السفير الإيطالي لـ «أخبار الخليج»:
زيارة ولي العهد رئيس الوزراء لإيطاليا تكتب فصلا جديدا في العلاقات بين البلدين الصديقين
علاقاتنا مع البحرين مبنية على الصداقة الحقيقية والاحترام المتبادل
أجرى الحوار: عبدالمجيد حاجي
أكد السفير الإيطالي لدى مملكة البحرين أندريا كاتالانو أن العلاقات بين البحرين وإيطاليا تشهد نمواً متسارعاً وقوة متزايدة، وتقوم على أسس راسخة من الصداقة الحقيقية والاحترام المتبادل والقيم المشتركة، مشيراً إلى أن هذه العلاقة باتت نموذجاً مميزاً للتعاون الثنائي في منطقة الخليج.
وأضاف السفير، في حوار حصري مع «أخبار الخليج»، أن الزخم الذي تعيشه العلاقات البحرينية الإيطالية خلال الفترة الأخيرة يعكسه مستوى الزيارات المتبادلة واللقاءات رفيعة المستوى، بما في ذلك زيارة رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني للمنامة مطلع العام الجاري، واللقاء الذي جمع حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم مع رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني في روما، وكذلك الزيارة المرتقبة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لإيطاليا.
وأشار السفير إلى أن هذه الخطوات المتتابعة تؤكد جدية البلدين في الدفع بالعلاقات نحو آفاق أوسع، تشمل مجالات الاقتصاد والطاقة والاستثمار والثقافة والتعليم، إضافة إلى التعاون في الابتكار والاستدامة، كما لفت إلى أن الجالية الإيطالية في البحرين تلعب دوراً محورياً في تعزيز الروابط الثنائية ونقل الخبرات وتقديم صورة حية للثقافة الإيطالية في المجتمع البحريني. وجاء في تفاصيل الحوار الآتي:
- كيف تصف العلاقات الدبلوماسية بين إيطاليا والبحرين، وما هي المجالات الجديدة للتعاون المشترك؟
العلاقات الثنائية بين إيطاليا والبحرين قوية للغاية وتتحرك بثبات في اتجاه إيجابي للغاية. وقد زرعت كل من الدولتين علاقة مبنية على الصداقة الحقيقية والاحترام المتبادل والقيم المشتركة والالتزام بالحوار البناء في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة.
منذ افتتاح سفارتنا في المنامة عام 2002 والعلاقة بين إيطاليا والبحرين تشهد تقدمًا مستمرًا نحو شراكة قوية ومتعددة الأبعاد.
على مدار العقدين الماضيين، قمنا بتطوير حوار ديناميكي ومفيد للطرفين في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة.
اليوم، نشهد النتائج الملموسة لهذا الانخراط المستمر، التي تتميز بتعميق التعاون والمصالح الاستراتيجية المشتركة.
والزيارة التي قامت بها رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني للبحرين في يناير 2025 هي شهادة واضحة على قوة وحيوية علاقاتنا الثنائية. إن وجودها في المنامة لم يؤكد فقط التزام إيطاليا بتعزيز العلاقات مع المملكة، بل أبرز أيضًا التلاقي المتزايد بين بلدينا بشأن القضايا الإقليمية والعالمية الرئيسية.
لقد خدمت الزيارة تعزيز رؤيتنا المشتركة للاستقرار والابتكار والازدهار في منطقة الخليج وما بعدها.
كما أنها مهدت الطريق للزيارة المرتقبة المخطط لها من قبل صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة لروما، ما يشير إلى استمرار الزخم في علاقاتنا الثنائية.
وأود أيضا أن أذكر اللقاء غير الرسمي الذي تم في روما في يوليو الماضي بين حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم ورئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني، وهو مؤشر آخر على قرب العلاقات بين بلدينا.
ومن أجل تعزيز العلاقات الثنائية، يمكن لكلا الدولتين البناء على رؤيتهما المشتركة؛ إذ إن التزام البحرين بالإصلاحات الدستورية والاقتصادية يكمل التفاني الإيطالي في التنمية المستدامة والابتكار والشمولية. ومن بين المحاور الرئيسية لتعميق التعاون التي يمكن أن نأخذها بعين الاعتبار: الطاقة، الصناعة والاستثمار، الزراعة والتنمية الحضرية، التبادل الثقافي، التعليم والابتكار.
من خلال الاستثمار في هذه الأعمدة، يمكن لإيطاليا والبحرين تعزيز علاقتهما لتصبح تحالفًا قويًا يتجه نحو المستقبل.. تحالف لا يفيد كلا الدولتين فقط، بل يسهم أيضًا في الاستقرار الإقليمي والتقدم العالمي.
- تشتهر إيطاليا بتميزها في مجالات متعددة، هل هناك قطاعات محددة ترى فيها إمكانية لتعميق الشراكات الاقتصادية والثقافية والزراعية مع البحرين؟
في عام 2021 وقعت إيطاليا والبحرين مذكرة تفاهم أنشئت من خلالها لجنة مشتركة ثنائية، كان الهدف الأساسي منها هو تعزيز التعاون عبر القطاعات الاستراتيجية وتعزيز العلاقات الدبلوماسية من خلال التفاعل المنظم على أعلى المستويات.
وفي هذا الإطار تعمل على تعزيز العلاقات الثنائية من خلال تسهيل المشاورات المنتظمة، وتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري -ولا سيما في مجالات الصناعة والاستثمار والطاقة- وتعزيز التبادل الثقافي والتعليمي والتكنولوجي. كما تدعم الجهود المشتركة في الشؤون البلدية والزراعة، مستفيدة من خبرة إيطاليا في التخطيط الحضري والتكنولوجيا الزراعية. وتعمل اللجنة كمنصة لمراجعة التقدم المحرز في الاتفاقيات الحالية، وتحديد الفرص الجديدة، ودفع المبادرات التي تعكس الالتزام المشترك للبلدين بالإصلاح والابتكار والتنمية المستدامة.
وأشير إلى أن هناك مجالات التعاون القائمة بين البلدين؛ منها:
التعليم
توجد شراكة بارزة بين جامعة لا سابينزا في روما ومركز الملك حمد العالمي للتعايش والتسامح الذي يعزز الحوار بين الأديان والتعايش السلمي بين الثقافات والأديان، هي كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي.
كما وقعت كلية البحرين التقنية مؤخراً اتفاقية أكاديمية مهمة مع مؤسسة لينكس، وهي مؤسسة بحثية إيطالية تابعة لجامعة بوليتكنيكو دي تورينو، إحدى أفضل الجامعات التقنية في إيطاليا.
وأيضا أفتخر بأن أذكر أن وزارة الخارجية الإيطالية قد منحت هذا العام منحة دراسية لطالبة بحرينية لمتابعة دراستها للحصول على درجة الدكتوراه في الفيزياء في جامعة كاثوليكا ديل ساكرو كووري في بريشيا.
التبادل الثقافي
لتعزيز الثقافة واللغة الإيطالية في البحرين، تعاونت وزارة الخارجية الإيطالية في عام 2019 مع الجامعة الملكية للبنات (RUW) لإنشاء أول مركز للغة والثقافة الإيطالية في المملكة. وتم إطلاق هذه المبادرة خلال الأسبوع التاسع عشر للغة الإيطالية في العالم، وشكلت علامة فارقة في تعزيز الحضور اللغوي والثقافي الإيطالي في المنطقة. أصبحت RUW أول جامعة في البحرين تقدم دورات في اللغة الإيطالية، معززة ببرنامج ثقافي أوسع نطاقاً يتضمن محاضرات ومعارض عن الفن والتاريخ الإيطاليين. ولتعزيز هذا التعاون، شاركت مجموعة من طلاب كلية الفنون والتصميم في الجامعة الملكية للمرأة في برنامج تدريبي مكثف في أكاديمية Lyria في براتو، إيطاليا، حيث استكشفوا تصميم المنسوجات من منظور الحرفية الإيطالية. وعند عودتهم، نظم الطلاب عرض أزياء يضم إبداعات أصلية مصنوعة من الأقمشة الإيطالية التي قدمتها الأكاديمية بسخاء، مزج الإبداع البحريني بالأناقة الإيطالية.
علاوة على ذلك، يسر سفارتنا أن تنظم سنوياً برنامجاً ثقافياً واسعاً بالتعاون الوثيق مع المؤسسات الثقافية البحرينية، بهدف عرض أفضل ما في الموسيقى والفن والتراث الإيطالي للجمهور البحريني. ومن أبرز الفعاليات السابقة عروض الموسيقى الكلاسيكية ومعارض الفن المعاصر والمحاضرات العلمية التي ألقاها أكاديميون إيطاليون مرموقون، التي تعكس جميعها الإرث الثقافي الغني لإيطاليا وتعزز الروابط الدائمة بين بلدينا.
ويسعدنا أن نعلن عدة فعاليات قادمة في الربع الأخير من عام 2025: حفل موسيقي للموسيقي الإيطالي الشهير أوجينيو بيناتو في 7 أكتوبر؛ ومعرض صور فوتوغرافية في متحف البحرين الوطني يبدأ في 9 أكتوبر، ويضم أعمالاً مشتركة بين مصورتين إيطاليتين ومصورتين بحرينيتين؛ وحفل موسيقى كلاسيكية في مركز الشيخ إبراهيم، مخصص لعشاق هذا النوع من الموسيقى. كما نتطلع إلى أسبوع المطبخ الإيطالي المرتقب، الذي سيُعقد في نوفمبر، الذي سيحظى باهتمام عشاق ومحبي المأكولات الإيطالية الأصيلة. هذا العام، وكجزء من مقدمة هذا الأسبوع، قمنا بالتعاون مع وزارة شؤون الشباب بتنظيم دورة طهي عملية بعنوان «المعكرونة من الصفر» في إطار مدينة الشباب 2030، ركزت على الاستدامة والإبداع والمبادئ الصحية التي تميز المطبخ الإيطالي الأصيل.
كما ندرس إمكانية إقامة شراكات مع جامعات إيطالية رائدة تشتهر بأبحاثها الأثرية، لدعم استكشاف وحفظ التراث الثقافي الغني للبحرين. ويمكن أن تمهد هذه الشراكات الطريق لإجراء حفريات مشتركة وتبادلات أكاديمية ومبادرات بحثية تركز على المواقع الرئيسية، بما في ذلك تلال دلمون وقلعة البحرين، ما يعزز الفهم العلمي والتقدير الثقافي للتراث القديم للبحرين.
الاستدامة والابتكار
تعد إيطاليا واحدة من الدول الرائدة في أوروبا في مجال إنتاج الطاقة الشمسية، ومن ثم يمكنها أن تقدم للبحرين خبرات واسعة في مجال دمج الطاقة المتجددة وتطوير الشبكات الذكية وابتكار السياسات. وبفضل شركاتها الهندسية المتطورة ونجاحها المثبت في نشر تقنيات الطاقة الشمسية، تتمتع إيطاليا بموقع جيد لدعم طموحات البحرين في مجال الطاقة النظيفة -مثل تحقيق 10% من الطاقة المتجددة بحلول عام 2035 والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060- من خلال التعاون الاستراتيجي وتحسين البنية التحتية ونقل المعرفة. وتأتي هذه الشراكة في وقت مناسب بشكل خاص، حيث تقدم البحرين مبادرات رائدة مثل مشروع ASRY للطاقة الشمسية، وهو أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم في قطاع إصلاح السفن وبناء السفن.
- نظرًا إلى ريادة إيطاليا في التنمية المستدامة والتقنيات الخضراء، كيف تعزز إيطاليا التعاون في الابتكار البيئي مع المؤسسات البحرينية؟
تتمتع إيطاليا والبحرين بشراكة قوية في قطاع تكرير النفط، ولا سيما من خلال برنامج تحديث شركة البترول البحرينية (BMP)، وهو أكبر استثمار صناعي في تاريخ البحرين. تلعب شركة الهندسة الإيطالية Technip Energies دوراً رئيسياً في هذه المبادرة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، التي تهدف إلى توسيع طاقة التكرير، وتحسين جودة المنتجات، وزيادة كفاءة الطاقة في مصفاة سترة. يعكس هذا التعاون الخبرة المتقدمة لإيطاليا في مجال البنية التحتية للطاقة والتزام البحرين بتحديث عملياتها في مجال التكرير والتسويق.
ويمكن الاستفادة من الخبرة العالمية لإيطاليا في التنمية المستدامة والتكنولوجيا الخضراء، حيث نعمل من كثب نحو تعزيز الابتكار البيئي من خلال شراكات استراتيجية مع المؤسسات البحرينية.
ومن الإنجازات الملحوظة في هذا الجهد توقيع مذكرة تفاهم بين هيئة الطاقة المستدامة في البحرين وشركة تكنيب إنرجي الإيطالية، ما يمهد الطريق لمشاريع الطاقة المتجددة التعاونية مثل استكشاف المياه العميقة، وتطوير طاقة الرياح الساحلية، ومبادرات الهيدروجين الأخضر. وتكملةً لذلك، عززت المباحثات رفيعة المستوى بين وزير شؤون الكهرباء والماء في البحرين ووزير البيئة وأمن الطاقة في إيطاليا التعاون الثنائي الذي يهدف إلى خفض انبعاثات الكربون، وتعزيز كفاءة الطاقة، ودعم أهداف الاستدامة الوطنية للبحرين، بما في ذلك خفض الانبعاثات بنسبة 30% بحلول عام 2035 والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060. وتؤكد هذه المبادرات الالتزام المتبادل بالنمو المسؤول بيئياً والتقدم التكنولوجي في قطاع الطاقة.
- ما هو الدور الذي تلعبه الجالية الإيطالية في البحرين في تعزيز العلاقات الثنائية، وكيف تدعم السفارة مشاركتها واندماجها؟
يُسهم المواطنون الإيطاليون في البحرين بشكل ملحوظ عبر مجموعة واسعة من الصناعات، حيث يلعبون دوراً ديناميكياً في تعزيز العلاقات الثنائية وإغناء النسيج المتعدد الثقافات في المملكة. العديد منهم يعملون في قطاعات ذات تأثير عالٍ مثل الطاقة والهندسة والهندسة المعمارية والأغذية والمشروبات والضيافة والمصرفية وتجارة السلع الفاخرة وصناعة السيارات. في قطاعات الطهي والضيافة، يقدم الإيطاليون خبرة أصيلة للعديد من المؤسسات، ما يرفع من مستوى المشهد الغذائي في البحرين.
بالإضافة إلى المساهمات المهنية، تشارك الجالية الإيطالية بنشاط في الدبلوماسية الثقافية، حيث تعمل كسفراء ثقافيين، وتعزز تقدير التراث الإيطالي بين الجماهير البحرينية. كما تسهل السفارة الاندماج من خلال تنظيم فعاليات للتواصل، ودعم تعليم اللغة الإيطالية، وتعزيز التعاون مع الجامعات والمؤسسات الثقافية المحلية، ومؤخراً من خلال إطلاق شبكة الخريجين الإيطاليين في البحرين.
هذا الحضور المتنوع لا يثري المشهد الاقتصادي والثقافي للبحرين فحسب، بل يعكس أيضًا التزامًا عميقًا بالتبادل المشترك؛ فالإيطاليون في البحرين ليسوا مجرد مغتربين، بل هم شركاء ومربون ومبتكرون يساعدون في ربط قيم وتقاليد البلدين في الحياة اليومية.
في الختام، أود أن أؤكد من جديد التزام إيطاليا الثابت بتعزيز شراكتها مع البحرين عبر ركائز الثقافة والتعليم والابتكار والدبلوماسية. إن قوة علاقتنا الثنائية لا تستند فقط إلى الاتفاقيات الرسمية والتعاون الاستراتيجي، بل أيضًا إلى التبادلات الديناميكية بين شعوبنا ومؤسساتنا والقيم المشتركة. ونحن نتطلع إلى الأمام، نتوقع فصلًا جديدًا من المشاركة، يتوج بزيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء لإيطاليا هذا الشهر. ومن المتوقع أن تسفر هذه المناسبة البارزة عن توقيع عدة مذكرات تفاهم، ما يعمق التعاون في المجالات الرئيسية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك