العدد : ١٧٣٢٢ - الثلاثاء ٢٦ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٢٢ - الثلاثاء ٢٦ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

مقالات

من هنا والآن: في ذكرى تأسيس المجلس الأعلى للمرأة

بقلم: عبير محمد دهام

الثلاثاء ٢٦ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬22‭ ‬أغسطس‭ ‬نستحضر‭ ‬ذكرى‭ ‬تأسيس‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة؛‭ ‬لحظة‭ ‬فارقة‭ ‬أعادت‭ ‬صياغة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمرأة‭. ‬انطلقت‭ ‬برؤية‭ ‬ملكية‭ ‬سامية،‭ ‬وقادته‭ ‬صاحبة‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأميرة‭ ‬سبيكة‭ ‬بنت‭ ‬إبراهيم‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظها‭ ‬الله‭ ‬ورعاها‭ ‬ببصيرة‭ ‬مؤسسية‭ ‬ثابتة‭. ‬ولأنني‭ ‬من‭ ‬كوكبة‭ ‬المؤسسين‭ ‬الذين‭ ‬عايشوا‭ ‬تلك‭ ‬البداية،‭ ‬غدت‭ ‬علاقتي‭ ‬بالمجلس‭ ‬علاقة‭ ‬تكوين‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬موقع‭. ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬السنوات،‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬عاش‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬دوره‭ ‬على‭ ‬الأداء،‭ ‬وإنما‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬التوثيق‭ ‬وإحياء‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬تُبنى‭ ‬بها‭ ‬المؤسسات‭ ‬الراسخة‭.‬

حين‭ ‬كتبت‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هدفي‭ ‬أن‭ ‬أروي‭ ‬سيرة‭ ‬أو‭ ‬أستعرض‭ ‬مراحل،‭ ‬غير‭ ‬أنني‭ ‬رغبت‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬نوافذ‭ ‬للتفكير‭ ‬حول‭ ‬مسؤوليات‭ ‬يومية‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬بسيطة‭ ‬لكنها‭ ‬تصنع‭ ‬الواقع‭. ‬فالكلمة‭ ‬حين‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬بناء‭. ‬واليوم‭ ‬أشهد‭ ‬بصدق‭ ‬كابنة‭ ‬لهذا‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬عشت‭ ‬فيه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين،‭ ‬من‭ ‬التمكين‭ ‬إلى‭ ‬المبادرات،‭ ‬ومن‭ ‬العمل‭ ‬الميداني‭ ‬إلى‭ ‬حضور‭ ‬راسخ‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬المجتمع‭. ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬أيقنت‭ ‬أنه‭ ‬مشروع‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يُروى‭ ‬بأمانة‭ ‬ووفاء‭.‬

انضمامي‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خطوة‭ ‬عابرة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬تجربة‭ ‬تأسيسية‭ ‬شكلت‭ ‬انطلاقتي‭ ‬المهنية‭ ‬وصاغت‭ ‬ملامحي‭ ‬المؤسسية‭. ‬كانت‭ ‬البداية‭ ‬متواضعة‭ ‬لكن‭ ‬معناها‭ ‬عظيم،‭ ‬لأن‭ ‬دخولي‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬جاء‭ ‬ثمرة‭ ‬اجتهاد‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الكفاءة‭ ‬والنية‭ ‬الصافية‭. ‬وجدت‭ ‬فيها‭ ‬بيئة‭ ‬تحتضن‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬بضمير‭ ‬وتمنح‭ ‬الفرصة‭ ‬لأصحاب‭ ‬الفكر‭. ‬ومنذ‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬تعترف‭ ‬بالجدارة‭ ‬هي‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭ ‬الانتماء‭.‬

خضت‭ ‬في‭ ‬رحابها‭ ‬تجربة‭ ‬نضج‭ ‬متكاملة؛‭ ‬تعلمت‭ ‬كيف‭ ‬تنمو‭ ‬الأفكار‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬منظمة،‭ ‬وكيف‭ ‬تتحول‭ ‬القيم‭ ‬إلى‭ ‬قرارات،‭ ‬وكيف‭ ‬تُمارس‭ ‬القيادة‭ ‬بروح‭ ‬مسؤولة‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭ ‬وجدت‭ ‬المعنى‭ ‬في‭ ‬الالتزام،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬تأكد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬لا‭ ‬تُمنح‭ ‬جاهزة،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬بناءها‭ ‬يتطلب‭ ‬الصبر‭ ‬والانضباط‭ ‬والتواضع‭ ‬المهني‭.‬

شهدت‭ ‬من‭ ‬موقعي‭ ‬قصصاً‭ ‬لا‭ ‬تُنسى،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬فيها‭ ‬السند‭ ‬الذي‭ ‬يستمع‭ ‬ويدرس‭ ‬ويمنح‭ ‬مساحة‭ ‬آمنة‭ ‬للحلول‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مؤسسة‭ ‬رسمية‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬كان‭ ‬تجربة‭ ‬إنسانية‭ ‬راقية‭ ‬تراكمت‭ ‬فيها‭ ‬الثقة‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬صورته‭ ‬العامة‭ ‬وجوهره‭ ‬الداخلي‭.‬

كنت‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬جودة‭ ‬حياة‭ ‬كل‭ ‬امرأة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أبواب‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬مسؤوليتي‭ ‬الشخصية‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تُكتب‭ ‬يوماً‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬مهامي‭. ‬لم‭ ‬أمارس‭ ‬دوري‭ ‬كتكليف‭ ‬وظيفي،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬انتماءً‭ ‬لقضية‭ ‬آمنت‭ ‬بها‭.‬

ولهذا‭ ‬أقول‭ ‬لكل‭ ‬امرأة‭ ‬بحرينية‭: ‬أنتن‭ ‬ركائز‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬وأصوله‭ ‬الثابتة‭.. ‬اجعلن‭ ‬من‭ ‬مواقعكن‭ ‬مصدر‭ ‬عطاء‭ ‬ومعنى،‭ ‬وارفعن‭ ‬سقف‭ ‬الإنجاز‭ ‬بما‭ ‬يليق‭ ‬بالبحرين،‭ ‬فهي‭ ‬تنتظر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬فيكن‭ ‬بصمة‭ ‬استثنائية‭ ‬تبقى‭ ‬للأجيال‭.‬

أما‭ ‬أنا‭ ‬فقد‭ ‬أنهيت‭ ‬فصلاً‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬رحلتي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصرح‭ ‬وغادرته‭ ‬بإرادتي،‭ ‬وقد‭ ‬حملت‭ ‬له‭ ‬احتراماً‭ ‬أكبر‭ ‬وإيماناً‭ ‬أعمق‭ ‬برسالته‭. ‬لم‭ ‬أبتعد‭ ‬عنه،‭ ‬غير‭ ‬أنني‭ ‬وسّعت‭ ‬أثره‭ ‬في‭ ‬داخلي‭. ‬اليوم‭ ‬أعمل‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬آخر‭ ‬بالعزيمة‭ ‬نفسها‭ ‬والقيم‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬هناك‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تسكن‭ ‬قراراتي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مهمة‭ ‬أو‭ ‬مسؤولية‭ ‬أوكل‭ ‬بها‭.‬

عطائي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يوماً‭ ‬موقفاً‭ ‬عابراً‭ ‬أو‭ ‬واجباً‭ ‬عادياً،‭ ‬وإنما‭ ‬قناعة‭ ‬راسخة‭ ‬وسلوك‭ ‬ثابت‭ ‬يجمعني‭ ‬ويجمع‭ ‬كل‭ ‬امرأة‭ ‬بحرينية‭ ‬وفيّة‭ ‬لوطنها‭. ‬فمن‭ ‬تعمل‭ ‬بحب‭ ‬لهذه‭ ‬الأرض،‭ ‬ومن‭ ‬نشأت‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬الانتماء‭ ‬الحقيقي،‭ ‬تظل‭ ‬مخلصة‭ ‬حيثما‭ ‬كانت،‭ ‬تحمل‭ ‬الالتزام‭ ‬بالعزم‭ ‬نفسه‭ ‬وتمنح‭ ‬العطاء‭ ‬بإخلاص‭ ‬متجدد‭.‬

لا‭ ‬أرى‭ ‬نفسي‭ ‬تفصيلاً‭ ‬ثانوياً‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬واسع،‭ ‬إنما‭ ‬أتحرك‭ ‬بثقة‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬أثره،‭ ‬وأتقدم‭ ‬بإحساس‭ ‬من‭ ‬يدرك‭ ‬رسالته‭. ‬لطالما‭ ‬رأيت‭ ‬نفسي‭ ‬كالسمكة‭ ‬التي‭ ‬تسبح‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬التعريفات‭ ‬والمهام؛‭ ‬لا‭ ‬تذوب‭ ‬فيه،‭ ‬وإنما‭ ‬تظل‭ ‬مميزة‭ ‬بلونها‭ ‬الزاهي‭ ‬المختلف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬غيره‭. ‬أترك‭ ‬أثراً‭ ‬هادئاً‭ ‬لكنه‭ ‬حاضر،‭ ‬ولا‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬الضوء،‭ ‬لأنني‭ ‬أحمله‭ ‬معي‭ ‬أينما‭ ‬ذهبت‭.‬

وهذه‭ ‬ليست‭ ‬حكايتي‭ ‬وحدي،‭ ‬وإنما‭ ‬رسالة‭ ‬لكل‭ ‬امرأة‭ ‬تقرأ‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭: ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬بوعي‭ ‬وإصرار،‭ ‬وأن‭ ‬تثق‭ ‬أن‭ ‬بصمتها‭ ‬الفريدة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬حاضرة‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬اتساع‭ ‬البحر‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬أرفع‭ ‬أصدق‭ ‬التهاني‭ ‬وأسمى‭ ‬آيات‭ ‬التقدير‭ ‬إلى‭ ‬صاحبة‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأميرة‭ ‬سبيكة‭ ‬بنت‭ ‬إبراهيم‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظها‭ ‬الله‭ ‬ورعاها،‭ ‬الداعمة‭ ‬الأولى‭ ‬لهذا‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني،‭ ‬والتي‭ ‬أرست‭ ‬نهج‭ ‬متفرد‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬وضمان‭ ‬استدامة‭ ‬أثرها‭. ‬لقد‭ ‬قدّمتم‭ ‬سموكم‭ ‬رؤية‭ ‬حيّة‭ ‬تجاوزت‭ ‬حدود‭ ‬الإنجاز‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬الأثر،‭ ‬وفتحتم‭ ‬أمامنا‭ ‬المجال‭ ‬لنكون‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البناء‭ ‬النبيل‭ ‬الذي‭ ‬نحمله‭ ‬في‭ ‬قلوبنا‭ ‬وتترجمه‭ ‬ممارساتنا‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬والآن،‭ ‬أجدد‭ ‬التزامي‭ ‬بأن‭ ‬أكون‭ ‬امتدادا‭ ‬لهذه‭ ‬الرؤية،‭ ‬وأواصل‭ ‬دعم‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬بالعزم‭ ‬ذاته‭ ‬الذي‭ ‬انطلقت‭ ‬به‭. ‬ولست‭ ‬وحدي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسار،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬امرأة‭ ‬بحرينية‭ ‬تشاركني‭ ‬القناعة‭ ‬نفسها؛‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نقف‭ ‬عند‭ ‬الماضي،‭ ‬غير‭ ‬أننا‭ ‬ندرك‭ ‬قيمته‭ ‬ونحسن‭ ‬البناء‭ ‬عليه‭. ‬نعمل‭ ‬بثقة‭ ‬متجددة،‭ ‬وبروح‭ ‬وفاء‭ ‬راسخة،‭ ‬وبقلوب‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬إنجاز‭ ‬مسؤولية‭ ‬ممتدة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬بتغير‭ ‬الموقع‭ ‬أو‭ ‬المكان‭.‬

 

مهتمة‭ ‬بالحوكمة‭ ‬وتطوير‭ ‬الأداء‭ ‬المؤسسي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا