العدد : ١٦٨٥٢ - الاثنين ١٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٢ - الاثنين ١٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٥ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تجربتي مع المال (2)

تحدثت‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬هنا‭ ‬أمس‭ ‬عن‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬أكرمني‭ ‬بركوب‭ ‬سيارة‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬غاية‭ ‬المرام‭ ‬عندي‭ ‬في‭ ‬صباي‭ ‬أن‭ ‬أذهب‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬حمار‭. ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬أكرمني‭ ‬باقتناء‭ ‬حمار‭ ‬كان‭ ‬مصدر‭ ‬فخري‭ ‬وسعادتي،‭ ‬ومناسبة‭ ‬الحديث‭ ‬والموال‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬والمال‭ ‬هو‭ ‬دراسة‭ ‬لجيمس‭ ‬مونتير‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬رجال‭ ‬المصارف‭ ‬والبورصات‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭ ‬إن‭ ‬علاقة‭ ‬المال‭ ‬بالسعادة‭ ‬تنتهي‭ ‬بمجرد‭ ‬حيازة‭ ‬الإنسان‭ ‬مالا‭ ‬يكفيه‭ ‬مستلزمات‭ ‬الحياة‭ ‬الضرورية،‭ ‬وإن‭ ‬أي‭ ‬زيادة‭ ‬فوق‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬تجلب‭ ‬المتعة‭ ‬والسعادة‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬عارض‭ ‬وطارئ‭.‬

ولتحكم‭ ‬على‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬السيد‭ ‬مونتير،‭ ‬تذكر‭ ‬أيها‭ ‬القارئ‭ -‬مثلا‭- ‬فرحتك‭ ‬باقتناء‭ ‬سيارة‭ ‬ألمانية‭ ‬بالشيء‭ ‬الفلاني‭ ‬وإحساسك‭ ‬وقتها‭ ‬بأنك‭ ‬‮«‬وصلت‮»‬‭ ‬وحققت‭ ‬أقصى‭ ‬أمانيك،‭ ‬وصرت‭ ‬تتهادى‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬وأنت‭ ‬تغني‭: ‬يا‭ ‬أرض‭ ‬انهدي‭ ‬ما‭ ‬عليكِ‭ ‬قدي‭. ‬ثم‭ ‬سارت‭ ‬أحوالك‭ ‬المادية‭ ‬في‭ ‬صعود‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬عندك‭ ‬بدل‭ ‬السيارة‭ ‬أربع‭. ‬عند‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬المقتنيات‭ ‬المادية‭ ‬تعطي‭ ‬نشوة‭ ‬عابرة‭ ‬ولكنك‭ ‬تظل‭ ‬تسعد‭ ‬بكل‭ ‬الأشياء‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعطيك‭ ‬الشعور‭ ‬بالراحة‭ ‬والطمأنينة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تشتهيه‭ ‬نفسك‭. ‬والأغنياء‭ ‬يستبدلون‭ ‬سياراتهم‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬مرتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬ولكن‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬أعدها‭ ‬مونتير‭ ‬واستجوب‭ ‬فيها‭ ‬آلاف‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الأغنياء‭ ‬لا‭ ‬يحسون‭ ‬بأنهم‭ ‬صاروا‭ ‬أكثر‭ ‬سعادة‭ ‬بسبب‭ ‬سيارات‭ ‬جديدة‭ ‬أو‭ ‬بيوت‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المصايف‭ ‬والمشاتي،‭ ‬فأنت‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سيارة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭. ‬في‭ ‬ذات‭ ‬كريسماس‭ ‬أهدت‭ ‬فيكتوريا‭ ‬زوجها‭ ‬لاعب‭ ‬الكرة‭ ‬الانجليزية‭ ‬الأشهر‭ (‬المعتزل‭ ‬حاليا‭) ‬ديفيد‭ ‬بيكهام‭ ‬سيارة‭ ‬رولز‭ ‬رويس‭ ‬فانتوم‭ ‬كانت‭ ‬قيمتها‭ ‬بأسعار‭ ‬اليوم‭ ‬نحو‭ ‬800‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭! ‬هل‭ ‬صار‭ ‬بيكام‭ ‬أكثر‭ ‬سعادة‭ ‬بتلك‭ ‬السيارة‭ ‬وكانت‭ ‬لديه‭ ‬سلفا‭ ‬من‭ ‬السيارات‭ ‬الفارهة‭ ‬نحو‭ ‬عشر؟

اسمحوا‭ ‬لي‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬أتكلم‭ ‬عن‭ ‬تجربتي‭ ‬الشخصية‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬قارئ‭ ‬أنني‭ ‬أقصد‭ ‬بكلامي‭ ‬أن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬والمقتنيات‭ ‬المادية‭ ‬لا‭ ‬يكفل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬السعادة،‭ ‬شخصاً‭ ‬أو‭ ‬أشخاصا‭ ‬معينين؛‭ ‬فقد‭ ‬قلت‭ ‬أمس‭ ‬إنني‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭ ‬صرت‭ ‬أتقاضى‭ ‬راتباً‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أحلم‭ ‬به‭. ‬وبالمناسبة‭ ‬فإن‭ ‬راتبي‭ ‬ليس‭ ‬ضخماً‭ ‬بمقاييس‭ ‬الرواتب‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد،‭ ‬ولكنه‭ ‬ضخم‭ ‬بمقاييسي‭ ‬أنا،‭ ‬لأنني‭ ‬بلغت‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬المادي‭ ‬جعلتني‭ ‬أدرك‭ ‬مغزى‭ ‬الحكمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أمي‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬ترديدها‭ ‬ومؤداها‭ ‬أن‭ ‬الـ«خالي‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬غني‮»‬‭.‬

كي‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬المال‭ ‬قد‭ ‬يسبب‭ ‬القلق‭ ‬والتوتر‭ ‬وهما‭ ‬نقيضا‭ ‬السعادة‭ ‬انظر‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬يدخلون‭ ‬البورصات‭/‬أسواق‭ ‬الأسهم‭ ‬بمدخراتهم‭ ‬القليلة‭ ‬وربما‭ ‬فوقها‭ ‬مبالغ‭ ‬مقترضة‭ ‬من‭ ‬البنوك‭: ‬الأسهم‭ ‬هبطت،‭ ‬تصاب‭ ‬بهبوط‭ ‬في‭ ‬القلب،‭ ‬متبوع‭ ‬بمغص‭ ‬كلوي‭.. ‬الأسهم‭ ‬ارتفعت‭.. ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الكولسترول‭.. ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬ارتفعت‭ ‬الأسهم‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬جنوني‭ ‬ووجدت‭ ‬نفسك‭ ‬قد‭ ‬ربحت‭ ‬آلافا‭ ‬مؤلفة‭ ‬فإن‭ ‬حالة‭ ‬القلق‭ ‬تظل‭ ‬تلازمك‭: ‬يا‭ ‬ربي‭ ‬اسحب‭ ‬فلوسي‭ ‬وابحبح‭ ‬فورا؟‭ ‬تجيب‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬النفس‭ ‬الأمارة‭ ‬بالثراء‭ ‬السريع‭: ‬بلاش‭ ‬عباطة‭.. ‬خلي‭ ‬الآلاف‭ ‬تبقى‭ ‬ملايين‭. ‬وكما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬صارت‭ ‬الملايين‭ ‬ملاليم‭.‬

على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭ ‬أقيم‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬يتسع‭ ‬لـ18‭ ‬شخصا،‭ ‬بواقع‭ ‬سرير‭ ‬خاص‭ ‬لكل‭ ‬شخص‭ (‬شكرا‭ ‬لجهة‭ ‬عملي‭ ‬التي‭ ‬وفرت‭ ‬لي‭ ‬هذا‭ ‬المسكن‭)‬،‭ ‬وللخادمة‭ ‬غرفة‭ ‬خاصة‭ ‬بحمام‭ ‬خاص،‭ ‬ولكن‭ ‬أجمل‭ ‬ذكرياتي‭ ‬وسنوات‭ ‬حياتي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أبي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقيم‭ ‬فيه‭ ‬9‭ ‬أشخاص‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬غرف‭ ‬وبه‭ ‬حمام‭ ‬واحد‭ (‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يستحق‭ ‬مسمى‭ ‬دورة‭ ‬مياه‭). ‬والشاهد؟‭ ‬ليست‭ ‬السعادة‭ ‬في‭ ‬قلة‭ ‬المال‭ ‬أو‭ ‬وفرته‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مستور‭ ‬الحال‭ ‬وفي‭ ‬غنى‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬وفي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬محاطا‭ ‬بأناس‭ ‬يحبونك‭ ‬لله‭ ‬في‭ ‬لله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا