العدد : ١٧٣٥٤ - السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٥٤ - السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

أي حمص أي بطيخ يا ناس؟!

أحمد‭ ‬الله‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬العوائل‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬وعيا‭ ‬وثقافة‭ ‬وغيرت‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬غير‭ ‬السوية‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬العامة،‭ ‬أهمها‭ (‬الخلف‭) ‬أو‭ ‬المظاهر‭ ‬غير‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬منتشرة‭ ‬وبقوة‭ ‬سابقا‭ ‬ومازالت‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬في‭ (‬واجب‭ ‬العزاء‭).‬

فقد‭ ‬كانت‭ ‬عادة‭ ‬توزيعات‭ ‬الأكل‭ ‬أو‭ ‬السندويشات‭ ‬الصغيرة‭ ‬أو‭ (‬البايت‭) ‬والحلويات‭ ‬والمقليات‭ ‬وما‭ ‬لذ‭ ‬وطاب‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬مناسبات‭ ‬العزاء‭ ‬وكأنك‭ ‬داخل‭ ‬عيد‭ ‬ميلاد‭ ‬أو‭ ‬عرس‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬المناسبة‭ ‬كانت‭ ‬حزينة‭ ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬وكأنه‭ ‬مسابقة‭ ‬في‭ ‬التفوق‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الأكلات‭ ‬أما‭ ‬الغداء‭ ‬والعشاء‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬البوفيهات‭ ‬والذبائح‭ ‬اليومية‭ ‬لكل‭ ‬الموجودين‭.‬

لا‭ ‬أنسى‭ ‬موقفين‭ ‬مررت‭ ‬بهما‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬جعلني‭ ‬أستنكر‭ ‬كثيرا‭ ‬وأتساءل‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬محزن‭ ‬بفقدانه‭ ‬أمه‭ ‬أو‭ ‬أباه‭ ‬ويفكر‭ ‬أن‭ ‬يطعم‭ ‬الناس‭ ‬ما‭ ‬لذ‭ ‬وطاب‭ ‬من‭ ‬العصاير‭ ‬وأنواع‭ ‬الشاي‭ ‬والأكل؟‭! ‬

أول‭ ‬موقف‭ ‬كان‭ ‬عندما دخلت‭ (‬خلف‭) ‬وفاة‭ ‬أم‭ ‬صديقة‭ ‬وجارة‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬الطفولة‭ ‬وكنت‭ ‬أعرف‭ ‬مدى‭ ‬تعلقها‭ ‬بوالدتها‭ ‬فتوقعت‭ ‬وهيأت‭ ‬نفسي‭ ‬أن‭ ‬أدخل‭ ‬وأشاهد‭ ‬صديقتي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬انهيار‭ ‬تام‭ ‬ولكنني‭ ‬صعقت‭ ‬عندما‭ ‬وجدتها‭ ‬واقفة‭ ‬في‭ ‬المطبخ‭ ‬وتتشاجر‭ ‬في‭ ‬التلفون‭ ‬مع‭ ‬مدير‭ ‬مطعم‭ ‬لأنه‭ ‬أرسل‭ ‬طبقين‭ ‬حمص‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬3،‭ ‬وأن‭ ‬السندويشات‭ ‬كانت‭ ‬بالجبن‭ ‬وليس‭ ‬بالدجاج‭! ‬فوقفت‭ ‬مذهولة‭ ‬وقلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭: ‬أي‭ ‬حمص‭ ‬أي‭ ‬بطيخ‭ ‬أي‭ ‬أكل‭ ‬أفكر‭ ‬فيه‭ ‬للناس‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬الأوقات‭ ‬حزنا‭ ‬في‭ ‬حياتي؟‭! ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬ومتأكدة‭ ‬من‭ ‬كم‭ ‬الألم‭ ‬والحزن‭ ‬التي‭ ‬تشعر‭ ‬به‭ ‬صديقتي،‭ ‬ولكنها‭ ‬وضعت‭ ‬كل‭ ‬مشاعرها‭ ‬جانبا‭ ‬وأصبحت‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬المظاهر‭ ‬الكذابة‭ ‬وأن‭ ‬عزاء‭ ‬أمها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬عزاء‭ ‬عمتها‭!! ‬

أما‭ ‬الموقف‭ ‬الثاني‭ ‬فكان‭ ‬عندما‭ ‬جاءت‭ ‬صديقتي‭ ‬المصرية‭ ‬تعزيني‭ ‬في‭ ‬وفاة‭ ‬أحد‭ ‬أقاربي‭ ‬وكانت‭ ‬جالسة‭ ‬ومذهولة‭ ‬من‭ ‬صواني‭ ‬توزيعات‭ ‬الأكل‭ ‬والحلويات‭ ‬فنظرت‭ ‬ألي‭ ‬وهي‭ (‬مبققة‭ ‬عينها‭) ‬وقالت‭: ‬هو‭ ‬في‭ ‬إيه؟‭ ‬إيه‭ ‬كمية‭ ‬الأكل‭ ‬والحلويات‭ ‬ده‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬ده‭ ‬عزا‭ ‬ولا‭ ‬فرح؟‭ ‬فضحكت‭ ‬وقلت‭ ‬لها‭ ‬شوفي‭ ‬اسكتي‭ ‬هذي‭ ‬العادات‭ ‬الخليجية‭ ‬الجديدة‭..‬

أحمد‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬العوائل‭ ‬تداركت‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ‭ ‬وأصبحت‭ ‬مثلي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬العزاء‭ ‬يعني‭ ‬فقدان‭ ‬الحبيب‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مكانا‭ ‬للأكل‭ ‬والشرب‭ ‬وإنها‭ ‬ضغوطات‭ ‬نفسية‭ ‬ومادية‭ ‬كبيرة‭ ‬يتحملها‭ ‬الأهل‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬محزن‭ ‬جدا‭ ‬فأصبحوا‭ ‬يوزعون‭ ‬الشاي‭ ‬والقهوة‭ ‬والتمر‭ ‬فقط‭ ‬وانقطعت‭ ‬عادة‭ ‬بوفيهات‭ ‬الغداء‭ ‬والعشاء‭.‬

وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬الناس‭ ‬كيفية‭ ‬احترام‭ ‬مشاعر‭ ‬وظروف‭ ‬أهل‭ ‬المتوفى‭ ‬ويلتزموا‭ ‬بالأوقات‭ ‬المكتوبة‭ ‬في‭ ‬إعلان‭ ‬العزاء‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬السنع‭ ‬والأدب‭ ‬أن‭ ‬ندق‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬المتوفى‭ ‬الساعة‭ ‬الثامنة‭ ‬صباحا‭ ‬لأننا‭ ‬وصلنا‭ ‬اليهال‭ ‬المدرسة‭ ‬وبالمرة‭ ‬قررنا‭ ‬نسوي‭ ‬الواجب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬اللي‭ ‬يناسبنا‭ ‬أو‭ ‬أننا‭ ‬نكمل‭ ‬مشاويرنا‭ ‬الصباحية‭ ‬ونقرر‭ ‬أن‭ ‬نذهب‭ ‬العزاء‭ ‬عند‭ ‬صلاة‭ ‬الظهر‭ ‬وهو‭ ‬الوقت‭ ‬المخصص‭ ‬لراحة‭ ‬إهل‭ ‬المتوفى،‭ ‬فقليلا‭ ‬من‭ ‬الإحساس‭ ‬لو‭ ‬سمحتوا‭..‬

فقدان‭ ‬إنسان‭ ‬عزيز‭ ‬مؤلم‭ ‬جدا‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬المحيطين‭ ‬بالأهل‭ ‬المساعدة‭ ‬والرحمة‭ ‬وليس‭ ‬الضغط‭ ‬وزيادة‭ ‬الحمل‭.‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا