زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لماذا رشوة هنا وكوميشن هناك؟
في مسح استطلاعي أجرته منظمة الشفافية الدولية في تسع من الدول العاربة والمستعربة قبل أعوام قليلة، جاء أن 61% من المواطنين يعتقدون أن بلادهم تعاني من الفساد، ويقيني هو أن الـ39% الذين لم يوافقوا الغالبية الرأي، إما ضالعون في الفساد، أو ضائعون ولا يميزون بين الفساد والرشاد، أو أصحاب عيال، و«العيال مبخلة ومجبنة»، وعموما فنحن نخاف من إبداء الرأي حتى في استطلاعات الرأي التي لا يتم فيها إيراد الأسماء.
ومعظم حكوماتنا ترفض «الشفافية»، لأنها محافظة، وتستاء من «الشفافية» في ملابس الراقصات والمطربات، فكيف تريدون لها أن «تتشفشف»؟ بل إن بعض كبار المتنفذين عندنا، يغلقون الأبواب والنوافذ والستائر على أنفسهم كلما أرادوا تغيير آرائهم، ولأنهم يفعلون ذلك كثيرا فإن أعداء الوطن، يتهمونهم بالعيش في أبراج عاجية. أي عاجية الله يهدينا وإياكم، والعاج أبيض وهم يعيشون في غرف سوداء مظلمة لا تدخلها شمس الصباح، ولا شمس العصر الذي هم فيه في خُسر، وبالتالي فالشفافية «عيب»، ونحن قوم نرفض كشف الحال الذي يغني عن السؤال، ومنظمة الشفافية تنظر إلينا «من فوق»، وترى رجالنا بجلابيب طويلة، ونساءنا بعباءات من الرأس إلى التراب، فتحسب أن تحت السواهي دواهي، وأن غالبيتنا ماء تحت تبن.
أخذ آخر تقرير لتلك المنظمة علينا، أن واحدا من كل ثلاثة منا، دفع مبلغا من المال لمسؤول حكومي صغير أو كبير، لقضاء أمر ما، واعتبروا ذلك رشوة، بينما نحن نسمي مثل ذلك المبلغ «إكرامية» وهي كلمة فيها عناصر الكرم والتكريم، وأهل الغرب يشربون الخمر في الحانات، ثم يقدمون للنادل/ الجرسون مبلغا ماليا إضافيا فوق سعر الخمر الذي يطفحونه، ويعتقدون أن ذلك قمة الذوق والتهذيب. يا أولاد الذين، النادل يقدم لكم سائلا يذهب العقل والعافية، وقد يؤدي شربه الى ارتكاب جريمة، فلماذا تكافئونه على ذلك؟ ولماذا تسمون ما تقدمونه للنادل «تيب tip»/ بقشيش، وما نقدمه نحن لموظف حكومي رشوة؟ أليس التيب والإكرامية نظير خدمة ما؟ ثم أنكم تدفعون التيب نظير خدمة استفدتم منها سلفا، ونحن ندفع الإكرامية كعربون لنيل خدمة في وقت لاحق، فمن منا الأعقل؟
وحكوماتنا خيرية، ولها جهود مقدرة لحل مشكلة البطالة، ولهذا تسند مهام الوظيفة الواحدة لنحو عشرة أشخاص، ولا يقوم بتلك المهام سوى اثنين أو ثلاثة منهم، فما البأس في أن يتقاضى من يقومون بتصريف الأمور حوافز إضافية من الجماهير؟ سأعطيكم مثالا: يا جماعة الحرية والشفافية والرفاهية وحقوق الإنسان لماذا تتعمدون الإساءة إلى بعض حكوماتنا؟ دعونا نستعرض سطرا واحدا من إنجازاتكم في العراق بعد عام 2003: ألستم من أتى بنوري المالكي رئيسا لحكومة العراق ولايتين؟ فماذا عمل سوى زعزعة الأمن والاستقرار في بلاده؟ طبعا سيجد الأوروبيون والأمريكان له الأعذار، ويقولون إنه يعاني من اضطراب نفسي سبب له ازدواجية في الولاء (عواطفه موزعة بين بغداد وطهران)، وازدواج الشخصية، لأنه كان يسمى «جواد» قبل وصوله الى كرسي الحكم، ثم صار «نوري» بعد أن تسلم مقاليد السلطة، ولماذا نوري بالتحديد؟ عليك نور... لأنه اسم يوحي بحسن الفأل والأمل.
وجواد/ نوري المالكي هذا، شكل جيشا ضخما، ولم ير بأسا في أن يضم الجيش 150,000 من الجنود الأشباح: عساكر على الورق، يتقاضى رواتبهم «وكيلهم»، ولهذا قرر الجنود الحقيقيون أنهم يظلمون أنفسهم وعائلاتهم إذا اشتركوا في عمليات قتالية ضد داعش، فافتدوا أرواحهم بالدبابات والراجمات والذخائر التي سلموها لداعش، وقرأت تقرير منظمة الشفافية الدولية للأعوام 2013 و2014 و2015 ولم أجد فيها ذكرا لنوري التعيس هذا، ولكنها تحدثت عاما تلو عام عن الفساد المؤسسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لأن موظفين صغارا يتقاضون إكراميات نظير خدمات جليلة يقدمونها للمواطن، ولأن موظفين كبارا يتقاضون عمولات نظير تنفيذ مشاريع لخدمة المواطن، فلماذا عمولات جماعتنا «رشوة» وعمولات الغربيين «كوميشن»؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك