العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الضحك والابتسام نعمة

لست‭ ‬من‭ ‬عشاق‭ ‬المهاترات‭ ‬والردح‭ ‬الصحفي‭ ‬أو‭ ‬الشفهي،‭ ‬بل‭ ‬أمتعض‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬سوقية‭ ‬بعض‭ ‬الكتاب‭ ‬الذين‭ ‬يخوضون‭ ‬معارك‭ ‬دونكيخوتية‭ ‬لأنهم‭ ‬يعانون‭ ‬الاضطراب‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يجعل‭ ‬المصاب‭ ‬يسعى‭ ‬للفت‭ ‬الأنظار‭ ‬إلى‭ ‬نفسه‭ ‬بكافة‭ ‬السبل‭ ‬ولو‭ ‬بإيذاء‭ ‬النفسattention deficit disorder،‭ ‬وقبل‭ ‬نحو‭ ‬أعوام‭ ‬قليلة‭ ‬فشل‭ ‬كويتب‭ ‬سعودي‭ (‬يعني‭ ‬كاتب‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬اليرقة‭ ‬أي‭ ‬غير‭ ‬مكتمل‭ ‬النمو‭) ‬في‭ ‬استدراجي‭ ‬لملاسنة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كتب‭ ‬كلاما‭ ‬مسيئا‭ ‬عن‭ ‬السودانيين‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬إلكترونية‭ ‬واسعة‭ ‬الانتشار‭ ‬فكتبت‭ ‬ردا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الصحيفة،‭ ‬وكانت‭ ‬خلاصته‭ ‬أنه‭ ‬طالما‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬وصف‭ ‬المرأة‭ ‬السعودية‭ ‬بأنها‭ ‬بقرة‭ ‬فلا‭ ‬عتاب‭ ‬عليه‭ ‬لأن‭ ‬ولد‭ ‬البقرة‭ ‬‮«‬عجل‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬تولى‭ ‬كتاب‭ ‬سعوديون‭ ‬إفحامه‭ ‬وإسكاته،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬انبسط‭ ‬لكونه‭ ‬صار‭ ‬مادة‭ ‬لـ«النقاش‮»‬،‭ ‬وكال‭ ‬لي‭ ‬السباب‭ ‬بالطن‭ ‬المتري‭ ‬ولكنني‭ ‬طنشته،‭ ‬ثم‭ ‬طنشته‭ ‬تلك‭ ‬الصحيفة‭ ‬فانزوى‭ ‬في‭ ‬زريبة‭ ‬ما‭ (‬قال‭ ‬لست‭ ‬من‭ ‬عشاق‭ ‬الردح‭ ‬الصحفي‭ ‬قال‭).‬

أعاتب‭ ‬نفسي‭ ‬كثيرا‭ ‬إذا‭ ‬قسوت‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬أساء‭ ‬إليّ،‭ ‬بل‭ ‬عاهدت‭ ‬نفسي‭ ‬مؤخرا‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مقال‭ ‬يتعرض‭ ‬لي‭ ‬بالسباب‭ ‬السوقي،‭ ‬لأنني‭ ‬بطبعي‭ ‬متفائل‭ ‬ولا‭ ‬أحب‭ ‬المهاترات‭ ‬والصراخ‭ ‬والشتائم‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬موجهة‭ ‬لغيري،‭ ‬وهكذا‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬أمارس‭ ‬الصحافة‭ ‬بتقاليدها‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬عالميا،‭ ‬فإنني‭ ‬اخترت‭ ‬لنفسي‭ ‬أسلوبا‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬المقالات‭ ‬يعكس‭ ‬مزاجي‭ ‬العام‭ ‬وأحاول‭ -‬بدون‭ ‬ابتذال‭- ‬حث‭ ‬قرائي‭ ‬على‭ ‬البشاشة‭ ‬والابتسام‭ ‬والضحك‭ ‬لإزالة‭ ‬الصدأ‭ ‬عن‭ ‬النفوس‭.‬

سُئلت‭ ‬عشرات‭ ‬المرات‭ ‬في‭ ‬مقابلات‭ ‬تلفزيونية‭ ‬وصحفية‭: ‬لماذا‭ ‬تتعمد‭ ‬إضحاك‭ ‬القارئ؟‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭ ‬بطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬سخفاً‭ ‬وسماجة‭: ‬هل‭ ‬مارست‭ ‬الكتابة‭ ‬الجادة؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬جريمة‭ ‬أو‭ ‬نقيصة‭ ‬أن‭ ‬أسعى‭ ‬لزرع‭ ‬الابتسام؟‭ ‬وهل‭ ‬يحسب‭ ‬السائل‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أكتبه‭ ‬هزل‭ ‬محض‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬القراءة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬السطور؟‭ ‬تحضرني‭ ‬هنا‭ ‬واقعة‭ ‬كتب‭ ‬عنها‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬والكاتب‭ ‬السعودي‭ ‬البارع‭ ‬نجيب‭ ‬الزامل‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أطرافها‭ ‬عمه‭ ‬أحمد‭ ‬الزامل‭ ‬الذي‭ ‬استمع‭ ‬إلى‭ ‬طبيبة‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬‮«‬مسلمة‮»‬‭ ‬قالت‭ ‬إنها‭ ‬محافظة‭ ‬ولا‭ ‬تسمح‭ ‬لبناتها‭ ‬إلا‭ ‬بالذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الرقص‭ ‬وسماع‭ ‬الموسيقى‭ ‬في‭ ‬القاعات‭ ‬المحترمة،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬العم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قال‭ ‬لنجيب‭: ‬لو‭ ‬كان‭ ‬معنا‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬ربعك‭ ‬الليبراليين‭ ‬لقال‭ ‬إنها‭ ‬وهابية‭! ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬القصيرة‭ ‬اللاذعة‭ ‬الحبلى‭ ‬بالمعاني‭ ‬أبلغ‭ ‬من‭ ‬مقال‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬الصفحة‭ ‬إلى‭ ‬قعرها‭!‬

عندما‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬مقال‭ ‬يومي‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الوطن‭ ‬السعودية‭ ‬بأسلوبي‭ ‬الخاص،‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬بروفيسور‭ ‬أحمد‭ ‬البدلي‭ ‬وهو‭ ‬أستاذ‭ ‬سعوي‭ ‬مرموق‭ ‬تخصص‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬الفارسي‭: ‬لو‭ ‬نشرت‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬الجعافر‭ ‬مقالاتك‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬سعودية‭ ‬قبل‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬لضربك‭ ‬الناس‭ ‬بالنعال‭! ‬قلت‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬أعرف‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬ضمن‭ ‬أسرة‭ ‬جريدة‭ (‬اليوم‭) ‬قبل‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ -‬آنذاك‭- ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬العلي‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬دعابة‭ ‬رفيعة‭ ‬وروح‭ ‬مرحة‭ ‬وضحكة‭ ‬زلزالية،‭ ‬فإن‭ ‬التجهم‭ ‬كان‭ ‬الصفة‭ ‬الغالبة‭ ‬على‭ ‬محتويات‭ ‬الصحيفة‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬زميلاتها‭ ‬الأخريات،‭ ‬ولكن‭ ‬الأمور‭ ‬تبدلت‭ ‬وأصبح‭ ‬السعوديون‭ ‬ينتجون‭ ‬الطُّرف‭ ‬بكميات‭ ‬تجارية‭ ‬ويصدرونها،‭ ‬وأذكر‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬لقي‭ ‬فيه‭ ‬منتخب‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬السعودية‭ ‬هزيمة‭ ‬منكرة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬خصمه‭ ‬الألماني،‭ ‬حيث‭ ‬تلقيت‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثين‭ ‬طرفة‭ ‬ونكتة‭ ‬حول‭ ‬المباراة‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬عشرين‭ ‬دقيقة،‭ ‬ومن‭ ‬يعرف‭ ‬مدى‭ ‬هوس‭ ‬الجمهور‭ ‬السعودي‭ ‬بالكرة‭ ‬وتعصبه‭ ‬للأندية‭ ‬والمنتخب‭ ‬الوطني‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬النكات‭ ‬الذكية‭ ‬اللاذعة‭ ‬كانت‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬العلاج‭ ‬بالصدمة‭ ‬وتنفيساً‭ ‬عن‭ ‬إحباط‭.‬

نعم‭ ‬أتعمد‭ ‬حمل‭ ‬القارئ‭ ‬على‭ ‬الابتسام‭ ‬والضحك،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬القارئ‭ ‬مني‭ ‬إلا‭ ‬بضحكة‭ ‬لكفاني‭. ‬وأحاول‭ ‬أن‭ ‬احمل‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الضحك‭ ‬على‭ ‬ضعفهم‭ ‬وقصورهم‭ ‬وعلى‭ ‬أن‭ ‬يضحكوا‭ ‬عليّ‭ ‬لأنني‭ ‬مثلهم‭ ‬ضعيف‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬معينة‭ ‬بل‭ ‬أحياناً‭ ‬أُسقط‭ ‬زلات‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬لأسقط‭ ‬الحاجز‭ ‬النفسي‭ ‬وحاجز‭ ‬المسافات‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬القراء‭.. ‬اللهم‭ ‬أضْحِكنا‭. ‬اللهم‭ ‬أدِم‭ ‬علينا‭ ‬الابتسام‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا