العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

البيت والأم أفضل حضانة

كتبت‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬نظريتي‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬عيالي،‭ ‬وشرحت‭ ‬أنها‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬تجاهل‭ ‬كل‭ ‬النظريات‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬علماء‭ ‬التربية‭ ‬والنفس‭ ‬والاجتماع‭ ‬والجيران‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬الاستخفاف‭ ‬بعلمهم‭ ‬وتجاربهم،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفونني‭ ‬ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬عيالي،‭ ‬ولم‭ ‬يستشيروني‭ ‬عند‭ ‬وضع‭ ‬أو‭ ‬تبني‭ ‬نظرياتهم‭ ‬تلك،‭ ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬خلفيتي‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬بل‭ ‬إنني‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬غير‭ ‬ملزم‭ ‬باتباع‭ ‬أسلوب‭ ‬أمه‭ ‬أو‭ ‬أبيه‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬عندما‭ ‬يأتي‭ ‬الدور‭ ‬عليها‭ ‬فيصبح‭ ‬صاحب‭ ‬عيال‭. ‬وقضية‭ ‬التربية‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬تشغلني‭ ‬كثيراً،‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬اهتمامي‭ ‬بها‭ ‬قبل‭ ‬الزواج‭ ‬والإنجاب،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬فيها‭ ‬مدرساً‭ ‬واكتشفت‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬طالب‭ (‬حالة‭ ‬خاصة‭) ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الصحيح‭ ‬تعميم‭ ‬الأحكام‭ ‬على‭ ‬الطلاب،‭ ‬وعندما‭ ‬تخوض‭ ‬تجربة‭ ‬التدريس‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬قد‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬أقدم‭ ‬منك‭ ‬في‭ ‬المهنة‭: ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الحزم‭ ‬والعين‭ ‬الحمراء‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬حتى‭ ‬يعمل‭ ‬الطلاب‭ ‬لك‭ ‬ألف‭ ‬حساب‭!‬

وعلى‭ ‬نقيض‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬قد‭ ‬يقول‭ ‬لك‭: ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬تكسبهم‭ ‬كأصدقاء‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬ينفروا‭ ‬منك‭ ‬ومن‭ ‬المادة‭ ‬التي‭ ‬تدرسها‭. ‬وثالث‭ ‬يقول‭: ‬حزم‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬عنف‭ ‬ولين‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬ضعف‭. ‬ومن‭ ‬تجربتي‭ ‬الخاصة‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬طلاباً‭ ‬مشاغبين‭ ‬لا‭ ‬تجدي‭ ‬معهم‭ ‬العين‭ ‬الحمراء‭ ‬أو‭ ‬الخضراء‭ ‬ولا‭ ‬العقوبات،‭ ‬وأن‭ ‬سلوكهم‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بسبب‭ (‬خلفيات‭) ‬عائلية،‭ ‬او‭ ‬اضطرابات‭ ‬نفسية،‭ ‬وأنهم‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬قليلو‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬ويسعون‭ ‬إلى‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬بالمشاغبة‭ ‬والبلطجة،‭ ‬وأن‭ ‬إسناد‭ ‬بعض‭ ‬المسؤوليات‭ ‬إليهم‭ ‬وتكليفهم‭ ‬ببعض‭ ‬المهام‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬يجعل‭ ‬منهم‭ ‬طلاباً‭ ‬منضبطين‭ (‬أشياء‭ ‬بسيطة‭ ‬مثل‭ ‬يا‭ ‬ولد‭ ‬ساعدني‭ ‬في‭ ‬توصيل‭ ‬الدفاتر‭ ‬إلى‭ ‬المكتب‭.. ‬رجاء‭ ‬أحضر‭ ‬لي‭ ‬بعض‭ ‬الطباشير‭ ‬الملون‭.. ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التكليفات‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬ترويض‭ ‬الطالب‭ ‬المتفلت،‭ ‬لأنه‭ ‬يحس‭ ‬بأنه‭ ‬موضع‭ ‬ثقة‭ ‬المدرس‭). ‬وهناك‭ ‬الطالب‭ ‬الذكي‭ ‬العابث‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يجدي‭ ‬معه‭ ‬الزجر‭ ‬والتقريع‭ (‬تأنيب‭ ‬ومعاقبة‭ ‬طالب‭ ‬متفوق‭ ‬لأنه‭ ‬أحرز‭ ‬درجات‭ ‬لا‭ ‬تليق‭ ‬به‭ ‬‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬يتعرض‭ ‬للتأنيب‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أقل‭ ‬منه‭ ‬درجات‭ ‬تجعله‭ ‬يعتبر‭ ‬العقوبة‭ ‬وساما‭ ‬وتمثل‭ ‬له‭ ‬حافزا‭ ‬كي‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬أدائه‭ ‬العالي‭).‬

وأود‭ ‬اليوم‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬قد‭ ‬يغضب‭ ‬بعض‭ ‬السيدات،‭ ‬ويتعلق‭ ‬بمسألة‭ ‬ترك‭ ‬أطفال‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الثالثة‭ ‬أو‭ ‬أحياناً‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ (‬الحضانة‭). ‬ولا‭ ‬أتكلم‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬الأمهات‭ ‬اللاتي‭ ‬لا‭ ‬يجدن‭ ‬مناصا‭ ‬من‭ ‬تسليم‭ ‬صغارهن‭ ‬للحضانات‭ ‬لأنهن‭ (‬عاملات‭) ‬وليست‭ ‬لهن‭ ‬أقارب‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬يمكن‭ ‬إيكال‭ ‬رعاية‭ ‬الصغار‭ ‬إليهم،‭ ‬ولكن‭ ‬حتى‭ ‬المرأة‭ ‬العاملة‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬لها‭ ‬ولصغارها‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬العمل‭ (‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬ذا‭ ‬نتائج‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬معيشة‭ ‬العائلة‭) ‬حتى‭ ‬يبلغ‭ ‬الصغير‭ ‬سن‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالروضة‭.‬

المحزن‭ ‬أن‭ ‬قوانين‭ ‬العمل‭ ‬عندنا‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬شيئاً‭ ‬اسمه‭ ‬إجازة‭ ‬أمومة‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬سنتين‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬بعدها‭ ‬الحق‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬عملها‭ ‬مع‭ ‬نيل‭ ‬العلاوات‭ ‬والترقيات‭ ‬المستحقة‭. ‬بالعكس‭ ‬هناك‭ ‬مخدمون‭ ‬يعتبرون‭ ‬حمل‭ ‬الموظفة‭ (‬مخالفة‭) ‬ولا‭ ‬يترددون‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬خدماتها‭. ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يهمني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أحبذ‭ ‬إدخال‭ ‬الصغار‭ ‬الحضانات‭ ‬بحجة‭ ‬إعدادهم‭ ‬لأجواء‭ ‬الدراسة‭ ‬و‭(‬تفتيح‭) ‬عقولهم‭. ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نترك‭ ‬عقل‭ ‬الطفل‭ ‬يتفتح‭ ‬في‭ ‬البيت؟‭ ‬ثم‭ ‬علام‭ ‬العجلة‭ ‬لإعداد‭ ‬الطفل‭ ‬لأجواء‭ ‬المدرسة‭ ‬طالما‭ ‬أنه‭ ‬حتميُّ‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬ورجله‭ ‬فوق‭ ‬رقبته؟‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬الحضانات‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬حظائر‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬تقديم‭ ‬اللبن‭ ‬والطعام‭ ‬الجاهز‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬التبن‭ ‬والبرسيم‭ (‬الجت‭).‬

كلنا‭ ‬بكينا‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬وأذكر‭ ‬أنني‭ ‬ظللت‭ ‬أبكي‭ ‬طوال‭ ‬شهر‭ ‬عندما‭ ‬دخلت‭ ‬المرحلة‭ ‬المتوسطة‭ ‬وكان‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬البيت‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬مدرسة‭ ‬متوسطة‭ ‬في‭ ‬بلدتنا‭. ‬والحضانات‭ ‬لا‭ ‬تعطي‭ ‬الحنان‭ ‬والحب‭ ‬وهما‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬كل‭ ‬طفل‭ ‬حتى‭ ‬يبلغ‭ ‬سن‭ ‬البلوغ‭ ‬وربما‭ ‬ما‭ ‬بعدها،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بطفل‭ ‬في‭ ‬الثالثة‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬الأم‭ ‬متفرغة‭ ‬لعمل‭ ‬البيت‭ ‬فمن‭ ‬الخير‭ ‬لها‭ ‬ولصغارها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬حاضنتهم‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬البيت‭ ‬حضانتهم،‭ ‬وسيتعلمون‭ ‬منها‭ ‬أشياء‭ ‬لن‭ ‬يجدوها‭ ‬في‭ ‬الحضانات‭ ‬التجارية‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا