العدد : ١٧٣٦٩ - الأحد ١٢ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٩ - الأحد ١٢ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٠ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

أخبار البحرين

هل عزز الإعلام الوصمة الاجتماعيـة للــمرض النفسي؟

تحقيق: محمد الساعي

الأحد ١٢ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

آباء في البحرين يرفضون علاج أبنائهم خوفا على سمعتهم.. وأبناء يلجأون إلى العيادات النفسية سرا

بعض وسائل الإعلام حصرت صورة المريض النفسي بالجنون.. الإجرام.. الإدمان.. والشفقة!

«الصحة العالمية»: مليار شخص حول العالم يعانون من اضطرابات نفسية

وسائل الإعلام مطالبة بكسر الصورة النمطية وإعادة صياغة الخطاب في التعامل مع المرض النفسي


تصوير‭- ‬عبدالأمير‭ ‬السلاطنة

 

لفتت‭ ‬دراسةٌ‭ ‬تحليليَّةٌ‭ ‬ميدانيَّة‭ ‬نشرتها‭ ‬مجلةُ‭ ‬البحوثِ‭ ‬الإعلاميَّة‭ ‬بعنوان‭ (‬الصورةُ‭ ‬النمطيةُ‭ ‬للمرض‭ ‬النفسي‭ ‬بالدراما‭ ‬التلفزيونية‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالوصم‭ ‬الدرامي‭ ‬والاجتماعي‭) ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بعضَ‭ ‬وسائلِ‭ ‬الإعلامِ‭ ‬والأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬أسهمت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ (‬تعزيز‭ ‬الوصم‭ ‬الدرامي‭ ‬والاجتماعي‭) ‬وإعطاء‭ ‬صورة‭ ‬غير‭ ‬واقعية‭ ‬عن‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬كما‭ ‬تعدُّ‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬مادةً‭ ‬ثرية‭ ‬لكتاب‭ ‬الدراما،‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬صورةٍ‭ ‬سلبيَّة‭ ‬لمصابي‭ ‬المرض‭ ‬النفسي‭. ‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬أكَّد‭ ‬المركزُ‭ ‬الوطني‭ ‬لتعزيز‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يتمُّ‭ ‬تداولُه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عن‭ ‬المرضى‭ ‬النفسيين‭ ‬والعقليين‭ ‬يعززُ‭ ‬من‭ ‬الوصمةِ‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لهم‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يزيدُ‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬تلقيهم‭ ‬الخدمات‭ ‬العلاجية‭ ‬التي‭ ‬يحتاجون‭ ‬إليها،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬إقصائهم‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬ومن‭ ‬ممارسة‭ ‬حياتهم‭ ‬الطبيعية‭ ‬بسبب‭ ‬المرض‭. ‬

ووفقا‭ ‬لمنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬فإن‭ ‬الوصمَ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الرفض‭ ‬والتمييز‭ ‬والإقصاء،‭ ‬ويؤثرا‭ ‬في‭ ‬كرامة‭ ‬الناس‭ ‬وثقتهم‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬لآثار‭ ‬الوصم‭ ‬أن‭ ‬تضر‭ ‬بالصحة‭ ‬العقلية‭ ‬للشخص‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬العزلة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والاكتئاب،‭ ‬والمعاناة‭ ‬والوحدة‭ ‬وانتشار‭ ‬الخوف‭ ‬وانعدام‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬يثير‭ ‬تساؤلا‭ ‬مهما‭ ‬حول‭ ‬الدور‭ ‬السلبي‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الوصمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬إزاء‭ ‬المرض‭ ‬النفسي،‭ ‬وخلق‭ ‬فجوة‭ ‬كبيرة‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬والعيادات‭ ‬النفسية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬بحثه‭ ‬المنتدى‭ ‬الذي‭ ‬نظمه‭ ‬مستشفى‭ ‬سلوان‭ ‬مؤخرا‭ ‬ضمن‭ ‬الحملة‭ ‬التوعوية‭ (‬ترى‭ ‬عادي‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬ناقش‭ ‬‮«‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬للمرض‭ ‬النفسي‭ ‬في‭ ‬التغطيات‭ ‬الإعلامية‭ ‬وتأثيرها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‮»‬،‭ ‬بمشاركة‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬،‭ ‬ورئيس‭ ‬تحرير‭ ‬صحيفة‭ ‬البلاد‭ ‬الأستاذ‭ ‬مؤنس‭ ‬المردي،‭ ‬ورئيس‭ ‬قسم‭ ‬المحررين‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الوطن‭ ‬الصحفية‭ ‬زهراء‭ ‬حبيب،‭ ‬وأدارت‭ ‬الحوار‭ ‬الصحفية‭ ‬منى‭ ‬سليم‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬الأيام‭.‬

مشكلة‭ ‬عالمية

نقاشات‭ ‬المنتدين‭ ‬خلصت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يعاني‭ ‬فعلا‭ ‬من‭ ‬وصمة‭ ‬اجتماعية‭ ‬تخلق‭ ‬حواجز‭ ‬كبيرة‭ ‬وتجعل‭ ‬الأفراد‭ ‬والأسر‭ ‬تتردد‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬العيادات‭ ‬النفسية‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬درجة‭ ‬الاحتياج‭ ‬إليها‭. ‬وهذه‭ ‬الوصمة‭ ‬لعبت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬من‭ ‬مقروءة‭ ‬ومسموعة‭ ‬ومرئية‭ ‬وسينما‭ ‬ومسرح،‭ ‬دورا‭ ‬سلبيا‭ ‬في‭ ‬تعزيزها‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬السابقة‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬النضج‭ ‬الذي‭ ‬تتميز‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القضايا،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬الى‭ ‬المستوى‭ ‬المطلوب‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الصورة‭ ‬الذهنية‭ ‬لدى‭ ‬الجمهور‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأمراض‭ ‬النفسية‭. ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬تبقى‭ ‬تراكمات‭ ‬وترسبات‭ ‬العقود‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تعامل‭ ‬الإعلام‭ ‬مع‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬قائمة‭ ‬ومؤثرا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬

ففي‭ ‬البحرين‭ ‬مثلا،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬وبسبب‭ ‬الوصمة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬تحرم‭ ‬أبناءها‭ ‬من‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬الاكتئاب‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الميول‭ ‬الانتحارية،‭ ‬ويبرر‭ ‬الآباء‭ ‬هذا‭ ‬الرفض‭ ‬بأنهم‭ ‬يخشون‭ ‬على‭ ‬مستقبلهم‭ ‬كأن‭ ‬يرفض‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬البنت‭ ‬بسبب‭ ‬علاجها‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬عيادة‭ ‬نفسية،‭ ‬أو‭ ‬يرفض‭ ‬توظيف‭ ‬الابن‭ ‬لذات‭ ‬الحجة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬الأدوية‭ ‬النفسية‭ ‬تسبب‭ ‬الإدمان‭.‬

ويؤكد‭ ‬الأطباء‭ ‬النفسيون‭ ‬أنهم‭ ‬عند‭ ‬نقاشاتهم‭ ‬مع‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬النظرة،‭ ‬يكتشفون‭ ‬أنهم‭ ‬بنوا‭ ‬معتقداتهم‭ ‬هذه‭ ‬نتيجة‭ ‬ما‭ ‬تعرضوا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬إعلامية‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬التلفزيون‭ ‬والسينما‭.‬

وبالمقابل،‭ ‬يضطر‭ ‬بعض‭ ‬الأبناء‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬للعيادات‭ ‬النفسية‭ ‬سرا‭ ‬ويطلبون‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬عدم‭ ‬إبلاغ‭ ‬أسرهم‭ ‬بذلك،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬وعيا‭ ‬متزايدا‭ ‬لدى‭ ‬الأفراد‭ ‬إزاء‭ ‬الطب‭ ‬النفسي،‭ ‬ولكنه‭ ‬بنفس‭ ‬الوقت‭ ‬يعكس‭ ‬حجم‭ ‬الإشكالية‭ ‬القائمة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالوصمة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬

ووفقا‭ ‬لأطباء‭ ‬نفسيين‭ ‬بحرينيين،‭ ‬فإن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬المقتدرة‭ ‬تعالج‭ ‬أبناءها‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬هروبا‭ ‬من‭ ‬الوصمة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وأحيانا‭ ‬تصل‭ ‬تكلفة‭ ‬العلاج‭ ‬إلى‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬توافره‭ ‬مجانا‭ ‬أو‭ ‬بأسعار‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬في‭ ‬البحرين‭!.‬

تعزيز‭ ‬الوصمة

وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لعبت‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬هذه‭ ‬الوصمة‭ ‬والرفض‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للطب‭ ‬النفسي‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬جوانب‭. ‬فمن‭ ‬جانب،‭ ‬رسخت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬تصويرا‭ ‬سلبيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬المريض‭ ‬النفسي‭ ‬بشكل‭ ‬سلبي‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬صورتين،‭ ‬إما‭ ‬شخص‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬تخلف‭ ‬عقلي‭ ‬ويقوم‭ ‬بحركات‭ ‬غريبة‭ ‬ويسمى‭ ‬مجنونا،‭ ‬أو‭ ‬مجرم‭ ‬خطير‭ ‬لديه‭ ‬سجلات‭ ‬سابقة‭ ‬في‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي‭.‬

وحتى‭ ‬الطبيب‭ ‬النفسي‭ ‬كان‭ ‬محل‭ ‬سخرية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬منتجات‭ ‬السينما،‭ ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬بقي‭ ‬اسم‭ (‬مستشفى‭ ‬المجانين‭) ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬على‭ ‬مصحات‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬عزز‭ ‬من‭ ‬الوصمة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

كما‭ ‬أسهم‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬معلومات‭ ‬مغلوطة‭ ‬عن‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬مثل‭ ‬الإدمان‭ ‬على‭ ‬الأدوية‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬إمكانية‭ ‬التعافي‭ ‬والعلاج‭. ‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬تنشر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬الأحداث‭ ‬والأخبار‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬توعية،‭ ‬كأن‭ ‬يشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المجرم‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بجريمة‭ ‬مروعة‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬انتحر،‭ ‬بأنه‭ ‬يعاني‭ ‬أمراضا‭ ‬نفسية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬معلومات‭ ‬كافية‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬المرض‭ ‬ومضاعفاته‭ ‬وطبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬هذا‭ ‬المريض‭.‬

أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬المريض‭ ‬النفسي،‭ ‬فغالبا‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬المريض‭ ‬النفسي‭ ‬فقيرا‭ ‬ومن‭ ‬طبقة‭ ‬دنيا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وغير‭ ‬متعلم،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬مثير‭ ‬للشفقة‭. ‬وعززت‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬من‭ ‬ترويج‭ ‬مصطلحات‭ ‬خاطئة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬مجنون‮»‬،‭ ‬‮«‬مختل‮»‬،‭ ‬و«مهووس‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬ساخر‭.‬

وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬ذاته،‭ ‬تبرز‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬قصص‭ ‬جرائم‭ ‬مرتبطة‭ ‬باضطرابات‭ ‬نفسية،‭ ‬وتركز‭ ‬على‭ ‬الحالات‭ ‬السلبية‭ ‬المتطرفة‭ ‬فقط،‭ ‬مع‭ ‬تجاهل‭ ‬قصص‭ ‬النسبة‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬النفسيين‭ ‬المسالمين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬حياة‭ ‬طبيعية‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬أن‭ ‬الدراسات،‭ ‬ومنها‭ ‬دراسة‭ ‬أجريت‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يقضون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات‭ ‬يوميًا‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعرض‭ ‬للمحتوى‭ ‬السلبي‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للإصابة‭ ‬بأعراض‭ ‬القلق‭ ‬والاكتئاب‭ ‬واضطرابات‭ ‬النوم‭. ‬وبالتالي‭ ‬يكون‭ ‬تأثير‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬الوصمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬مزدوجا‭.‬

مسؤولية‭ ‬أخلاقية

كل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬ذكره‭ ‬من‭ ‬أدوار‭ ‬سلبية‭ ‬لعبتها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬سابقة،‭ ‬يلقي‭ ‬على‭ ‬الإعلاميين‭ ‬مسؤولية‭ ‬أخلاقية‭ ‬ومهنية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الوصمة‭ ‬وتعزيز‭ ‬الوعي‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬ركز‭ ‬عليه‭ ‬الأستاذ‭ ‬مؤنس‭ ‬المردي،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬ترفًا‭ ‬أو‭ ‬قضية‭ ‬هامشية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الحديث،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬مكونات‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬وجودة‭ ‬الحياة‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتقدم‭ ‬فيه‭ ‬السياسات‭ ‬الصحية‭ ‬بخطوات‭ ‬واضحة،‭ ‬تبقى‭ ‬التغطيات‭ ‬الإعلامية‭ ‬عاملاً‭ ‬حاسمًا‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬وعي‭ ‬الجمهور‭ ‬ومواقفه‭. ‬هنا‭ ‬تبرز‭ ‬مسؤولية‭ ‬الإعلاميين‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬كناقلين‭ ‬للخبر،‭ ‬بل‭ ‬كصانعي‭ ‬وعي،‭ ‬يمتلكون‭ ‬أدوات‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬سلبًا‭ ‬أو‭ ‬إيجابًا‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬مفهوم‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬في‭ ‬التغطية‭ ‬الإعلامية‭ ‬يستند‭ ‬على‭ ‬ركائز‭ ‬ومبادئ‭ ‬وأدوار‭ ‬مهمة‭ ‬أبرزها‭:‬

‭-  ‬القيمة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المصابين‭ ‬بالاضطرابات‭ ‬النفسية‭ ‬باعتبارهم‭ ‬بشرًا‭ ‬كاملي‭ ‬الحقوق،‭ ‬لا‭ ‬موضوعًا‭ ‬مثيرًا‭ ‬أو‭ ‬مادة‭ ‬للتندر‭.‬

‭- ‬حماية‭ ‬الكرامة‭ ‬وتجنب‭ ‬استخدام‭ ‬الألفاظ‭ ‬الجارحة‭ ‬أو‭ ‬الصور‭ ‬المهينة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤذي‭ ‬المريض‭ ‬وأسرته‭.‬

‭- ‬عدم‭ ‬الإيذاء‭. ‬فالإعلامي‭ ‬ملتزم‭ ‬بألا‭ ‬يؤدي‭ ‬عمله‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬وصمة‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬وصم‭ ‬فرد‭ ‬بعينه‭.‬

‭-  ‬الدقة‭ ‬والموضوعية‭ ‬ونشر‭ ‬المعلومات‭ ‬الصحيحة‭ ‬المدعومة‭ ‬بمصادر‭ ‬علمية،‭ ‬لا‭ ‬الانجرار‭ ‬وراء‭ ‬الأساطير‭ ‬الشعبية‭ ‬مثلا‭.‬

‭- ‬التوازن‭ ‬وتقديم‭ ‬الصورة‭ ‬الكاملة‭ ‬للقضية،‭ ‬بحيث‭ ‬تشمل‭ ‬التحديات‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وقصص‭ ‬النجاح‭ ‬والتعافي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

‭- ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬عند‭ ‬نشر‭ ‬الأخبار‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬الخبراء‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والطب‭ ‬النفسي‭ ‬لتفسير‭ ‬الظواهر‭.‬

‭- ‬تجنّب‭ ‬الإثارة‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬العناوين‭ ‬المبالغ‭ ‬فيها‭ ‬التي‭ ‬تستغل‭ ‬معاناة‭ ‬المرضى‭ ‬لجذب‭ ‬القرّاء‭.‬

كما‭ ‬يبرز‭ ‬دور‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الوصمة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدة‭ ‬أدوار‭ ‬أهمها‭:‬

‭- ‬كسر‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬وإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي‭ ‬بما‭ ‬يبرز‭ ‬أن‭ ‬المرض‭ ‬النفسي‭ ‬مرض‭ ‬طبي‭ ‬يمكن‭ ‬علاجه‭ ‬وليس‭ ‬عيبًا‭ ‬أو‭ ‬وصمة‭.‬

‭- ‬منح‭ ‬المريض‭ ‬فرصة‭ ‬إبداء‭ ‬صوته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشر‭ ‬مقابلات‭ ‬وشهادات‭ ‬شخصية‭ ‬لمتعافين‭ ‬تسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬تجاربهم‭ ‬الإنسانية‭.‬

‭-‬إدماج‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬المحتوى‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬اقتصادية‭.‬

‭ - ‬تحويل‭ ‬القصة‭ ‬الفردية‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬عامة،‭ ‬وإبراز‭ ‬أن‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬شأن‭ ‬مجتمعي‭ ‬يتطلب‭ ‬حلولًا‭ ‬جماعية‭.‬

ولكن‭ ‬ليس‭ ‬الأمر‭ ‬بالسهولة‭ ‬التي‭ ‬نتمناها،‭ ‬فهناك‭ ‬تحديات‭ ‬تواجه‭ ‬الإعلاميين‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬بهذا‭ ‬الدور،‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭:‬

‭-  ‬الضغط‭ ‬التجاري،‭ ‬مثل‭ ‬سعي‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬للإثارة‭ ‬والمشاهدات‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المعايير‭ ‬الأخلاقية‭.‬

‭- ‬ضعف‭ ‬التدريب‭ ‬ونقص‭ ‬البرامج‭ ‬المتخصصة‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬وعي‭ ‬الصحفيين‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭.‬

‭- ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬وصعوبة‭ ‬تغيير‭ ‬الصور‭ ‬النمطية‭ ‬الراسخة‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي‭.‬

لكن‭ ‬تبقى‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والمهنية‭ ‬للإعلاميين‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬التزام‭ ‬أدبي،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬شرط‭ ‬أساسي‭ ‬لنجاح‭ ‬أي‭ ‬جهود‭ ‬وطنية‭ ‬أو‭ ‬إقليمية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭. ‬الصحفي‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬المنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بقدر‭ ‬تأثيره‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭.‬

تقليص‭ ‬الفجوة

أمام‭ ‬ذلك،‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬قائما،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تقليص‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الجهود‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬تُبذل،‭ ‬والمحتوى‭ ‬الإعلامي‭ ‬المطالب‭ ‬بالتعامل‭ ‬الجاد‭ ‬مع‭ ‬إشكالية‭ ‬الوصمة‭ ‬الاجتماعية؟

الإعلامية‭ ‬زهراء‭ ‬حبيب‭ ‬تجيب‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬لافتة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بيانات‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬لعام‭ ‬2025‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليار‭ ‬شخص‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬اضطرابات‭ ‬نفسية‭ ‬مثل‭ ‬القلق‭ ‬والاكتئاب‭. ‬فيما‭ ‬تشير‭ ‬تقديرات‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الانتحار‭ ‬حصد‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬أرواح‭ ‬727‭ ‬ألفَ‭ ‬شخص‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬الدولية،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إعلان‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الرسمية‭ ‬للمصابين‭ ‬بالأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬والخطط‭ ‬العلاجية‭ ‬وقصص‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬المراكز‭ ‬الصحية‭ ‬والنفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبدأ‭ ‬الفجوة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬العمل‭ ‬عليها،‭ ‬لأن‭ ‬وجود‭ ‬المعلومات‭ ‬الكافية‭ ‬والرسمية‭ ‬أساس‭ ‬لإعداد‭ ‬التقارير‭ ‬والتحقيقات‭ ‬والدراسات‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬الحلول‭. ‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬والمسلسلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬تعرض‭ ‬المعالج‭ ‬النفسي‭ ‬كضرورة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الشخص،‭ ‬ومن‭ ‬المعتاد‭ ‬أن‭ ‬يلجأ‭ ‬الفرد‭ ‬إلى‭ ‬المعالج‭ ‬حتى‭ ‬لمجرد‭ ‬الفضفضة،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬مفقود‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬والدراما‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يخلق‭ ‬فجوة‭ ‬تعود‭ ‬أسبابها‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬أبرزها‭:‬

‭- ‬ضعف‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحية‭ ‬والإعلامية‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬للحملات‭ ‬التوعوية،‭ ‬بأهمية‭ ‬الموضوع‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬عيب‭ ‬نلجأ‭ ‬إلى‭ ‬معالج‭ ‬أو‭ ‬طبيب‭ ‬نفسي‭. ‬

‭- ‬قلة‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الصحي‭ ‬النفسي،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬سطحي‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬علمي،‭ ‬ويقابله‭ ‬قلة‭ ‬الأطباء‭ ‬ذي‭ ‬الدراية‭ ‬بالظهور‭ ‬الإعلامي‭. ‬

‭- ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الإثارة‭ ‬والدراما‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الطرح‭ ‬التوعوي‭ ‬الهادئ‭. ‬فمثلا‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تطرح‭ ‬كأخبار‭ ‬ترد‭ ‬في‭ ‬الحوادث‭ ‬والقضايا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مسلسلات‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الإثارة‭.‬

‭- ‬غياب‭ ‬التدريب‭ ‬الإعلامي‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تناول‭ ‬القضايا‭ ‬النفسية‭ ‬الحساسة‭ (‬مثل‭ ‬الاكتئاب‭ ‬والانتحار‭). ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالإعلام‭ ‬الإنساني‭. ‬

‭- ‬الوصمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬تناول‭ ‬الموضوعات‭ ‬النفسية‭ ‬صعبًا‭ ‬أو‭ ‬محدودًا‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي‭.‬

ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬نجد‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التضارب‭ ‬في‭ ‬الرسائل‭ ‬بين‭ ‬الإعلام‭ ‬والجهات‭ ‬الصحية‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬نشر‭ ‬دراسات‭ ‬وإحصائيات‭ ‬دقيقة‭. ‬

ونجد‭ ‬كذلك‭ ‬استمرارا‭ ‬للصور‭ ‬النمطية‭ ‬عن‭ ‬المرضى‭ ‬النفسيين‭ ‬لعدم‭ ‬توفر‭ ‬قصص‭ ‬نجاح‭ ‬وحملات‭ ‬توعية‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬هناك‭ ‬ضعف‭ ‬الثقة‭ ‬بالعلاج‭ ‬النفسي‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المتخصصة‭ ‬لتصور‭ ‬الناس‭ ‬بأن‭ ‬المرضى‭ ‬مجانين‭ ‬مثلا‭. ‬وما‭ ‬يزيد‭ ‬الأمر‭ ‬سوءا‭ ‬هو‭ ‬انتشار‭ ‬‮«‬التشخيص‭ ‬الذاتي‮»‬‭ ‬والمعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل،‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬ثقافة‭ ‬المعالج‭ ‬النفسي،‭ ‬لأن‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬هو‭ ‬الطبيب‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬علاجه‭ ‬على‭ ‬الدواء،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬والتعامل‭ ‬النفسي‭.‬

وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬اعتماد‭ ‬آليات‭ ‬فاعلة‭ ‬لتقليص‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الإعلام‭ ‬والجهود‭ ‬الصحية،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬الآليات‭:‬

‭- ‬بناء‭ ‬شراكات‭ ‬رسمية‭ ‬بين‭ ‬وزارات‭ ‬الصحة‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لتوحيد‭ ‬الخطاب‭ ‬التوعوي‭.‬

‭- ‬تدريب‭ ‬الإعلاميين‭ ‬على‭ ‬المفاهيم‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬وأخلاقيات‭ ‬تناولها‭ ‬إعلاميًا،‭ ‬لاستخدامها‭ ‬في‭ ‬مواضيعهم‭ ‬لما‭ ‬يعرف‭ ‬بالإعلام‭ ‬الإنساني‭ ‬الذي‭ ‬يراعي‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬من‭ ‬القصة‭ ‬الخبرية‭. ‬

‭- ‬إشراك‭ ‬الأطباء‭ ‬النفسيين‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬المحتوى‭ ‬وتدقيق‭ ‬المعلومات‭ ‬قبل‭ ‬نشرها‭.‬

‭- ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬إعلامية‭ ‬مسؤولة‭ ‬عند‭ ‬تغطية‭ ‬قضايا‭ ‬الانتحار‭ ‬أو‭ ‬الاضطرابات‭ ‬النفسية‭.‬

‭- ‬إطلاق‭ ‬حملات‭ ‬توعوية‭ ‬مشتركة‭ ‬تُستخدم‭ ‬فيها‭ ‬لغة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬وتتناسب‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭.‬

‭- ‬تشجيع‭ ‬الدراما‭ ‬والبرامج‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬تعالج‭ ‬الاضطرابات‭ ‬النفسية‭ ‬بصورة‭ ‬إنسانية‭ ‬واقعية‭.‬

‭- ‬قياس‭ ‬أثر‭ ‬الرسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬بانتظام‭ ‬لتطوير‭ ‬أسلوب‭ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي‭ ‬الصحي‭.‬

‭- ‬اعتماد‭ ‬دليل‭ ‬استرشادي‭ ‬لتغطية‭ ‬الأخبار‭ ‬والقضايا‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالصحة‭ ‬النفسية‭.‬

وهنا‭ ‬يجب‭ ‬تأكيد‭ ‬ما‭ ‬شدد‭ ‬عليه‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬لمنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬‮«‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬يعني‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الناس‭ ‬والمجتمعات‭ ‬المحلية‭ ‬والاقتصادات،‭ ‬وهو‭ ‬استثمار‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬أن‭ ‬يتجاهله‮»‬

صنَّاع‭ ‬الوهم

الاختصاصيون‭ ‬والإعلاميون‭ ‬اتفقوا‭ ‬في‭ ‬نقاشاتهم‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬مهمة‭ ‬أبرزها‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬يمر‭ ‬بأزمة‭ ‬نفسية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬بحذر‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬باتت‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬سلبيا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الفجوة‭ ‬والوصمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬وصفوه‭ ‬بالروح‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تغلب‭ ‬على‭ ‬التعليقات‭ ‬والمحتويات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أمام‭ ‬ابتعاد‭ ‬الاختصاصيين‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بالدور‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭. ‬

وطالبوا‭ ‬بسن‭ ‬تشريعات‭ ‬تجرم‭ ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بقضايا‭ ‬تخصصية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬متخصصين،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارهم‭ ‬صنَّاع‭ ‬الوهم‭!.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا