العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

المدن المستدامة والبيئة بدول مجلس التعاون الخليجي

بقلم: سوزان محمد العجاوي {

الأربعاء ١٥ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

تعرف‭ ‬المدينة‭ ‬المستدامة‭ ‬أو‭ ‬المدينة‭ ‬البيئية‭ ‬أو‭ ‬المدينة‭ ‬الخضراء‭ ‬بالمدينة‭ ‬المصممة‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬التأثير‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والبيئي،‭ ‬وكذلك‭ ‬مراعاة‭ ‬مرونة‭ ‬الموائل‭ ‬للسكان‭ ‬الحاليين‭ ‬القاطنين‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بقدرة‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعرّف‭ ‬الهدف‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬المدن‭ ‬المستدامة‭ ‬بأنها‭ ‬تلك‭ ‬المخصصة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستدامة‭ ‬الخضراء‭ ‬والاستدامة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاستدامة‭ ‬الاقتصادية‭. ‬وهي‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬تلتزم‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إتاحة‭ ‬الفرص‭ ‬للجميع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصميم‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬الشمولية‭ ‬وكذلك‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬مستدام‭. ‬ويشمل‭ ‬التركيز‭ ‬أيضًا‭ ‬تقليل‭ ‬المدخلات‭ ‬المطلوبة‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬والمياه‭ ‬والغذاء،‭ ‬والتقليل‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬غازات‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭ ‬والنفايات‭ ‬وإخراج‭ ‬الحرارة‭ ‬وتلوث‭ ‬الهواء‭ ‬والماء‭ ‬وتعزيز‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬الصحية‭.‬

تشير‭ ‬التقارير‭ ‬الأممية‭ ‬لعام‭ ‬2018‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬56%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية،‭ ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬إلى‭ ‬68%‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2050،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬90%‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا‭. ‬وستشكل‭ ‬الهند‭ ‬والصين‭ ‬ونيجيريا‭ ‬معاً‭ ‬35%‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬المتوقع‭ ‬لسكان‭ ‬الحضر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2018‭ ‬و2050‭. ‬وتسبب‭ ‬سرعة‭ ‬نمو‭ ‬المدن‭ ‬والزحف‭ ‬الحضري‭ ‬المتسارع‭ ‬لها‭ ‬ضغوطاً‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نواتج‭ ‬غير‭ ‬مرغوب‭ ‬فيها،‭ ‬إذ‭ ‬وفقاً‭ ‬لتقرير‭ ‬موئل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬2018،‭ ‬تستهلك‭ ‬المدن‭ ‬78%‭ ‬من‭ ‬طاقة‭ ‬العالم‭ ‬وتنتج‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70%‭ ‬من‭ ‬انبعاثات‭ ‬غازات‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬مجموع‭ ‬مساحتها‭ ‬يمثل‭ ‬3%‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء‭ ‬وتفاقم‭ ‬أزمة‭ ‬النفايات‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬المدن‭ ‬وتؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬القاطنين‭ ‬فيها‭. ‬ويتسبب‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬29%‭ ‬من‭ ‬مجمل‭ ‬الوفيات‭ ‬وحالات‭ ‬سرطان‭ ‬الرئة‭ ‬و17%‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفسي‭ ‬وربع‭ ‬حالات‭ ‬الإصابة‭ ‬بالسكتة‭ ‬الدماغية‭ ‬وأمراض‭ ‬القلب‭ ‬وفقاً‭ ‬لمنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭. ‬وتعود‭ ‬معظم‭ ‬مصادر‭ ‬التلوث‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬سيطرة‭ ‬الأفراد،‭ ‬وتتطلب‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واضعي‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني‭ ‬والدولي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الترويج‭ ‬لاستخدام‭ ‬وسائل‭ ‬نقل‭ ‬أنظف،‭ ‬والاستعانة‭ ‬بأساليب‭ ‬أكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬وإدارة‭ ‬النفايات‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬المدن‭ ‬حاسم‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬أزمة‭ ‬الكوكب‭ ‬الثلاثية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬وفقدان‭ ‬التنوع‭ ‬الأحيائي‭ ‬والتلوث‭. ‬

يقع‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬يسودها‭ ‬المناخ‭ ‬الجاف‭ ‬‮«‬المناخ‭ ‬الصحراوي‮»‬‭. ‬ويبلغ‭ ‬عدد‭ ‬دول‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬موزّعةً‭ ‬على‭ ‬قارتي‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬اثنتين‭ ‬وعشرين‭ ‬دولةً؛‭ ‬تقع‭ ‬عشر‭ ‬دولٍ‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬إفريقيا‭ ‬وهي‭ ‬جمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربية،‭ ‬وليبيا،‭ ‬وجمهورية‭ ‬السودان،‭ ‬والجمهورية‭ ‬الجزائرية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الشعبية،‭ ‬والجمهورية‭ ‬التونسية،‭ ‬والمملكة‭ ‬المغربية،‭ ‬والجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الموريتانية،‭ ‬وجيبوتي،‭ ‬وجمهورية‭ ‬الصومال،‭ ‬وجزر‭ ‬القمر‭ ‬أو‭ ‬الاتحاد‭ ‬القمري‭. ‬وتقع‭ ‬اثنتا‭ ‬عشرة‭ ‬دولةً‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬آسيا‭ ‬وهي‭ ‬فلسطين،‭ ‬والمملكة‭ ‬الأردنية‭ ‬الهاشمية،‭ ‬والجمهورية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬والجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬السورية،‭ ‬وجمهورية‭ ‬العراق،‭ ‬والكويت،‭ ‬وقطر،‭ ‬والإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬والبحرين،‭ ‬وسلطنة‭ ‬عُمان،‭ ‬والجمهورية‭ ‬اليمنية،‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭. ‬وتعتبر‭ ‬مصر‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬السكان،‭ ‬بينما‭ ‬جزر‭ ‬القمر‭ ‬الدولة‭ ‬الأقل‭ ‬عدداً،‭ ‬ويصل‭ ‬التعداد‭ ‬الكلي‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬436,378,866‭ ‬نسمة‭ ‬بحسب‭ ‬إحصائيات‭ ‬العام‭ ‬2020‭. ‬وقد‭ ‬تسارعت‭ ‬عجلة‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬وصاحبتها‭ ‬ضغوط‭ ‬متزايدة‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬وتواجه‭ ‬المنطقة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬الخطر‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ممارسات‭ ‬التنمية‭ ‬غير‭ ‬المستدامة،‭ ‬وحالات‭ ‬الطوارئ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والنزاعات‭ ‬والحروب‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والتوسع‭ ‬الحضري‭ ‬السريع،‭ ‬وتضاؤل‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وتدهور‭ ‬الأراضي،‭ ‬وتلوث‭ ‬الهواء‭ ‬وعدم‭ ‬كفاية‭ ‬إدارة‭ ‬مياه‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬والنفايات‭ ‬الصلبة‭. ‬وتشير‭ ‬الإحصائيات‭ ‬لجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لعام‭ ‬2021‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نسبته‭ ‬59,29%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية‭ ‬والمدن‭. ‬ويعكس‭ ‬تقرير‭ ‬الصحة‭ ‬والبيئة‭ ‬لعام‭ ‬2019‭ ‬أن‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تتجاوز‭ ‬القيم‭ ‬التوجيهية‭ ‬لمنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬بنحو‭ ‬5‭ ‬إلى‭ ‬10‭ ‬أضعاف‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭. ‬ويعزى‭ ‬هذا‭ ‬التدني‭ ‬في‭ ‬النوعية‭ ‬إلى‭ ‬عوامل‭ ‬طبيعية‭ ‬وبشرية‭. ‬فمن‭ ‬ناحية‭ ‬تتأثر‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬المحيط‭ ‬سلباً‭ ‬بجزيئات‭ ‬ملح‭ ‬البحر‭ ‬والغبار،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬ترتبط‭ ‬بالنشاط‭ ‬البشري،‭ ‬حيث‭ ‬تتركز‭ ‬الانبعاثات‭. ‬ففي‭ ‬السعودية‭ ‬والبحرين‭ ‬والكويت‭ ‬والإمارات‭ ‬ارتفعت‭ ‬انبعاثات‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬بمعدل‭ ‬6%‭ ‬سنوياً‭ ‬بين‭ ‬سنتي‭ ‬2005‭ ‬و2014،‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬وزيادة‭ ‬استهلاك‭ ‬الطاقة‭. ‬كما‭ ‬تعاني‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬الجسيمات‭ ‬العالقة‭ ‬في‭ ‬الهواء‭. ‬ففي‭ ‬الكويت‭ ‬كان‭ ‬المتوسط‭ ‬السنوي‭ ‬للجسيمات‭ ‬التي‭ ‬يقل‭ ‬حجمها‭ ‬عن‭ ‬10‭ ‬ميكرونات‭ ‬أكثر‭ ‬بثماني‭ ‬مرات‭ ‬من‭ ‬الحد‭ ‬الأعلى‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬بين‭ ‬سنتي‭ ‬2014‭ ‬و2016‭. ‬وتظهر‭ ‬مراجعة‭ ‬بيانات‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭ ‬والكويت‭ ‬وسوريا‭ ‬وقطر‭ ‬والإمارات‭ ‬ولبنان،‭ ‬أن‭ ‬تراكيز‭ ‬الجسيمات‭ ‬العالقة‭ ‬التي‭ ‬يقل‭ ‬حجمها‭ ‬عن‭ ‬2,5‭ ‬ميكرون‭ ‬تتجاوز‭ ‬غالباً‭ ‬القيمة‭ ‬التوجيهية‭ ‬المحددة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭. ‬ويزداد‭ ‬الضرر‭ ‬الصحي‭ ‬للجسيمات‭ ‬العالقة‭ ‬كلما‭ ‬صغر‭ ‬حجمها‭. ‬وفي‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬يعزى‭ ‬ما‭ ‬نسبته‭ ‬54%‭ ‬من‭ ‬مستويات‭ ‬هذه‭ ‬الجسيمات‭ ‬إلى‭ ‬الغبار‭ ‬والعواصف‭ ‬الرملية‭ ‬واحتراق‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬محطات‭ ‬توليد‭ ‬الطاقة‭ ‬والنقل‭.‬

كذلك‭ ‬مع‭ ‬تغير‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬وزيادة‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬قفزت‭ ‬كمية‭ ‬النفايات‭ ‬البلدية‭ ‬الصلبة‭ ‬إلى‭ ‬معدلات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تدني‭ ‬كفاءة‭ ‬أنظمة‭ ‬إدارة‭ ‬النفايات‭.‬

ففي‭ ‬عُمان‭ ‬مثلاً،‭ ‬ارتفع‭ ‬معدل‭ ‬توليد‭ ‬الفرد‭ ‬للنفايات‭ ‬من‭ ‬0,79‭ ‬كيلوجرام‭ ‬يومياً‭ ‬إلى‭ ‬1,3‭ ‬كيلوجرام‭ ‬بين‭ ‬2002‭ ‬و2014‭. ‬كما‭ ‬تفاقمت‭ ‬المشكلة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أسرع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬بلدان‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬بفعل‭ ‬الاضطرابات‭ ‬السياسية‭ ‬وغياب‭ ‬الاستقرار،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬إدارة‭ ‬النفايات‭ ‬الهشة‭ ‬أساساً‭. ‬ويشير‭ ‬التقرير‭ ‬السالف‭ ‬الذكر‭ ‬إلى‭ ‬تفاوت‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬النفايات‭ ‬الخطرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬بحسب‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لكل‭ ‬بلد‭. ‬ففي‭ ‬الدول‭ ‬الأقل‭ ‬دخلاً،‭ ‬يتم‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬النفايات‭ ‬الصناعية‭ ‬الخطرة‭ ‬في‭ ‬مكبّات‭ ‬النفايات‭ ‬البلدية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فصل‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬تدوير،‭ ‬بسبب‭ ‬الافتقار‭ ‬إلى‭ ‬مرافق‭ ‬معالجة‭ ‬النفايات‭ ‬الخطرة‭. ‬فيما‭ ‬تحظى‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬ذات‭ ‬الدخل‭ ‬المرتفع،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬بمواقع‭ ‬خاصة‭ ‬لدفن‭ ‬النفايات‭ ‬الصناعية‭ ‬الخطرة‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬تسرب‭ ‬سوائل‭ ‬الرشح‭ ‬إلى‭ ‬طبقات‭ ‬التربة‭. ‬وتقوم‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬بتشغيل‭ ‬مرافق‭ ‬معالجة‭ ‬لتحييد‭ ‬النفايات‭ ‬الخطرة‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬نفايات‭ ‬أقل‭ ‬خطورة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬خطرة،‭ ‬قبل‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬مكبّات‭ ‬النفايات‭ ‬البلدية‭ ‬وتصل‭ ‬نسبة‭ ‬تدوير‭ ‬النفايات‭ ‬الخطرة‭ ‬في‭ ‬قطر‭ ‬إلى‭ ‬36%‭ ‬بفضل‭ ‬ما‭ ‬أنجزته‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬القدرات‭ ‬وإشراك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المصلحة‭.‬

ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬وضع‭ ‬التلوث‭ ‬البيئي‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬تدني‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬وتردي‭ ‬إدارة‭ ‬النفايات،‭ ‬بل‭ ‬يتعداها‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الأخرى‭ ‬المعنية‭ ‬بتدهور‭ ‬الأنظمة‭ ‬البيئية‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬وبتقلص‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭. ‬وتعد‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬البالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الحضرية‭ ‬للمدن،‭ ‬فهي‭ ‬تعد‭ ‬رئة‭ ‬المدينة‭ ‬ومتنفسها‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬خفض‭ ‬الضغوط‭ ‬النفسية‭ ‬للسكان‭ ‬بما‭ ‬توفره‭ ‬من‭ ‬مساحات‭ ‬مفتوحة‭ ‬للتنزه‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الضوضاء‭ ‬ولأنها‭ ‬أيضاً‭ ‬عنصر‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الهواء‭ ‬النقي،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬افتقار‭ ‬السياسات‭ ‬الحضرية‭ ‬لتخصيص‭ ‬تلك‭ ‬المساحات‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬أو‭ ‬الذهاب‭ ‬للاستغناء‭ ‬عنها‭ ‬لتوفير‭ ‬البيوت‭ ‬أو‭ ‬الأبراج‭ ‬السكنية‭ ‬أو‭ ‬المناطق‭ ‬التجارية‭ ‬قد‭ ‬فاقم‭ ‬من‭ ‬تردي‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬وكذلك‭ ‬الصحة‭ ‬لدى‭ ‬قاطني‭ ‬تلك‭ ‬المدن‭. ‬

في‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬اعتمدت‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬خطة‭ ‬عمل‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬حتى‭ ‬2030‭ ‬وأهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬السبعة‭ ‬عشر‭ ‬المنفذة‭ ‬لها،‭ ‬ولقد‭ ‬شكل‭ ‬الهدف‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬توجهاً‭ ‬واضحاً‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬استدامة‭ ‬المدن،‭ ‬وأدرج‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الغايات‭ ‬الموجهة‭ ‬وحدد‭ ‬المؤشرات‭ ‬لتمكين‭ ‬قياس‭ ‬التقدم‭ ‬الحاصل‭ ‬فيه‭. ‬وستلعب‭ ‬المدن‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدام،‭ ‬ولم‭ ‬يسبق‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬وضع‭ ‬رؤية‭ ‬خاصة‭ ‬بالمدن‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭. ‬ولقد‭ ‬لقي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬اهتمام‭ ‬المعنيين‭ ‬بدول‭ ‬المجلس‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬وعكست‭ ‬التقارير‭ ‬الطوعية‭ ‬المقدمة‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬والمرفوعة‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬قياساً‭ ‬للتقدم‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬السياسات‭ ‬والمنهجيات‭ ‬المتبعة‭ ‬والإجراءات‭ ‬المتخذة‭ ‬بشأن‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬الحادي،‭ ‬ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬والسعودية‭ ‬والبحرين‭ ‬وقطر‭ ‬وعمان‭ ‬ستقدم‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬تقاريرها‭ ‬الوطنية‭ ‬الطوعية‭ ‬المحدثة‭ ‬بشأن‭ ‬التقدم‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬المنتدى‭ ‬الرفيع‭ ‬المستوى‭ ‬الذي‭ ‬يعقد‭ ‬سنويا‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وسيكون‭ ‬الهدف‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬أحد‭ ‬الأهداف‭ ‬قيد‭ ‬المراجعة‭. ‬

شهدت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬نمواً‭ ‬سكانياً‭ ‬متسارعاً‭ ‬خلال‭ ‬الأربعين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬6,7‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1970‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الـ56‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬وتشير‭ ‬التوقعات‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬السنوي‭ ‬عن‭ ‬الإحصاءات‭ ‬السكانية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬2016‭ ‬أن‭ ‬العدد‭ ‬الإجمالي‭ ‬للسكان‭ ‬سيرتفع‭ ‬من‭ ‬53,5‭ ‬مليون‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬107‭ ‬ملايين‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2033‭. ‬وسيترافق‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الزيادة‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬والخدمات‭ ‬مع‭ ‬التوقع‭ ‬بتمدد‭ ‬المدن‭ ‬وزيادة‭ ‬حجمها‭ ‬بسبب‭ ‬الهجرة‭ ‬من‭ ‬الريف‭. ‬ولقد‭ ‬أدت‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬ونمط‭ ‬الاستهلاك‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المتسارع‭ ‬والتحضر‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬إلى‭ ‬تداعيات‭ ‬بيئية‭ ‬تجلت‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬المظاهر‭ ‬الطبيعية‭ ‬للنظم‭ ‬البيئية‭ ‬وخاصة‭ ‬الساحلية‭ ‬منها‭. ‬ولقد‭ ‬توسعت‭ ‬المدن‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬بشكل‭ ‬هائل‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين‭ ‬وتعد‭ ‬منطقة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬شديدة‭ ‬التحضر،‭ ‬حيث‭ ‬يقيم‭ ‬معظم‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية‭. ‬وقد‭ ‬ازدادت‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬من‭ ‬22,2‭ ‬شخصا‭ ‬في‭ ‬الكيلومتر‭ ‬المربع‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬إلى‭ ‬23,9‭ ‬شخصا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬وبهذه‭ ‬الزيادة‭ ‬المتوقعة‭ ‬في‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬يتوقع‭ ‬ارتفاع‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الإسكان‭ ‬والمياه‭ ‬والطاقة‭ ‬والغذاء‭ ‬ووسائل‭ ‬النقل‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭. ‬مما‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬المصاحبة‭ ‬لهذا‭ ‬التوسع‭ ‬المضطرد‭ ‬من‭ ‬تدهور‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬داخل‭ ‬المدن‭ ‬بسب‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬والمواصلات‭ ‬والصناعة،‭ ‬كما‭ ‬باتت‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬كمية‭ ‬المخلفات‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬تحديات‭ ‬المدن‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬بطء‭ ‬أو‭ ‬قصور‭ ‬التشريعات‭ ‬وسياسات‭ ‬التدوير‭ ‬أو‭ ‬الاستثمار‭ ‬المستدام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭. ‬لكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بدأت‭ ‬تبرز‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الوطنية‭ ‬للدول‭ ‬مؤشرات‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬اهتمام‭ ‬الحكومات‭ ‬بإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬الحضرية،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبنت‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬خططا‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انبعاثاتها‭ ‬الغازية‭ ‬وكذلك‭ ‬تبني‭ ‬أغلبها‭ ‬خططاً‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬صفر‭ ‬انبعاثات‭ ‬مع‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الحالي‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2060‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات‭ ‬إنشاء‭ ‬‮«‬مدينة‭ ‬مصدر‮»‬‭ ‬في‭ ‬أبوظبي‭ ‬بدولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬أول‭ ‬محاولة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لبناء‭ ‬مدينة‭ ‬مستدامة‭. ‬وتهدف‭ ‬مدينة‭ ‬مصدر‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬استخدم‭ ‬الطاقة‭ ‬والماء،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬إنتاج‭ ‬النفايات‭. ‬وهي‭ ‬تستخدم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التصميمات‭ ‬التقنية‭ ‬والمعمارية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬في‭ ‬التشغيل‭. ‬ويعتبر‭ ‬استخدام‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬أحد‭ ‬الخطوات‭ ‬الرئيسية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬ورفع‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬فيها‭ ‬وتقليل‭ ‬انبعاثات‭ ‬غازات‭ ‬الدفيئة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التصميم‭ ‬العمراني‭ ‬للمدينة‭ ‬يعزز‭ ‬ثقافة‭ ‬المشي‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الثقافة‭ ‬الصحية‭ ‬وهي‭ ‬أحد‭ ‬ركائز‭ ‬المدن‭ ‬المستدامة‭. ‬

كما‭ ‬أعلنت‭ ‬مدينة‭ ‬دبي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬جعل‭ ‬دبي‭ ‬مدينة‭ ‬ذكية‭ ‬ومستدامة،‭ ‬ولتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية،‭ ‬تبني‭ ‬دبي‭ ‬حالياً‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬المستدامة‭ ‬وهي‭: ‬المدينة‭ ‬المستدامة‭ ‬ومدينة‭ ‬وردة‭ ‬الصحراء‭ ‬ومنطقة‭ ‬دبي‭ ‬الجنوب‭ ‬وواحة‭ ‬دبي‭ ‬للسليكون‭. ‬وقد‭ ‬نجحت‭ ‬واحة‭ ‬دبي‭ ‬للسليكون‭ ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬الاستهلاك‭ ‬التراكمي‭ ‬للطاقة‭ ‬بمعدل‭ ‬31%،‭ ‬حيث‭ ‬تخطت‭ ‬المستهدف‭ ‬المحدد‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬دبي‭ ‬المتكاملة‭ ‬للطاقة‭ ‬2030،‭ ‬وهو‭ ‬30%‭. ‬وتقوم‭ ‬سلطة‭ ‬واحة‭ ‬دبي‭ ‬للسليكون‭ ‬بتنفيذ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬تماشياً‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬دبي‭ ‬للطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬2050‭ ‬لغرض‭ ‬تحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬استدامة‭ ‬الواحة‭.‬

أما‭ ‬مدينة‭ ‬لوسيل‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬والتي‭ ‬بنيت‭ ‬خصيصاً‭ ‬لاحتضان‭ ‬فعاليات‭ ‬المونديال‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬فهي‭ ‬أول‭ ‬المدن‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬للدولة‭ ‬التي‭ ‬طبق‭ ‬بها‭ ‬مفهوم‭ ‬استدامة‭ ‬المدن،‭ ‬وشهد‭ ‬مرتادو‭ ‬المدينة‭ ‬الجهد‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬لغرض‭ ‬تسيير‭ ‬عمليات‭ ‬النقل‭ ‬عبر‭ ‬النقل‭ ‬الجماعي،‭ ‬وكان‭ ‬لمترو‭ ‬قطر‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬كما‭ ‬جُهزت‭ ‬المدينة‭ ‬بحاويات‭ ‬لأنواع‭ ‬النفايات‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬لمبدأ‭ ‬فصل‭ ‬النفايات‭ ‬من‭ ‬المصدر‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تطبيق‭ ‬مبدأ‭ ‬التدوير‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬التخلص‭ ‬الآمن‭. ‬وشهدت‭ ‬المدينة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭ ‬التي‭ ‬زرعت‭ ‬بها‭ ‬نباتات‭ ‬محلية‭ ‬في‭ ‬توجه‭ ‬نحو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التنوع‭ ‬الأحيائي‭ ‬وزيادة‭ ‬الرقعة‭ ‬الخضراء‭.‬

أما‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬مؤخراً‭ ‬بأن‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬ذا‭ ‬لاين‮»‬‭ ‬الذكية‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬نيوم،‭ ‬مقاربة‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭ ‬للتوسع‭ ‬الحضري،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تطوّر‭ ‬عمراني‭ ‬طولي‭ ‬الشكل‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬170كم،‭ ‬حيث‭ ‬يربط‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحلية‭ ‬ببعضها‭ ‬بشكل‭ ‬فائق‭ ‬مع‭ ‬أحياء‭ ‬متكاملة‭ ‬تحفز‭ ‬على‭ ‬المشي‭ ‬بحدائقها‭ ‬العامة‭ ‬ومناظرها‭ ‬الطبيعية‭ ‬وتعتمد‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬بنسبة‭ ‬100%‭ ‬لتزويد‭ ‬احتياجاتها‭. ‬كما‭ ‬تعد‭ ‬مبادرة‭ ‬السعودية‭ ‬الخضراء‭ ‬إحدى‭ ‬السياسات‭ ‬الوطنية‭ ‬المحفزة‭ ‬تجاه‭ ‬زيادة‭ ‬الرقعة‭ ‬الخضراء‭ ‬بالمملكة‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬التنوع‭ ‬الأحيائي،‭ ‬وكذلك‭ ‬خفض‭ ‬الانبعاثات‭ ‬وتحسن‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭.‬

كما‭ ‬أطلقت‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬مشروع‭ ‬المدينة‭ ‬المستدامة‭ ‬‮«‬يتي‮»‬‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬مسقط،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬مشروع‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬يلبي‭ ‬أعلى‭ ‬معايير‭ ‬الاستدامة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الأخضر‭. ‬وسيسعى‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬المدينة‭ ‬لتوظيف‭ ‬أحدث‭ ‬الحلول‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الطاقة،‭ ‬وإعادة‭ ‬التدوير،‭ ‬وإنتاج‭ ‬الماء‭ ‬من‭ ‬الهواء،‭ ‬والزراعة‭ ‬العمودية،‭ ‬والنقل‭ ‬الذاتي‭ ‬القيادة‭ ‬وتعزيز‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬الصحية‭ ‬بغرض‭ ‬تحقيق‭ ‬الحياد‭ ‬الكربوني‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2040،‭ ‬بما‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬التزامات‭ ‬السلطنة،‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬إنجاز‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2025‭. ‬هذا‭ ‬وتتصدر‭ ‬مبادرة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الأخضر‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬عهد‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭  ‬الأمير‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬المعنية‭ ‬بتنمية‭ ‬الغطاء‭ ‬النباتي‭ ‬وزيادة‭ ‬مساحته‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬المنطقة،‭ ‬وتأتي‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التوجهات‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬التصدي‭ ‬لتغير‭ ‬المناخ‭ ‬وخفض‭ ‬التلوث‭ ‬بالتعاون‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الإقليم،‭ ‬وتعد‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬إحدى‭ ‬القوى‭ ‬الدافعة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬وتنميتها‭. ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المنظمة‭ ‬لهذه‭ ‬المبادرة،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬إعلانه‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬المؤسس‭ ‬لميثاق‭ ‬المبادرة‭ ‬وحوكمتها‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2022‭. ‬

مما‭ ‬سلف‭ ‬ذكره،‭ ‬يمكن‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬قد‭ ‬اعتمدت‭ ‬سياسات‭ ‬حضرية‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬وتأهيل‭ ‬المدن‭ ‬لتكون‭ ‬مستدامة،‭ ‬وشرعت‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬وتنفذ‭ ‬حالياً‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬والبرامج‭ ‬الممكنة‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭. ‬يبقى‭ ‬أن‭ ‬ننوه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬والاستراتيجيات‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬الحماس‭ ‬المصاحب‭ ‬للإعلانات‭ ‬حول‭ ‬المدن‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس،‭ ‬يتطلب‭ ‬وضع‭ ‬مؤشرات‭ ‬قابلة‭ ‬للقياس‭ ‬مع‭ ‬تحديد‭ ‬جدول‭ ‬زمني‭ ‬مرحلي‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الوعود‭ ‬بما‭ ‬يتسق‭ ‬ورؤى‭ ‬الدول‭ ‬حتى‭ ‬2030‭ ‬والتزاماتها‭ ‬للحياد‭ ‬الكربوني‭ ‬وكذلك‭ ‬الخطة‭ ‬الأممية‭ ‬للتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬2030‭. ‬

{ خبير‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬البيئة‭ ‬وتغير‭ ‬المناخ

suzanalajjawi@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا