البحرين بحاجة إلى قرار استراتيجي.. إما أن تكتفي بسوقها المحدود أو تنطلق بخطوات تنافسية أكثر جرأة
في عالم العقار، لم يعد الأمر مقتصراً على مبانٍ تُشترى وتُباع، بل أصبح جزءاً من استراتيجية اقتصادية متكاملة.
أطلقت هيئة التنظيم العقاري أنظمة تسهّل التسجيل وتحمي المستثمر، وأُتيح التملك للأجانب في مناطق معينة. ورغم أن السوق البحريني أصغر حجماً، إلا أن أسعاره أكثر تنافسية.
في أحد فنادق الرياض الحديثة، جلس مستثمر أجنبي يتأمل نافذة غرفته المطلة على مدينة تتغير ملامحها كل يوم. على الطاولة أمامه كتيب أنيق يعرض مشاريع عقارية ضخمة، مزينة بعبارات مثل: «امتلك شقة الآن... واحصل على إقامة طويلة الأمد»، و«استثمر اليوم... وأعد مستقبلك في الخليج». ابتسم الرجل، وأخذ يقارن بين ما رآه في الرياض بالأمس، وما شاهده قبل أسابيع في دبي والمنامة والدوحة.
في عالم العقار، لم يعد الأمر مقتصراً على مبانٍ تُشترى وتُباع، بل أصبح جزءاً من استراتيجية اقتصادية متكاملة، تسعى كل دولة خليجية من خلالها إلى جذب المستثمرين بوسائل مختلفة: تسهيلات مالية، قوانين مرنة، أو حتى ربط العقار بالإقامة. هنا تبدأ القصة، وهنا يتضح الفارق بين سوق وآخر.
دبي: مدرسة التسهيلات
حين يتحدث المستثمرون عن التسهيلات، يذكرون دبي أولاً. فهذه الإمارة لم تكتفِ بفتح باب التملك الحر في مناطق واسعة، بل ربطت العقار بامتيازات حياتية تجعل المشتري يشعر وكأنه يحصل على «حزمة متكاملة».
الإقامة الذهبية، التسهيلات البنكية، وحتى السماح بتملك الأجانب من دون قيود صارمة، كلها جعلت دبي الوجهة الأولى. أحد المستثمرين الخليجيين علّق قائلاً: «في دبي، حين تشتري عقاراً، تشعر أنك حصلت على مفتاح للمدينة كلها، لا مجرد شقة».
السعودية: التسهيلات وفق رؤية 2030
في السعودية، جاءت التسهيلات كجزء من رؤية شاملة. فإلى جانب برنامج «وافي» وتنظيم السوق، أطلقت المملكة برامج تمويل مدعومة من البنوك، جعلت شراء العقار أسهل للمواطنين والمقيمين.
كما ارتبطت بعض المشاريع بامتيازات إضافية، مثل الإقامة للمستثمرين الأجانب. أحد المستثمرين قال: «الرياض اليوم لا تعرض عقاراً فقط، بل تعرض فرصة لتكون جزءاً من قصة عملاقة تُكتب».
هذه التسهيلات لم تُبنَ على عشوائية، بل على دراسة دقيقة لحجم الطلب المتزايد في المملكة، وخصوصاً مع الشباب الباحثين عن سكن.
البحرين: تسهيلات محدودة بحاجة إلى التوسع
في البحرين، أطلقت هيئة التنظيم العقاري أنظمة تسهّل التسجيل وتحمي المستثمر، وأُتيح التملك للأجانب في مناطق معينة. ورغم أن السوق البحريني أصغر حجماً، إلا أن أسعاره أكثر تنافسية.
أحد المستثمرين الخليجيين الذين اشتروا عقاراً في المنامة قال: «أحببت السهولة في الإجراءات، لكنني كنت أتمنى أن تكون هناك حوافز إضافية، مثل إقامة أطول أو إعفاءات ضريبية».
البحرين تملك ميزة الموقع الاستراتيجي، لكنها تحتاج إلى تسويق أكبر وإضافة امتيازات تشبه ما تقدمه دبي أو الرياض.
قطر: عقار مرتبط بالإقامة
في الدوحة، اتخذت التسهيلات بُعداً مختلفاً. القوانين الجديدة سمحت للأجانب بالتملك في مناطق مختارة، وربطت ذلك مباشرة بحقوق إقامة طويلة الأمد. هذا الربط جذب الكثير من المستثمرين، وخاصة من أوروبا وآسيا.
أحد المستثمرين الأجانب علّق: «ما شدني للدوحة هو أن شراء عقار يعني الحصول على بطاقة إقامة، وهذا يجعل القرار أسهل».
لكن التحدي في قطر لا يزال في محدودية المناطق المسموح بها للتملك، وهو ما يجعل بعض المستثمرين يترددون.
عمان: الاستقرار أولاً
السلطنة فضلت التدرج في منح التسهيلات. التملك للأجانب متاح في مشاريع متكاملة محددة، وغالباً ما يكون مرتبطاً بمجمعات سياحية.
التسهيلات العمانية بسيطة لكنها واضحة: شراء عقار يعني التمتع بحقوق إقامة معينة، مع استقرار قانوني يحمي المشتري. هذا الأسلوب يجذب شريحة معينة من المستثمرين الباحثين عن بيئة هادئة ومستقرة أكثر من سعيهم وراء أرباح سريعة.
الكويت: التسهيلات الغائبة
في الكويت، لا يزال الطريق طويلاً أمام التسهيلات العقارية. القوانين الحالية تحد من قدرة الأجانب على التملك، ما جعل السوق يتركز على المستثمر المحلي.
الكثير من المستثمرين الخليجيين يرون أن الكويت تضيّع فرصة كبيرة. أحدهم قال: «لو فتحت الكويت سوقها للأجانب بتسهيلات واضحة، لكانت منافساً قوياً لأي سوق خليجي آخر».
قصص من الواقع
في المنامة، حكى مستثمر خليجي أنه تمكن من شراء شقة في مجمع سكني جديد بسهولة، لكنه شعر أن التسهيلات توقفت عند التسجيل. قال: «كنت أتمنى أن أُعامل كما في دبي، حيث يمنحك العقار شعوراً بالانتماء إلى المدينة». في الرياض، مستثمر أجنبي آخر تحدث عن كيف ساعدته البنوك في الحصول على تمويل، رغم كونه وافداً. قال بابتسامة: «لم أشعر بأنني غريب، بل شعرت أنني جزء من الخطة الكبرى». أما في مسقط، فمستثمر أوروبي وصف تجربته بأنها «هادئة ومنظمة»، لكنه أضاف: «التحدي أن السوق هنا ليس سريع النمو كما في دبي أو الدوحة».
الخاتمة: البحرين وبوصلة المنافسة
الخليج اليوم يعيش سباقاً محموماً في جذب الاستثمارات العقارية، والتسهيلات هي البوصلة التي تحدد إلى أين يتجه المستثمر.
دبي رسخت نفسها كمدرسة في تقديم التسهيلات، والسعودية صارت مختبراً لرؤية طموحة، وقطر استخدمت الإقامة كحافز مباشر، بينما اختارت عمان الاستقرار، وبقيت الكويت حذرة.
أما البحرين، فهي تقف عند نقطة تحتاج فيها إلى قرار استراتيجي: إما أن تكتفي بسوقها المحدود، أو أن تنطلق بخطوات أكثر جرأة لتنافس جيرانها. ربط العقار بالإقامة، تقديم حوافز ضريبية، وترويج عالمي أكثر احترافية، كلها عناصر قد تجعلها الوجهة القادمة للمستثمر الباحث عن بيئة منظمة وواعدة. المستثمر الذي جلس في فندق الرياض، وهو يقارن بين تجاربه في الخليج، لخص الأمر بكلمات بسيطة: «العقار لم يعد مبنى فقط، بل مفتاح لفرصة. ومن يقدّم التسهيلات الأذكى، هو الذي سيكسب السباق».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك