زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الضحك والابتسام نعمة
لست من عشاق المهاترات والردح الصحفي أو الشفهي، بل أمتعض كثيراً من سوقية بعض الكتاب الذين يخوضون معارك دونكيخوتية لأنهم يعانون الاضطراب النفسي الذي قد يجعل المصاب يسعى للفت الأنظار إلى نفسه بكافة السبل ولو بإيذاء النفسattention deficit disorder، وقبل نحو أعوام قليلة فشل كويتب سعودي (يعني كاتب في طور اليرقة أي غير مكتمل النمو) في استدراجي لملاسنة بعد أن كتب كلاما مسيئا عن السودانيين في صحيفة إلكترونية واسعة الانتشار فكتبت ردا عليه في نفس الصحيفة، وكانت خلاصته أنه طالما سبق له أن وصف المرأة السعودية بأنها بقرة فلا عتاب عليه لأن ولد البقرة «عجل» ثم تولى كتاب سعوديون إفحامه وإسكاته، ويبدو أنه انبسط لكونه صار مادة لـ«النقاش»، وكال لي السباب بالطن المتري ولكنني طنشته، ثم طنشته تلك الصحيفة فانزوى في زريبة ما (قال لست من عشاق الردح الصحفي قال).
أعاتب نفسي كثيرا إذا قسوت في الرد على شخص أساء إليّ، بل عاهدت نفسي مؤخرا على عدم الرد على أي مقال يتعرض لي بالسباب السوقي، لأنني بطبعي متفائل ولا أحب المهاترات والصراخ والشتائم حتى لو كانت موجهة لغيري، وهكذا رغم أنني أمارس الصحافة بتقاليدها المتعارف عليها عالميا، فإنني اخترت لنفسي أسلوبا في كتابة المقالات يعكس مزاجي العام وأحاول -بدون ابتذال- حث قرائي على البشاشة والابتسام والضحك لإزالة الصدأ عن النفوس.
سُئلت عشرات المرات في مقابلات تلفزيونية وصحفية: لماذا تتعمد إضحاك القارئ؟ وهناك من يطرح السؤال بطريقة أكثر سخفاً وسماجة: هل مارست الكتابة الجادة؟ هل هي جريمة أو نقيصة أن أسعى لزرع الابتسام؟ وهل يحسب السائل أن ما أكتبه هزل محض أم أنه عاجز عن القراءة ما بين السطور؟ تحضرني هنا واقعة كتب عنها رجل الأعمال والكاتب السعودي البارع نجيب الزامل كان أحد أطرافها عمه أحمد الزامل الذي استمع إلى طبيبة في مستشفى في دولة عربية «مسلمة» قالت إنها محافظة ولا تسمح لبناتها إلا بالذهاب إلى الرقص وسماع الموسيقى في القاعات المحترمة، فما كان من العم إلا أن قال لنجيب: لو كان معنا واحد من ربعك الليبراليين لقال إنها وهابية! أليست هذه العبارة القصيرة اللاذعة الحبلى بالمعاني أبلغ من مقال من رأس الصفحة إلى قعرها!
عندما بدأت في كتابة مقال يومي في صحيفة الوطن السعودية بأسلوبي الخاص، قال لي بروفيسور أحمد البدلي وهو أستاذ سعوي مرموق تخصص في الأدب الفارسي: لو نشرت يا أبا الجعافر مقالاتك هذه في صحيفة سعودية قبل ربع قرن لضربك الناس بالنعال! قلت له إنني أعرف ذلك فقد كنت ضمن أسرة جريدة (اليوم) قبل ثلاثين سنة، ورغم أن رئيس التحرير -آنذاك- الأستاذ محمد العلي كان صاحب دعابة رفيعة وروح مرحة وضحكة زلزالية، فإن التجهم كان الصفة الغالبة على محتويات الصحيفة شأنها شأن زميلاتها الأخريات، ولكن الأمور تبدلت وأصبح السعوديون ينتجون الطُّرف بكميات تجارية ويصدرونها، وأذكر ذلك اليوم الذي لقي فيه منتخب كرة القدم السعودية هزيمة منكرة على يد خصمه الألماني، حيث تلقيت نحو ثلاثين طرفة ونكتة حول المباراة في غضون عشرين دقيقة، ومن يعرف مدى هوس الجمهور السعودي بالكرة وتعصبه للأندية والمنتخب الوطني يدرك أن تلك النكات الذكية اللاذعة كانت نوعاً من العلاج بالصدمة وتنفيساً عن إحباط.
نعم أتعمد حمل القارئ على الابتسام والضحك، ولو لم يخرج القارئ مني إلا بضحكة لكفاني. وأحاول أن احمل الناس على الضحك على ضعفهم وقصورهم وعلى أن يضحكوا عليّ لأنني مثلهم ضعيف في مواقع معينة بل أحياناً أُسقط زلات الآخرين على نفسي لأسقط الحاجز النفسي وحاجز المسافات بيني وبين القراء.. اللهم أضْحِكنا. اللهم أدِم علينا الابتسام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك