مع تزايد الحديث في الأوساط الصحية والإعلامية عن أهمية التغذية السليمة في الوقاية من الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، إضافة إلى دورها المحوري في تعزيز جودة الحياة وتحسين الصحة الجسدية والنفسية على المدى الطويل، برزت تساؤلات ملحة حول مدى التزام الأفراد داخل المجتمع باتباع نمط غذائي متوازن ومستدام، ومدى وعيهم الحقيقي بأسس الأكل الصحي والممارسات الغذائية السليمة، وخاصة في ظل التحديات المعاصرة التي تشمل الانتشار الواسع لمغريات الأطعمة السريعة، وأنماط الحياة السريعة، فضلاً عن المعلومات المتضاربة والمضللة حول «الدايت» المنتشرة بكثرة على منصات التواصل الاجتماعي، والتي قد تخلق فهماً مشوشًا أو توقعات غير واقعية لدى الكثيرين.
ولتوضيح الصورة من منظور علمي، يوضح محمود الشواي، أخصائي تعزيز الصحة والتغذية والمحاضر الأكاديمي في اضطرابات السلوك وتناول الطعام، أن الأكل الصحي يعني تناول غذاء متوازن يشمل العناصر الضرورية مثل البروتينات، الكربوهيدرات، الدهون الصحية، الفيتامينات والمعادن، مع مراعاة الكمية والنوعية المناسبة، بهدف دعم وظائف الجسم، والوقاية من الأمراض، وتعزيز الصحة العامة، من دون اللجوء إلى أنظمة حرمان قاسية أو قواعد صارمة.
ويضيف الشواي أن من أبرز الأخطاء المنتشرة في محاولات اتباع نمط غذائي صحي هو الانخراط في حميات قاسية من دون إشراف مختص، والتعامل مع الأطعمة بمنطق «ممنوع» و«مسموح» الذي يؤدي إلى الشعور بالذنب أو الفشل، بالإضافة إلى الاعتماد على معلومات مغلوطة تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتركيز على الحلول السريعة من دون إعطاء الاهتمام الكافي للتوازن الغذائي والاستمرارية في الممارسات الصحية.
يشير الشواي إلى أن تأثير الغذاء لا يقتصر على الجسم فقط، بل يمتد ليشمل الصحة النفسية أيضًا، موضحًا أن تناول أطعمة غنية بالأوميغا-3، ومضادات الأكسدة، والمغذيات الدقيقة له تأثير إيجابي على المزاج وجودة النوم والتركيز، بينما يرتبط الإفراط في استهلاك السكر والأطعمة المصنعة بزيادة مستويات القلق والاكتئاب.
يشدد الشواي على أن التوازن هو القاعدة الذهبية في الأكل الصحي، مؤكدًا أن الأمر لا يتطلب المثالية، بل يقوم على الاعتدال، حيث يمكن الاستمتاع بالأطعمة المفضلة حتى وإن لم تكن صحية بالكامل، بشرط أن تكون الكمية مناسبة والتكرار محدودًا، لأن الاعتدال هو المفتاح الحقيقي للاستمرار في نمط غذائي صحي ومستدام.
وللراغبين في تحسين عاداتهم الغذائية، يقدم الشواي مجموعة من الخطوات العملية التي تشمل عدم محاولة تغيير كل شيء دفعة واحدة بل التدرج في التغيير، إضافة خيارات صحية تدريجيًا بدلاً من الحرمان المفاجئ، التركيز على التنوع والنكهة وليس فقط على السعرات الحرارية، وضع أهداف بسيطة وقابلة للقياس، ممارسة أي نشاط بدني محبب وعدم اقتصار الرياضة على النوادي فقط، مع التذكير بأن الأكل الصحي هو نمط حياة مستدام وليس تحدّيًا مؤقتًا.
يرى الشواي أن الوعي الصحي في المجتمع الخليجي في تصاعد مستمر بفضل الإعلام ووسائل التواصل، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، منها وفرة الأطعمة غير الصحية، وتأثير العادات والتقاليد، وغياب بيئة داعمة في بعض أماكن العمل، مشددًا في ختام حديثه على أهمية تمكين الأفراد من الوصول إلى الغذاء الصحي بسهولة أكبر من خلال التثقيف المستمر وتهيئة بيئة محفزة ومشجعة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك