في استطلاع نشرته شركة الأبحاث الفرنسية العالمية «إبسوس» أواخر العام الماضي تحت عنوان (ماذا يقلق العالم؟)، وشارك فيه أكثر من 23 ألف شخص من 29 دولة، أكد أن أكبر مصدر للقلق بالنسبة إليهم هو التضخم وزيادة تكاليف المعيشة. وفي الوقت الذي يعد الحصول على المال الكافي هو أكثر ما يشغل الأفراد في جميع دول العالم، فإن التضخم يعد هو العدو الأكبر لهذه الأموال. وهذا ما يجعل الأفراد يتساءلون عن أفضل أساليب الهروب من التضخم والحفاظ على القدرات الشرائية؟
هنا تبرز الإجابة الأشهر وهي الاستثمار الذي يعد أفضل وسيلة للحفاظ على المال وتحويله إلى ثروة على المدى البعيد. وبالطبع فإن للاستثمار أشكالا وأدوات مختلفة، ولكن من أشهر هذه الأشكال وأقدمها هو الاستثمار في العقارات الذي يعد السر في كثير من الثروات التي يملكها عدد ضخم من أثرياء العالم. ولكن.. هل كل من يستثمر في العقار يكسب؟ وما أبرز أدوات الاستثمار العقاري الحديثة الناجحة في الأسواق العالمية؟
هذا الموضوع يناقشه الدكتور أشرف إبراهيم في قناته المخبر الاقتصادي، لافتا إلى أن أول خطوة مطلوبة لأي مهتم بالاستثمار في القطاع العقاري هي فهم طبيعة هذا الاستثمار، خاصة مع بروز أدوات استثمارية عقارية مختلفة بشكل كبير عن الأدوات التقليدية. ومن أهم هذه الأدوات الرائجة في كثير من الأسواق العالمية ولكنها تعد نوعا ما حديثة في أسواق المنطقة هي شركات تملك وتشغيل العقارات (REOC)، التي تمكن المستثمرين من الوصول إلى فرص استثمارية عقارية كان من الصعب الوصول إليها سابقا، كما توفر لهم نوعا من الحماية من مشاكل الاستثمار العقاري التقليدي.
ويشرح الدكتور أشرف ذلك بقوله: «في مايو 2025، عقد المؤتمر السنوي لشركة الاستثمار الأمريكية (بيركشاير هاثاواي) بحضور مؤسسها المستثمر الأشهر عالميا وارن بافت الذي يعد من أنجح المستثمرين ويدير أصول تتجاوز ترليون دولار. وخلال المؤتمر سُئل بافت عن أسباب تفضيله الاستثمار في الأسهم على العقارات. وعلق على ذلك بأن الاستثمار العقاري يقدم فرصا كبيرة جدا، ولكنه بالنسبة إليه أصعب من الاستثمار في الأسهم لأن عملية التفاوض على الصفقة العقارية تستغرق غالبا وقتا طويلا، وتضم أطرافا متعددة ما يعقد المفاوضات. في حين أن صفقات الأسهم يمكن إنجازها في ثوان من دون حتى تفاوض.
وهذا ما يعني أن هناك مشاكل تواجه المستثمرين في السوق العقاري خاصة بالنسبة إلى صغار المستثمرين. فعلى سبيل المثال، لو امتلك شخص مبلغا من المال يمكنه من شراء عقار والدخول إلى سوق العقار. فإن هذا لا يعني أنه ضمن النجاح لأنه سيبقى خاضعا لقيود رأس المال، ففي النهاية، غالبا ما يجعله المبلغ الذي يمتلكه محصورا في خيارات محددة ضمن الاستثمار العقاري التقليدي، كأن يكون محصورا على العقار السكني وليس التجاري أو المكتبي التي تكون أسعارها أعلى بكثير. وبالتالي يضطر إلى شراء عقار محدود، أو شراء عقار أكبر في مكان غير مميز، أو يدفع ما يملكه مقدما لعقار أكبر في مكان مميز ثم يعاني مع الدفعات التالية. وبنفس الوقت تبقى أمواله في سلة واحدة ومرهونة بمصير العقار وبصحة القرارات التي يتخذها. وعندما يرغب في البيع سيصدم بأنه قد يحتاج إلى وقت أطول مما توقعه. والكثير من الأفراد لا يمتلكون رفاهية الانتظار طويلا، ويقبلون البيع بسعر أقل من القيمة السوقية نتيجة أي ظرف. وهذا ما يعني أنه عند الحاجة إلى مبلغ معين، فإن مالك العقار يضطر إلى تسييل العقار بالكامل وليس جزءا منه. وهذا النوع من المشاكل يحرم الكثير من صغار المستثمرين تحقيق عوائد جيدة من الاستثمار العقاري.
هنا تبرز إحدى أهم أدوات الاستثمار العقاري في سوق المال كأحد الحلول الناجحة لمشاكل الاستثمار التقليدي وهي شركات تملُّك وتشغيل العقارات، وهي شركات مساهمة عامة تعتمد على الاستثمار النشط في العقارات. وتبدأ الشركة بجمع رأس مال بين عدة مستثمرين، وتوجه هذه الأموال إلى شراء عقارات استثمارية مثل مكاتب أو مخازن أو مبان تجارية أو سكنية، ثم تعمد الشركة إلى خطوة أهم وهي إدارة العقارات، وهذا ما يشمل التأجير والتسويق والصيانة. وهنا تبدأ الشركة في تحقيق الأرباح إلى جانب الأرباح من بيع أي أصل من المحفظة.
ومع نمو نشاط الشركة تدريجيا، تعمد إلى خطوة أكبر وهي الاكتتاب العام في البورصة وفق نظم وقواعد وتحقق رسمي من أداء الشركة، وأهمية هذه الخطوة هي أن فتح المجال للمستثمرين في المشاركة يساعد الشركة على زيادة رأس المال والاستثمار في أصول جديدة وبالتالي مضاعفة حجم المحفظة العقارية وتحقيق أرباح أكبر. وبنفس الوقت، يمتلك أصحاب الأسهم حصصا في الشركة وفي الأصول العقارية. وهذا ما يجنبهم عناء البحث والتفاوض والصيانة والتسويق وقيود رأس المال المشاكل التي يعاني منها صغار المستثمرين. وبنفس الوقت يمكن بيع الأسهم في لحظة واحدة، مع عدم الاضطرار إلى بيع الأصول بالكامل. كما يحقق هذا الأسلوب التنويع في أنواع العقارات لدى المستثمر بدلا من الاقتصار على عقار سكني أو تجاري. وهنا تكون جميع الأطراف مستفيدة.
من جانب اخر، هذا النوع من الشركات العقارية تتميز بتحقيق أرباح من ارتفاع أسعار الأسهم، وبنفس الوقت تمتلك مرونة قانونية لتوزيع الأرباح على حملة الأسهم أو احتجازها لاستثمارها في تكبير حجم الأصول وتوسيع المحفظة العقارية لصالح المستثمر مستقبلا. وبمرور الوقت تنمو قيمة المحفظة تدريجيا وبشكل كبير. وكلما زادت قيمة المحفظة، ترتفع القيمة السوقية للشركة، وهذا ما ينعكس على أسعار الأسهم وعلى الأرباح. أي إن عدم توزيع أرباح في الوقت الحالي قد يعني توزيع أرباح أكبر بكثير في المرحلة القادمة. وهنا تبرز أهمية الإدارة في هذا النوع من الاستثمار العقاري، حيث يتطلب وجود فريق واع ويمتلك خبرة كبيرة في السوق العقاري وقادر على اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب استنادا إلى قاعدة بيانات قوية.
وعلى الرغم من أن هذا النوع من الاستثمار العقاري يعد من أكثر الأدوات الاستثمارية نجاحا وانتشارا في الدول الغربية، إلا أنه لا يزال غير منتشر في أسواق المنطقة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك