قبل تسع سنوات من اليوم، شهدت الجمهورية التركية إحدى أحلك الليالي في تاريخها، ولكن تلك الليلة نفسها دخلت التاريخ أيضا باعتبارها واحدة من أعظم نضالات الأمة التركية. واليوم، من أجل أن نكون أكثر فعالية في مكافحة الإرهاب العالمي، من الضروري أن نفهم طبيعة محاولة الانقلاب الغادرة هذه والتعبئة الوطنية التي أطلقها الشعب التركي لمنعها.
لقد حاولت منظمة فتح الله غولن الإرهابية (فيتو)، التي تغلغلت في أجهزة الدولة الحيوية لسنوات بما يتماشى مع طموحاتها الخبيثة، القيام بانقلاب دموي ليلة 15 يوليو 2016، مستهدفة بشكل مباشر بقاء جمهوريتنا ونظامنا الدستوري وديمقراطيتنا من خلال عناصرها المتغلغلة في القوات المسلحة التركية. وقد كشفت اعترافات ومعلومات من داخل المنظمة أن محاولة انقلاب 15 يوليو كانت بترتيب من قبل منظمة غولن الإرهابية.
وقد استهدف هؤلاء الأفراد، الذين تسللوا إلى القوات المسلحة التركية على مدى سنوات عديدة، مؤسسات الدولة الرئيسية في استعراض غير مسبوق للعنف. وقد وصل الأمر بأعضاء هذه المنظمة الإرهابية المتشددة إلى حد تفجير مجلس الأمة التركي الكبير، والمجمع الرئاسي، ومقر جهاز الاستخبارات الوطنية ومركز العمليات الخاصة للشرطة في أنقرة.
ونتيجة لذلك، استُشهد 251 من مواطنينا وأصيب أكثر من ألفين من مواطنينا بجروح وأصبحوا من المحاربين القدامى. لقد سجلت هذه المحاولة الانقلابية الشنيعة في التاريخ كواحدة من أحقر الهجمات ليس فقط في تركيا بل في الديمقراطيات الحديثة.
وبفضل القيادة الحاسمة لفخامة رئيس الجمهورية السيد رجب طيب أردوغان، وشجاعة الشعب التركي وتضحية أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن التركية بأنفسهم، تم صد هذا الهجوم. وقد أبدى الشعب التركي إرادة راسخة في الدفاع عن الديمقراطية حتى لو كلفهم ذلك حياتهم.
كشفت محاولة الانقلاب عن مدى تغلغل منظمة غولن الإرهابية في أجهزة الدولة. ومع ذلك، يمكن اعتبار الجرائم التي ارتكبت في ليلة 15 يوليو قمة جبل الجليد. بدأت استراتيجية المنظمة منذ عقود بإنشاء المدارس والأكاديميات الإعدادية المصممة لغسل أدمغة الطلاب تحت ستار التعليم.
ومع اكتساب المنظمة للنفوذ والثروة، بدأت في التدخل في العلاقات التجارية، والانخراط في عمليات غسل الأموال على نطاق واسع، وارتكاب جرائم مالية مختلفة بشكل روتيني. وبمجرد أن أدركت الحكومة التركية الطبيعة الحقيقية لهذه الأنشطة، لجأت منظمة غولن إلى تكتيكات متطرفة وعدوانية بشكل متزايد. وقع أول حادث كبير في ديسمبر 2013، عندما أصدرت المنظمة سلسلة من التسجيلات الصوتية المزعومة والوثائق المزورة. وعلى الرغم من أن هذا الهجوم الأول فشل في تحقيق أهدافه، فإنه كان بمثابة نقطة تحول لكل من الحكومة والجمهور.
مع كشف أدوات الاتصال السرية الخاصة بهم (مثل بايلوك، إيجل، وتانجو، وغيرها) وتنصت رسائلهم الداخلية، بدأت الجهود لمواجهة عمليات الجماعة وكشف عمق تغلغلها وأضرارها.
15 يوليو يوم الديمقراطية والوحدة الوطنية، لا يرمز إلى منع محاولة انقلاب فحسب، بل يرمز أيضًا إلى انتصار مقدس للإرادة الشعبية والديمقراطية. ويمثل هذا اليوم ردا حازما على أعداء الديمقراطية. في تلك الليلة، قاوم الشعب التركي الدبابات والطائرات والأسلحة بأيديهم العارية فقط وقلوبهم، ودافعوا عن إرادتهم الحرة ومستقبلهم وعلمهم وجمهوريتهم.
خلال السنوات التسع التي تلت محاولة الانقلاب الغادرة، واصلت تركيا كفاحها الحازم ضد منظمة غولن الإرهابية بما يتماشى مع دستورها والتزاماتها الدولية، من دون المساس بسيادة القانون. وقد اتخذت الحكومة التركية تدابير قانونية وإدارية واقتصادية واسعة النطاق لإزالة وجود المنظمة من المؤسسات العامة والمجتمع المدني. على الصعيد الداخلي، ركزت هذه الجهود على ثلاثة مجالات رئيسية: ضمان محاسبة مرتكبي الانقلاب في المحاكم، وتطهير الهيكل التنظيمي لمنظمة غولن الإرهابية من مؤسسات الدولة، وإعاقة أنشطة المنظمة في مجالات مثل التعليم والإعلام والتمويل.
لقد ترك التضامن الذي أبدته الدول الصديقة والشقيقة خلال هذه الفترة آثارا عميقة ودائمة في قلوب الشعب التركي. ولا تزال زيارة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أول زعيم من منطقة الخليج والعالم العربي يزور تركيا بعد 15 يوليو، مثالا لا ينسى للتضامن والأخوة بالنسبة لنا. إن هذه الزيارة ذات المغزى محفورة في ذاكرتنا كواحد من أقوى رموز الصداقة الوثيقة والقيم المشتركة بين البلدين. وبهذه اللفتة التضامنية النادرة، كسب جلالة الملك حمد قلوب الأمة التركية بأسرها. ونود أن ننتهز هذه الفرصة لنعرب عن خالص امتناننا لجلالة الملك حمد، ولصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس الوزراء، ولشعب البحرين على تضامنهم الدائم في كل الظروف.
لا تزال مكافحة منظمة غولن الإرهابية إحدى أهم ركائز أمننا القومي. ومكافحة مثل هذه المنظمات، التي تشكل تهديدا لمستقبل المجتمعات الديمقراطية، ليست مسؤولية تركيا فحسب، بل هي أيضا واجب مشترك للمجتمع الدولي بأسره. ففي نهاية المطاف، لا يعترف الإرهاب بأي لغة أو دين أو عرق أو جغرافيا. فهذه الشبكة السوداء، التي تستخدم كل القيم العالمية التي تحترمها الإنسانية لأغراضها الخاصة، تشكل تهديدا أمنيا لكل بلد ومجتمع تعمل فيه.
وفي الوقت الذي أعلنت دول ومنظمات دولية مختلفة أن منظمة غولن الإرهابية منظمة إرهابية، فإن وفاة زعيم منظمة غولن الإرهابية، فتح الله غولن، في 20 أكتوبر 2024، في الولايات المتحدة الأمريكية من دون محاكمة، لم تثننا عن ذلك. سيستمر عزمنا على محاربة منظمة غولن الإرهابية من دون أن يتزعزع حتى القضاء عليها نهائيا. ومن مسؤولياتنا الأساسية في هذه المعركة، بلا شك، أن نوضح للعالم شرعية نضالنا. لا تزال منظمة غولن الإرهابية تتسلل إلى المجتمعات في الخارج، وتسمم، لا سيما الشباب، بروايات مشوهة مبنية على خداع الضحايا.
سفيرة الجمهورية التركية
لدى مملكة البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك