لا تزيد على 4500 كيلومتر في الشهر، ثم اسرح بخيالك وحاول أن تتذكر كم مرة وجدت شابين يقفان جوار سيارتين مهشمتين يتبادلان الأحاديث الودية، وتعرف سلفاً أنه لم يسبق لهما أن التقيا ولكن سيارتيهما التحمتا في عناق همجي بسبب الطيش والنزق، وها هما يتآنسان وكأنهما صارا أنسباء وأصهارا، و«ما تشيل هم، البركة في شركات التأمين»، ولو عرف الناس حجم خسائر شركات التأمين في منطقة الخليج في مجال السيارات، لقدموا لها التبرعات. وعلى مسؤوليتي، فإنه ما من شركة تأمين في المنطقة تكسب من التأمين على السيارات ولكن وكما يقول المثل السوداني فـ«خادمة الفقيه مجبورة على الصلاة»، الذي يقال حول إلزام شخص ما بمهمة ما يؤديها عن غير اقتناع تام.
السيارات عندنا أدوات ترفيه نستخدمها للتجوال بلا هدف في شوارع مدن نعرف أدق تفاصيل حواريها وأزقتها، وهي أدوات لاستعراض المكانة المالية والاجتماعية، ولا يليق بشخص مقتدر أن يدلل السيارة في المطبات والحفر، بل يدربها على «حركات» لم تخطر على بال مصانع السيارات، لذا تصاب السيارات عندنا بالشيخوخة المبكرة، ويموت الشاب في سن مبكرة وبعضهم يتنقل من السيارة إلى كرسي متحرك.
توم سولبي لم يرتكب مخالفة مرورية طوال 82 سنة وشخص من مواليد عام 1982 يرتكب مخالفة كل شهر ويظل يقود السيارة لأن قوانين المرور عندنا عرجاء لا تحاسب على «السوابق».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك