زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
حكايتي مع الشاي (1)
توقفت عن شرب الشاي وعمري نحو 11 سنة، وبالتحديد بعد أن دخلت المدرسة المتوسطة، حيث استدعت الضرورة أن أقيم في السكن الداخلي بالمدرسة: «سكن وأكل وشرب» على حساب الحكومة (ومع هذا فإنني أعترف بأنني عارضت الحكومات السودانية المتعاقبة، فلم يقيض الله بعد لوطني حكومة تملأ عيني، ولم يكن ذلك باللسان فقط. وكلفني ذلك حريتي تارة ووظيفتي تارة أخرى، فهل أنا ناكر للجميل؟ إطلاقا).
المهم عندما تكون مقيماً في السكن الداخلي في مدرسة ما فمعنى ذلك أن تتناول الشاي قبل شروق الشمس بقليل بحسب النظام المعمول به، ومثل كثيرين من زملائي كنت أرى أن المسألة لا تستأهل وأنه من الخير لي أن أمد ساعات نومي، وهكذا كنا نصلي الصبح ثم ننام حتى قبل رنين الجرس بربع ساعة فنغسل وجوهنا جزئياً ثم نتوجه إلى حجرات الدراسة، وكان السواك على أيامنا تلك فرض كفاية فإذا استاك/تسوّك البعض سقط السواك عن الباقين، وحتى بعد أن دخلت الحياة العملية لم يكن للشاي مكان في برنامجي اليومي، وكان من الوارد أن أشرب كوب شاي واحداً في اليوم أو في الأسبوع أما القهوة فلا أظن أن مجموع ما شربته من أكوابها طوال حياتي يزيد على الخمسة. ولو رشفت جرعة من القهوة في السابعة صباحاً فإنني أظل صاحياً حتى السابعة من صباح اليوم التالي (كان هناك من يتعجبون من رفضي شرب القهوة وخاصة أيام الامتحانات على عهد الدراسة، طالما أنها تمنعني من النوم، ومن ثم تعينني على السهر، ولكن كانت لي فلسفة معاكسة للفهم العام للاستعداد للامتحانات، فما إن تبدأ الامتحانات حتى كنت أقدم موعد نومي حتى عن الساعة المعتادة، بمعنى أنني كنت أحرص على النوم المبكر والاستيقاظ المبكر إلى حد ما في مواسم الامتحانات، وبحمد الله كان مردود ذلك طيباً على الدوام، لأنني ببساطة كنت أستعد للامتحانات قبل موعد بدئها بكثير، ومن ثم بحلول الموعد أكون جاهزا للجلوس لها ولا أعاني من توتر أو شد عصبي)، وكنت إذا شربت شايا وضعت في الكوب العادي نحو ست ملاعق سكر (وهو المعدل السوداني المعتاد وأينما ذهبت هنا في الخليج يسألني العامل الآسيوي المكلف بإعداد الشاي: بابا سكر عادي وللا سوداني؟). ومن باب ترشيد الانفاق لم تكن أمي تتحمس كثيراً لدعوتي لشرب الشاي!
ثم جئت إلى منطقة الخليج حيث شرب الشاي في مواقع العمل إجباري، ما إن تدخل مكتبك حتى يوافيك «رفيق» بكوب شاي على رأس كل ساعة، حتى لتحسب أنه يتقاضى عمولة على استهلاكك للشاي، ويستدعيك المدير للتوبيخ ثم معاقبتك بخصم من الراتب ولكنه يصر على أن تشرب الشاي عنده أولاً، وبحكم طول الإقامة في الخليج أدمنت الشاي وخاصة بعد أن نجح أكثر من «رفيق» في إقناعي بمزايا الشاي الكرك، وهو أن تغلي ربع كيلو من الشاي لصنع كوب واحد وتضيف إليه اللبن بكمية محسوبة تجعل لون المشروب «بني غامق».
واستفحل إدماني للشاي إلى درجة أنني صرت لا «أتكيف» إلا من الشاي الذي أصنعه بيدي، وعندي حوضان للنعناع في بيتي لأنني اعشق الشاي الأحمر بالنعناع، وعلى الدوام أعد بنفسي كوب الشاي في البيت صباحاً وعصراً، بل صرت ملطشة: صار من المعتاد أن تطلب مني أم الجعافر –بكل بجاحة ووقاحة– أن أزودها بكوب شاي.. نسوان آخر زمن، وعندي في المكتب عدة كاملة لإعداد الشاي.. لا أحتاج إلى خدمات «رفيق» في مجال الشاي، وهكذا أبعدت عن نفسي شبهة التعامل مع البعثيين والشيوعيين وكل الرفاق!! ثم اكتشفت المزايا الصحية المهولة الناتجة عن شرب الشاي. فشكراً للخليج، وقد أحدثكم عنها غدا وقد لا... والأمور بيد الله ومن بعده يتوقف الأمر على مزاجي بعد كوب الشاي الصباحي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك