زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
البيت والأم أفضل حضانة
كتبت كثيرا عن نظريتي في تربية عيالي، وشرحت أنها تقوم على تجاهل كل النظريات التي يطرحها علماء التربية والنفس والاجتماع والجيران والأصدقاء، وليس ذلك من منطلق الاستخفاف بعلمهم وتجاربهم، ولكن لأنهم لا يعرفونني ولا يعرفون عيالي، ولم يستشيروني عند وضع أو تبني نظرياتهم تلك، كما أنهم قد لا ينتمون إلى نفس خلفيتي الثقافية والاجتماعية، بل إنني أعتقد أن الإنسان غير ملزم باتباع أسلوب أمه أو أبيه في التربية عندما يأتي الدور عليها فيصبح صاحب عيال. وقضية التربية من المسائل التي تشغلني كثيراً، وقد بدأ اهتمامي بها قبل الزواج والإنجاب، وبالتحديد خلال الفترة التي عملت فيها مدرساً واكتشفت خلالها أن كل طالب (حالة خاصة) وأنه ليس من الصحيح تعميم الأحكام على الطلاب، وعندما تخوض تجربة التدريس لأول مرة قد يقول لك من هو أقدم منك في المهنة: لا بد من الحزم والعين الحمراء منذ أول يوم حتى يعمل الطلاب لك ألف حساب!
وعلى نقيض ذلك هناك من قد يقول لك: حاول أن تكسبهم كأصدقاء حتى لا ينفروا منك ومن المادة التي تدرسها. وثالث يقول: حزم في غير عنف ولين في غير ضعف. ومن تجربتي الخاصة اكتشفت أن هناك طلاباً مشاغبين لا تجدي معهم العين الحمراء أو الخضراء ولا العقوبات، وأن سلوكهم قد يكون بسبب (خلفيات) عائلية، او اضطرابات نفسية، وأنهم في واقع الأمر قليلو الثقة بالنفس ويسعون إلى لفت الانتباه بالمشاغبة والبلطجة، وأن إسناد بعض المسؤوليات إليهم وتكليفهم ببعض المهام في المدرسة يجعل منهم طلاباً منضبطين (أشياء بسيطة مثل يا ولد ساعدني في توصيل الدفاتر إلى المكتب.. رجاء أحضر لي بعض الطباشير الملون.. مثل هذه التكليفات تسهم في ترويض الطالب المتفلت، لأنه يحس بأنه موضع ثقة المدرس). وهناك الطالب الذكي العابث الذي قد يجدي معه الزجر والتقريع (تأنيب ومعاقبة طالب متفوق لأنه أحرز درجات لا تليق به – بينما لم يتعرض للتأنيب من هم أقل منه درجات – تجعله يعتبر العقوبة وساما وتمثل له حافزا كي يحافظ على أدائه العالي).
وأود اليوم الخوض في موضوع قد يغضب بعض السيدات، ويتعلق بمسألة ترك أطفال في سن الثالثة أو أحياناً ما دون ذلك في (الحضانة). ولا أتكلم هنا عن الأمهات اللاتي لا يجدن مناصا من تسليم صغارهن للحضانات لأنهن (عاملات) وليست لهن أقارب من الدرجة الأولى يمكن إيكال رعاية الصغار إليهم، ولكن حتى المرأة العاملة من الخير لها ولصغارها أن تترك العمل (إذا لم يكن ذلك سيكون ذا نتائج سلبية على معيشة العائلة) حتى يبلغ الصغير سن الالتحاق بالروضة.
المحزن أن قوانين العمل عندنا لا تعرف شيئاً اسمه إجازة أمومة تمتد إلى سنتين يكون من بعدها الحق للمرأة في العودة إلى عملها مع نيل العلاوات والترقيات المستحقة. بالعكس هناك مخدمون يعتبرون حمل الموظفة (مخالفة) ولا يترددون في إنهاء خدماتها. وكل ما يهمني في هذا الموضوع هو أنني لا أحبذ إدخال الصغار الحضانات بحجة إعدادهم لأجواء الدراسة و(تفتيح) عقولهم. لماذا لا نترك عقل الطفل يتفتح في البيت؟ ثم علام العجلة لإعداد الطفل لأجواء المدرسة طالما أنه حتميُّ أن يذهب إلى المدرسة ورجله فوق رقبته؟ وخاصة أن الحضانات في بلداننا عبارة عن حظائر يتم فيها تقديم اللبن والطعام الجاهز بدلا من التبن والبرسيم (الجت).
كلنا بكينا في اليوم الأول في المدرسة، وأذكر أنني ظللت أبكي طوال شهر عندما دخلت المرحلة المتوسطة وكان عليّ أن أقيم في المدرسة بعيداً عن البيت لعدم وجود مدرسة متوسطة في بلدتنا. والحضانات لا تعطي الحنان والحب وهما ما يحتاج إليه كل طفل حتى يبلغ سن البلوغ وربما ما بعدها، فما بالك بطفل في الثالثة. فإذا كانت الأم متفرغة لعمل البيت فمن الخير لها ولصغارها أن تكون هي حاضنتهم وأن يكون البيت حضانتهم، وسيتعلمون منها أشياء لن يجدوها في الحضانات التجارية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك