كتبت: ياسمين العقيدات
العلاقات بين مملكة البحرين وجمهورية إيطاليا تتميز بشراكة متجددة أساسها التعاون الاقتصادي والدبلوماسية والحوار الثقافي والديني، في مسار بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضي وشهد خلال السنوات الأخيرة دفعة نوعية أكدت مكانة البلدين كمحورين فاعلين في محيطيهما الإقليمي والدولي.
وقد برزت العلاقات البحرينية الإيطالية كنموذج متكامل لشراكة تتجاوز حدود المصالح التقليدية لتلامس جميع المجالات، فمنذ أن بدأت أولى خطوات التقارب الدبلوماسي بين المنامة وروما نجح البلدان في بناء شبكة واسعة من التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي، مستندين إلى إرادة مشتركة لتعزيز الاستقرار الإقليمي والانفتاح على العالم.
جذور دبلوماسية متأصلة
وقد أسهم افتتاح السفارة الإيطالية في المنامة عام 2002 في توطيد العلاقة الدبلوماسية بين البحرين وإيطاليا على أرضية متينة، وهو الحدث الذي مثل نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من التعاون السياسي والاقتصادي، وفي يونيو 2008 وقع البلدان مذكرة تفاهم للتشاور السياسي بين وزارتي الخارجية، ما أرسى آلية دورية لتنسيق المواقف وتعزيز الحوار حول القضايا الإقليمية والدولية، وفي 2021 تم إعلان إنشاء لجنة مشتركة ثنائية عقدت أول اجتماعاتها رفيعة المستوى في العاصمة الإيطالية روما في يونيو 2023، لتصبح إطارًا مؤسسيًا يوجه التعاون إلى آفاق أوسع.
زيارات رفيعة تعكس متانة الشراكة
كما شهدت العلاقات الثنائية خلال الأعوام الأخيرة سلسلة زيارات رسمية عززت الثقة المتبادلة وأعطت زخمًا جديدًا للتعاون، ففي 2025 قامت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني بزيارة رسمية للمنامة، التقت خلالها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، واستعرض الجانبان تطور العلاقات الاستراتيجية الوثيقة وفرص التعاون الثنائي في كل المجالات الحيوية، ولا سيما الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتنمية المستدامة، وسبل تعزيزها وتطويرها بما يحقق مصالحهما المتبادلة، وعلى دفع العلاقات الثنائية في مختلف القطاعات وغيرها من أوجه الجوانب التي يوليها البلدان اهتماماً متبادلاً.
كما شكلت اللجنة المشتركة بين البلدين، التي انطلقت رسميًا عام 2021، منصة مهمة لدفع مشاريع التعاون في قطاعات الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا المتقدمة، والتعليم العالي، إلى جانب تفعيل برامج تبادل الوفود الاقتصادية والثقافية.
نمو تجاري واستثمارات متبادلة
أما في الجانب اقتصاديًا فشهدت العلاقات البحرينية الإيطالية تطورًا لافتًا في حجم التبادل التجاري غير النفطي منذ بدء العلاقات الاقتصادية بين البلدين في 1937، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 774 مليون دولار أمريكي في عام 2024، وفق بيانات مجلس التنمية الاقتصادية البحريني، كما تعد البحرين مصدرًا مهمًا للألمنيوم الخام والمشتقات النفطية والبتروكيماويات والمنتجات البلاستيكية إلى السوق الإيطالية، بينما تتنوع الصادرات الإيطالية إلى البحرين لتشمل السيارات والمعدات الصناعية والأثاث والمضخات والأجهزة الميكانيكية المتقدمة والمنتجات الدوائية.
ويؤكد هذا النمو حضورًا متزايدًا للشركات الإيطالية في السوق البحرينية، وخاصة في مجالات الخدمات المالية، التكنولوجيا، التصنيع، واللوجستيات، كما نالت إيطاليا في 2025 صفة شريك في خدمات الشحن البحري الجوي التي توفرها مملكة البحرين، في خطوة من شأنها تسريع عمليات الاستيراد والتصدير وإتاحة مزايا لوجستية تعزز موقع البحرين كبوابة إلى أسواق الخليج والشرق الأوسط.
ومن أبرز محطات التعاون الاقتصادي الزيارة التي قام بها وفد اقتصادي بحريني رفيع لإيطاليا في أبريل 2025 برئاسة الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة وزير المالية والاقتصاد الوطني، حيث شملت روما وبارما وميلانو، وتم خلالها الترويج لفرص الاستثمار في قطاعات الخدمات المالية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والصناعة، والخدمات اللوجستية، والسياحة.
حوار حضاري وزيارات للفاتيكان
على الصعيد الثقافي والديني، برزت مملكة البحرين كجسر للتلاقي الحضاري مع إيطاليا من خلال علاقاتها الوثيقة مع الفاتيكان فقد استقبلت البحرين في نوفمبر 2022 زيارة تاريخية لقداسة البابا فرنسيس تحت شعار «الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني»، حيث شارك البابا في مؤتمر للحوار بين الأديان وأقام قداسًا جماهيريًا في استاد البحرين الوطني، مؤكدًا مكانة المملكة كمركز عالمي للتسامح الديني.
وفي عام 2023 استقبل البابا فرنسيس حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم في حاضرة الفاتيكان، حيث جرى استعراض مبادرات تعزيز التفاهم بين الأديان ودعم قيم الأخوة الإنسانية، كما شاركت وفود بحرينية رسمية في مراسم فاتيكانية عدة، كان آخرها حضور وفد بحريني رفيع لمراسم احتفالية كنسية، في دلالة على التزام المملكة بتعميق الحوار والتقارب الثقافي والديني.
الجانب الثقافي والتعليمي
يكتسب البعد الثقافي والتعليمي أهمية كبيرة في العلاقات البحرينية الإيطالية، حيث أسهمت المبادرات المشتركة في تعزيز التفاهم بين شعبي البلدين، وتشمل هذه المبادرات برامج تبادل الطلاب والباحثين بين الجامعات والمؤسسات التعليمية، إلى جانب تنظيم أسابيع ثقافية ومعارض فنية تسلط الضوء على التراث والفنون الإيطالية في البحرين.
كما يشمل التعاون في مجالات السينما والموسيقى، من خلال عرض أفلام ومعارض فنية إيطالية ومشاركة فناني البلدين في مهرجانات موسيقية مشتركة، ما يعزز الحوار الحضاري ويتيح فرصًا للتبادل الثقافي والتعليمي بشكل مستمر، ويغذي الانفتاح على التجارب العالمية، كما تقدم السفارة الإيطالية في البحرين معلومات حول المنح الدراسية والجامعات الإيطالية، ما يمنح الطلاب البحرينيين فرصًا حقيقية للدراسة في إيطاليا وتعميق المعرفة بالثقافة الإيطالية.
حجر الزاوية في التعاون الثنائي
كما تمثل العلاقات السياسية بين البحرين وإيطاليا حجر الزاوية في التعاون الثنائي، إذ تقوم على الحوار المنتظم والتنسيق المستمر في القضايا الإقليمية والدولية، ويبرز هذا التعاون في مذكرات التفاهم واللجان المشتركة التي أُنشئت لتسهيل التشاور السياسي بين وزارتي الخارجية في البلدين، بما يضمن توافق المواقف في المنتديات الدولية ومجلس الأمن والمنظمات الإقليمية، كما تعكس تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين كبار المسؤولين في البحرين وإيطاليا التزام الطرفين بتعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة، ودعم المبادرات الإنسانية والتنموية.
التعاون الإقليمي والدولي
تسعى البحرين وإيطاليا لتعزيز التعاون ليس فقط ثنائيًا، بل ضمن الأطر الإقليمية والدولية، ويبرز هذا من خلال التنسيق بين البلدين في مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، والمشاركة المشتركة في المؤتمرات الدولية حول الأمن البحري، التغير المناخي، والطاقة المستدامة. كما تستفيد إيطاليا من موقع البحرين الاستراتيجي كبوابة إلى الأسواق الخليجية والآسيوية، بينما تستفيد البحرين من الخبرة الإيطالية في الصناعات المتقدمة والمشاريع العابرة للحدود.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك