يشهد الشرق الأوسط موجة غير مسبوقة من الاضطرابات المناخية بعد أن ضربت عدة مدن عربية أمطار قياسية تجاوزت المعدلات التاريخية، في ظاهرة وصفها خبراء الأرصاد بأنها بداية «عصر المناخ الوحشي» الذي يتجلى في موجات مطر عنيفة وتطرف مناخي متسارع. وأكد المركز الوطني للأرصاد في السعودية أن ما شهدته المملكة كان من أعلى المعدلات المسجلة منذ بدء السجلات، فيما أعلنت الإمارات أن العاصفة المطرية عام 2024 حملت أكبر كمية هطول منذ 75 عاماً، وهو ما يتوافق مع تقديرات منظمة الأرصاد العالمية التي تشير إلى أن الشرق الأوسط أصبح أسرع مناطق العالم حرارة وأكثرها عرضة لتقلبات الرطوبة المدارية.
وتوضح البيانات أن النظام الماطر الأخير الذي ضرب المنطقة كان غير نمطي على الإطلاق، بعدما تحرك من مصدر استوائي عبر البحر الأحمر قبل أن ينفجر فوق مناطق داخلية لا تشهد عادة هذا المستوى من الرطوبة. وأشارت الأرصاد الفلسطينية إلى أن المنخفضات الجوية باتت تحمل كميات استثنائية من الرطوبة مقارنة بالعقود السابقة، بينما أكدت الأرصاد الأردنية أن الأنظمة الجوية أصبحت أبطأ وأكثر قدرة على إنتاج أمطار غزيرة خلال فترات قصيرة، وهو ما تثبته دراسات معهد ماكس بلانك التي كشفت عن تباطؤ حركة الأنظمة الجوية بنسبة تصل إلى 30%، ما يعني بقاء السحب فوق مناطق محددة فترات أطول وتزايد احتمالات الهطول العنيف.
وتؤكد تقارير الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ أن الظواهر المطرية القصوى تزداد بنحو 7% مقابل كل ارتفاع بدرجة مئوية واحدة، بينما تظهر دراسات ناسا وNOAA أن الهواء الدافئ أصبح قادراً على حمل رطوبة أكثر بقرابة 14% مقارنة بالقرن الماضي، في وقت ارتفعت فيه حرارة سطح البحر الأحمر وبحر العرب بما بين درجة و1.4 درجة، ما أدى إلى تضخيم عمليات التبخر وتغذية المنخفضات الجوية بكميات هائلة من بخار الماء.
وفي العديد من الدول العربية يتكرر التحذير من زيادة الظواهر المتطرفة؛ إذ أكدت سلطنة عمان أن الأعاصير المدارية في بحر العرب ازدادت قوة وتكراراً خلال العقدين الماضيين، فيما أشارت مصر وقطر إلى تغيّر واضح في نمط الفصول وزيادة الظواهر الجوية غير الاعتيادية. ورغم أن المنطقة ترتفع حرارتها بسرعة فإن ذلك لا يعني ارتفاعاً ثابتاً في درجات الحرارة فقط، إذ تشير الدراسات إلى احتمال حدوث موجات برد مفاجئة بسبب تذبذب التيار النفاث، وهو ما دفع الأرصاد الأردنية إلى التحذير من أن موجات الثلوج الشديدة باتت ممكنة ضمن أنماط الطقس الجديدة.
وتظهر تقديرات منظمة الأرصاد العالمية أن ما كان يُتوقع وقوعه عام 2060 يحدث الآن قبل أوانه، بعدما تجاوز العالم عتبة 1.5 درجة مئوية عدة مرات خلال العامين الماضيين، في خروج واضح عن التوازن المناخي. ووفق البنك الدولي، سيواجه أكثر من 400 مليون شخص في الشرق الأوسط ضغوطاً متزايدة في موارد المياه، فيما ستتضاعف احتياجات الطاقة مع موجات الحر الممتدة، وقد تتراجع الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 30% في بعض الدول، بينما يحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من موجات حر قد تتجاوز 60 درجة في الخليج وارتفاع لمستوى البحر يهدد مدناً ساحلية كالإسكندرية والبصرة والدوحة.
وتجمع مراكز الأرصاد في المنطقة على أن الشرق الأوسط دخل مرحلة «عدم اليقين المناخي»، حيث تحولت الظواهر المتطرفة من حوادث متباعدة إلى نمط متكرر وسريع الإيقاع. وتشير منظمة الأرصاد العالمية إلى أن العالم لم يعد يقترب من نقطة اللاعودة المناخية فحسب، بل تجاوزها مؤقتاً، وأن الأمطار القياسية الأخيرة ليست أحداثاً معزولة بل انعكاسا مباشرا لمرحلة مناخية جديدة أكثر قسوة مما توقعته النماذج قبل سنوات.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك