زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن التباهي بالتوافه
في السودان يوصف الشاب أو الشابة بالتحنكش ويقال فلان حنكوش (بينما هي في الخليج شنكحة)، عندما يكون شديد الاهتمام بمظهره لدرجة أنه يكاد يقول لك: توقف وانظر إلى هيئتي وهندامي، والتشنكح أو التحنكش يقترن عادة ببعض الميوعة والدلال السلوكي، ولكنه قد يتجلى أيضا في استخدام المفردات وطريقة الكلام «أففف سلوك بلدي.. إخخخ من الأكلات الشعبية.. ما اشربش الشاي اشرب كازوزة أنا».
زرت عشرات المرات بلادا لا يعتبر فيها السفور حتى حد نصف التعري فجوراً وخروجاً على التقاليد، ولكن ما يلفت نظري ونظر غيري ممن يزورون الدول الأوروبية هو أنك تلتقي بعشرات الآلاف من النساء في الشوارع ولا ترى في وجوه إلا قلة قليلة منهن أثراً للمكياج، والأحمر والأصفر الذي يعلو وجوه البنات في بلداننا، فحتى عند الذهاب إلى بيت «العمة» الذي لا يبعد عن بيوتهن سوى نحو ثلاثين مترا فإن الكثير من الفتيات عندنا يحرصن على التسلح بكامل زينتهن، وتجد الأم تتفقد بنتها الخارجة من البيت من فوق إلى تحت للتأكد من أنها لبست سوار الذهب الجديد، والحذاء الذي اشترته قبل شهرين بمناسبة زواج فطومة. وتجد واحدة تمضي ساعتين عند الصباح وهي تعمل كط آند بيست في وجهها، وتقف لنصف ساعة حائرة أمام خزانة ملابسها، فتسألها ما إذا كانت هناك مناسبة اجتماعية صباحية، فترد قائلة إن لديها موعد مع الطبيب، وإذا استنكرت أن تتهندم وتتأنق لـ«الطبيب»، صاحت في استنكار إنها لا يمكن أن تذهب مبهدلة إلى أي مكان يمكن ان تلاقي فيه بعض معارفها «خوفا من شماتة أبله ظاظا».
والسبب في ذلك أننا نعتبر أنفسنا في حالة سباق أو مسابقة مع العائلات الأخرى: يجب أن نثبت لهم أننا لسنا أقل منهم في اللبس والزينة والأثاث. وماذا سيقول الناس عنا إذا لم نجدد الأثاث والمفارش بمناسبة قدوم المولود الجديد؟ لا يهم أن المولود سيحل في الدنيا مثقلا بنصيب من ديون والديه، بل المهم أن يراه الناس في سرير «أبهة» وحوله الخز والمخمل والحرير. ولو وجدت بعض العائلات بامبرز مطرزا بخيوط من الذهب لما ترددن في شرائه ليتسنى لهن القول للخادمات: خذي قطع البامبرز الأربعة المستعملة واعطيها للجيران. مساكين فقراء مازالوا يستخدمون البامبرز المحشو بالقطن والورق المضغوط. وإذا سافر عيال عيسى إلى دبي فإن زوجة موسى تصر على أن تسافر وعيالها إلى سوريا ولو إلى منطقة تسيطر عليها داعش. وإذا سافرت أسرة هاشم إلى قبرص فلابد أن تسافر عائلة أبو ابراهيم إلى جزيرة أفخم – هاواي مثلا. أما إذا كانت وجهة أبو سامر هي السويد، فإن أبو صجمة يجد نفسه ملزماً بالسفر مع عياله إلى القطب الشمالي. وإذا كان رشيد نجل عمو خضر متفوقاً فإن زوجة أخيه تزعم أن ولدها رسب في خمس مواد لأن المدرس «مضاديه» أي يضمر له عداوة وتقول لها إن الولد رسب في الكيمياء والجغرافيا والرياضيات واللغة الانجليزية والعلوم الدينية، ولكل منها مدرس منفصل فتقول لك أن مرشد/ مربي الصف الذي يدرس فيه ولدها هو الذي يخصم منه الدرجات في مختلف المواد، ثم تضيف أن رشيد تفوق لأن أباه «صاحب مدير المدرسة».
نحن لا نفكر في علاج النواقص في أنفسنا وعيالنا بل نمكيجها بالمساحيق الاجتماعية وهذا كأن تعالج السرطان بالبندول. جوانب كثيرة في حياتنا محكومة بقوانين التباهي والحط من قدر الآخرين بالمقاييس المادية ومن ثم تجد عندنا من يعايرك بفقرك أو محدودية دخلك. ذات مرة أوقفت سيارتي في مكان ظليل في مستشفى فجاءني شاب منفوش كان يريد أن يسبقني إلى ذلك المكان وقال لي: أوقف سيارتك المبهدلة هذه في مكان مكشوف ما يصير لها شيء، فقلت له سيارتي مبهدلة ولكنني محترم، وسيارتك محترمة وأنت لست كذلك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك