في 22 أغسطس نستحضر ذكرى تأسيس المجلس الأعلى للمرأة؛ لحظة فارقة أعادت صياغة العلاقة بين الدولة والمرأة. انطلقت برؤية ملكية سامية، وقادته صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة حفظها الله ورعاها ببصيرة مؤسسية ثابتة. ولأنني من كوكبة المؤسسين الذين عايشوا تلك البداية، غدت علاقتي بالمجلس علاقة تكوين لا مجرد موقع. ومع مرور السنوات، أدركت أن من عاش هذه التجربة لا يقتصر دوره على الأداء، وإنما يمتد إلى التوثيق وإحياء القيم التي تُبنى بها المؤسسات الراسخة.
حين كتبت هذا المقال لم يكن هدفي أن أروي سيرة أو أستعرض مراحل، غير أنني رغبت في فتح نوافذ للتفكير حول مسؤوليات يومية قد تبدو بسيطة لكنها تصنع الواقع. فالكلمة حين تنبع من التجربة تتحول إلى أداة بناء. واليوم أشهد بصدق كابنة لهذا المشروع الوطني الذي عشت فيه أكثر من عقدين، من التمكين إلى المبادرات، ومن العمل الميداني إلى حضور راسخ في وجدان المجتمع. ومع مرور الوقت، أيقنت أنه مشروع يستحق أن يُروى بأمانة ووفاء.
انضمامي إلى هذا الصرح لم يكن خطوة عابرة، إذ كان تجربة تأسيسية شكلت انطلاقتي المهنية وصاغت ملامحي المؤسسية. كانت البداية متواضعة لكن معناها عظيم، لأن دخولي هذه المؤسسة جاء ثمرة اجتهاد قائم على الكفاءة والنية الصافية. وجدت فيها بيئة تحتضن من يعمل بضمير وتمنح الفرصة لأصحاب الفكر. ومنذ اللحظة الأولى أدركت أن المؤسسة التي تعترف بالجدارة هي المؤسسة التي تستحق الانتماء.
خضت في رحابها تجربة نضج متكاملة؛ تعلمت كيف تنمو الأفكار في بيئة منظمة، وكيف تتحول القيم إلى قرارات، وكيف تُمارس القيادة بروح مسؤولة. في كل خطوة وجدت المعنى في الالتزام، وفي كل مرحلة تأكد لي أن القيادة لا تُمنح جاهزة، على أن بناءها يتطلب الصبر والانضباط والتواضع المهني.
شهدت من موقعي قصصاً لا تُنسى، كان هذا الكيان فيها السند الذي يستمع ويدرس ويمنح مساحة آمنة للحلول. لم يكن مؤسسة رسمية فحسب، إنما كان تجربة إنسانية راقية تراكمت فيها الثقة حتى أصبحت جزءاً من صورته العامة وجوهره الداخلي.
كنت أشعر أن جودة حياة كل امرأة تصل إلى أبواب هذه المؤسسة مسؤوليتي الشخصية حتى وإن لم تُكتب يوماً في وصف مهامي. لم أمارس دوري كتكليف وظيفي، إذ كان انتماءً لقضية آمنت بها.
ولهذا أقول لكل امرأة بحرينية: أنتن ركائز هذا الوطن وأصوله الثابتة.. اجعلن من مواقعكن مصدر عطاء ومعنى، وارفعن سقف الإنجاز بما يليق بالبحرين، فهي تنتظر من كل واحدة فيكن بصمة استثنائية تبقى للأجيال.
أما أنا فقد أنهيت فصلاً مهماً من رحلتي في هذا الصرح وغادرته بإرادتي، وقد حملت له احتراماً أكبر وإيماناً أعمق برسالته. لم أبتعد عنه، غير أنني وسّعت أثره في داخلي. اليوم أعمل من موقع آخر بالعزيمة نفسها والقيم التي تشكلت هناك ولا تزال تسكن قراراتي في كل مهمة أو مسؤولية أوكل بها.
عطائي لم يكن يوماً موقفاً عابراً أو واجباً عادياً، وإنما قناعة راسخة وسلوك ثابت يجمعني ويجمع كل امرأة بحرينية وفيّة لوطنها. فمن تعمل بحب لهذه الأرض، ومن نشأت على معنى الانتماء الحقيقي، تظل مخلصة حيثما كانت، تحمل الالتزام بالعزم نفسه وتمنح العطاء بإخلاص متجدد.
لا أرى نفسي تفصيلاً ثانوياً في مشهد واسع، إنما أتحرك بثقة من يعرف أثره، وأتقدم بإحساس من يدرك رسالته. لطالما رأيت نفسي كالسمكة التي تسبح في بحر أوسع من التعريفات والمهام؛ لا تذوب فيه، وإنما تظل مميزة بلونها الزاهي المختلف الذي لا يشبه غيره. أترك أثراً هادئاً لكنه حاضر، ولا أبحث عن الضوء، لأنني أحمله معي أينما ذهبت.
وهذه ليست حكايتي وحدي، وإنما رسالة لكل امرأة تقرأ هذه الكلمات: أن تتحرك بوعي وإصرار، وأن تثق أن بصمتها الفريدة قادرة على أن تبقى حاضرة مهما كان اتساع البحر.
وفي هذه المناسبة، أرفع أصدق التهاني وأسمى آيات التقدير إلى صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة حفظها الله ورعاها، الداعمة الأولى لهذا المشروع الوطني، والتي أرست نهج متفرد في تمكين المرأة البحرينية وضمان استدامة أثرها. لقد قدّمتم سموكم رؤية حيّة تجاوزت حدود الإنجاز إلى عمق الأثر، وفتحتم أمامنا المجال لنكون جزءا من هذا البناء النبيل الذي نحمله في قلوبنا وتترجمه ممارساتنا.
ومن هنا والآن، أجدد التزامي بأن أكون امتدادا لهذه الرؤية، وأواصل دعم هذه الرسالة بالعزم ذاته الذي انطلقت به. ولست وحدي في هذا المسار، إذ أن كل امرأة بحرينية تشاركني القناعة نفسها؛ فنحن لا نقف عند الماضي، غير أننا ندرك قيمته ونحسن البناء عليه. نعمل بثقة متجددة، وبروح وفاء راسخة، وبقلوب ترى في كل إنجاز مسؤولية ممتدة لا تنتهي بتغير الموقع أو المكان.
مهتمة بالحوكمة وتطوير الأداء المؤسسي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك