زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تجربتي مع المال (2)
تحدثت في مقالي هنا أمس عن كيف أن الله أكرمني بركوب سيارة خاصة بعد أن كانت غاية المرام عندي في صباي أن أذهب إلى المدرسة على ظهر حمار. وكيف أن الله أكرمني باقتناء حمار كان مصدر فخري وسعادتي، ومناسبة الحديث والموال عن السعادة والمال هو دراسة لجيمس مونتير أحد كبار رجال المصارف والبورصات في ألمانيا يقول فيها إن علاقة المال بالسعادة تنتهي بمجرد حيازة الإنسان مالا يكفيه مستلزمات الحياة الضرورية، وإن أي زيادة فوق ذلك قد تجلب المتعة والسعادة ولكن على نحو عارض وطارئ.
ولتحكم على وجهة نظر السيد مونتير، تذكر أيها القارئ -مثلا- فرحتك باقتناء سيارة ألمانية بالشيء الفلاني وإحساسك وقتها بأنك «وصلت» وحققت أقصى أمانيك، وصرت تتهادى بها في الشوارع وأنت تغني: يا أرض انهدي ما عليكِ قدي. ثم سارت أحوالك المادية في صعود حتى صار عندك بدل السيارة أربع. عند هذه المرحلة تدرك أن المقتنيات المادية تعطي نشوة عابرة ولكنك تظل تسعد بكل الأشياء القديمة التي كانت تعطيك الشعور بالراحة والطمأنينة قبل أن تصبح قادراً على شراء كل ما تشتهيه نفسك. والأغنياء يستبدلون سياراتهم كل سنة بل ربما مرتين أو ثلاث في السنة، ولكن الدراسة التي أعدها مونتير واستجوب فيها آلاف الناس من مختلف الدول الأوروبية تؤكد أن الأغنياء لا يحسون بأنهم صاروا أكثر سعادة بسبب سيارات جديدة أو بيوت جديدة في مختلف المصايف والمشاتي، فأنت لا تستطيع أن تكون في أكثر من مكان في الوقت نفسه ولا تستطيع أن تقود أكثر من سيارة واحدة في نفس الوقت. في ذات كريسماس أهدت فيكتوريا زوجها لاعب الكرة الانجليزية الأشهر (المعتزل حاليا) ديفيد بيكهام سيارة رولز رويس فانتوم كانت قيمتها بأسعار اليوم نحو 800 ألف دولار! هل صار بيكام أكثر سعادة بتلك السيارة وكانت لديه سلفا من السيارات الفارهة نحو عشر؟
اسمحوا لي مرة أخرى أن أتكلم عن تجربتي الشخصية كي لا يفهم قارئ أنني أقصد بكلامي أن المزيد من المال والمقتنيات المادية لا يكفل المزيد من السعادة، شخصاً أو أشخاصا معينين؛ فقد قلت أمس إنني ولله الحمد صرت أتقاضى راتباً لم أكن أحلم به. وبالمناسبة فإن راتبي ليس ضخماً بمقاييس الرواتب في أي بلد، ولكنه ضخم بمقاييسي أنا، لأنني بلغت مرحلة من الاستقرار المادي جعلتني أدرك مغزى الحكمة التي كانت أمي رحمها الله لا تكف عن ترديدها ومؤداها أن الـ«خالي من الدين غني».
كي تعرف كيف أن المال قد يسبب القلق والتوتر وهما نقيضا السعادة انظر حال من يدخلون البورصات/أسواق الأسهم بمدخراتهم القليلة وربما فوقها مبالغ مقترضة من البنوك: الأسهم هبطت، تصاب بهبوط في القلب، متبوع بمغص كلوي.. الأسهم ارتفعت.. ارتفاع في مستوى الكولسترول.. حتى لو ارتفعت الأسهم على نحو جنوني ووجدت نفسك قد ربحت آلافا مؤلفة فإن حالة القلق تظل تلازمك: يا ربي اسحب فلوسي وابحبح فورا؟ تجيب عن السؤال النفس الأمارة بالثراء السريع: بلاش عباطة.. خلي الآلاف تبقى ملايين. وكما حدث في منطقة الخليج قبل أعوام صارت الملايين ملاليم.
على المستوى الشخصي أقيم الآن في بيت يتسع لـ18 شخصا، بواقع سرير خاص لكل شخص (شكرا لجهة عملي التي وفرت لي هذا المسكن)، وللخادمة غرفة خاصة بحمام خاص، ولكن أجمل ذكرياتي وسنوات حياتي كانت في بيت أبي الذي كان يقيم فيه 9 أشخاص في ثلاث غرف وبه حمام واحد (لم يكن يستحق مسمى دورة مياه). والشاهد؟ ليست السعادة في قلة المال أو وفرته بل في أن تكون مستور الحال وفي غنى عن السؤال وفي أن تكون محاطا بأناس يحبونك لله في لله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك