لا شك ان التحول الرقمي والتكنولوجيا المالية هما مجالان متصلان بشكل وطيد، حيث إن التحول الرقمي يرمي إلى إحداث تغيير شامل في نمط عمل المؤسسات المختلفة، بما فيها العاملة في القطاع المالي، وذلك عن طريق ربطها بالتكنولوجيا الحديثة، كتطوير واستخدام الأنظمة المالية الذكية، وإدارة الاستثمار، والتنبؤ بالتدفقات المالية، وتقييم وتقديم القروض، وطرق الدفع الإلكتروني، والكشف عن الاحتيال والتزوير وغيرها، وذلك بهدف تعزيز الإنتاجية والكفاءة، بينما تشكل التكنولوجيا المالية حزمة من التقنيات والخدمات التي تعمل على إدارة الشأن المالي بشكل رقمي، وتتضمن العديد من التطبيقات التي من شأنها تمكين المستخدم من إدارة شؤونه المالية رقميًا، إذ يحققان للقطاع المالي العديد من العوائد والفوائد؛ على صعيد المؤسسات: كزيادة الأرباح وتقليل النفقات، واكتشاف الأخطاء في البيانات بناءً على الأنماط المتوقعة، وتحسين تقديرات التصنيف الائتماني وغيرها، وعلى صعيد خدمة العملاء كتوسيع الشمول المالي، وتوفير الحلول المبتكرة بما يلبي احتياجات العميل المتجددة والمتغيرة وغيرها، بالمقابل تواجه عددا من التحديات أيضًا، كحماية البيانات من التعرض للهجمات السيبرانية، ومراعاة تنظيم استخدام التكنولوجيا المالية بما لا يتعارض مع الأنظمة والقوانين، إلى جانب الحرص على التوعية بأهمية المحافظة على سرية البيانات، والاستفادة من الخدمات النوعية من دون التعرض للنصب والاحتيال المالي.
لذلك تتبنى الكثير من مؤسسات الخدمات المالية والمصرفية المحلية والعالمية في الدول المتقدمة الخوارزميات والأنظمة الذكية، وذلك لتعزيز نمو القطاع المالي ورفد القطاع التكنولوجي عبر الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، خاصة أنه يلعب دورا محوريا في نجاح أهداف التحول الرقمي بتعاطيه مع الأموال والأصول وتقليله من جهد العمل، وتحليل الأرصدة والمدفوعات والمصروفات وأنشطة الحسابات المالية والإيرادات والاستثمارات من خلال وضع استراتيجية ذكية تحسن وضع العملاء المادي، بالإضافة إلى تقليل نسبة الخطأ البشري بما يكفل جودة التقارير المالية، كما يعمل على بناء آلية أمنية تستشعر المعاملات غير الاعتيادية مما يضمن حماية العملاء وحماية محافظ العملات الرقمية في منصات تداول العملات المشفرة من عمليات الاحتيال الالكتروني، وتوفير وصول الكتروني يضمن شفافية المعاملات في البورصات وتداول الأوراق المالية، وكشف عمليات التزوير وغسل الأموال وغيرها.
لذلك تسعى مملكة البحرين كعادتها إلى مواكبة متطلبات العصر في كافة القطاعات، ومن هذا المنطلق تبنت وزارة المالية والاقتصاد الوطني عبر لجنة متخصصة تطوير الخدمات الالكترونية والتحول الرقمي داخل الوزارة بشكل شامل، وذلك من خلال توظيف أعلى المعايير التكنولوجية لتعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، إلى جانب دعم مصرف البحرين المركزي للابتكارات في مجال التكنولوجيا المالية؛ وذلك لضمان أفضل الأنظمة للخدمات المالية في المملكة، حيث تستثمر البحرين في مجال التكنولوجيا المالية عبر (خليج البحرين للتكنولوجيا المالية) والذي يعد أكبر مركز في مجاله في الشرق الأوسط، كما اتخذ مجلس التنمية الاقتصادية خطوات مهمة وبارزة لدعم قطاع التكنولوجيا المالية في المملكة عبر جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
هذا وتستعد المملكة لاحتضان النسخة الثالثة من منتدى مستقبل التكنولوجيا المالية، بتنظيم من مجلس التنمية الاقتصادية بالتعاون مع (إيكوموميست إمباكت) في أكتوبر القادم، ومن المتوقع أن يركز هذا المنتدى الإقليمي الرائد على الفرص والتحديات التي تواجه المجال، إلى جانب التركيز على أبرز الانجازات التي يمكن الاستفادة منها، إذ سيشارك في المنتدى أبرز الخبراء والمختصين وعدد من الشركات المالية والحكومات من مختلف دول العالم، وذلك لتبادل الخبرات في الشأن ذاته.
كما تعتزم بورصة البحرين مواصلة سعيها للمساهمة في إثراء السوق المالي، إذ تتعاون مع اتحاد أسواق المال العربية لاستضافة مؤتمر (ذا ماركت 2.0) في نوفمبر القادم، برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إذ يتبنى المؤتمر شعار التحول الرقمي في أسواق المال، وسيناقش الدور المتنامي للتكنولوجيا الناشئة وتأثير تطورات البنية التحتية في تشكيل مستقبل أسواق الأسهم العالمية، ومن المتوقع أن يمثل المؤتمر منصة حيوية لاستكشاف الدور المحوري للتكنولوجيا في رسم هذا القطاع من خلال خلق بيئة مثالية للتعرف على دور التطورات التكنولوجية في تطوير سوق المال، وسيشارك في المؤتمر العديد من العاملين والمهتمين بالقطاع إلى جانب مزودي التكنولوجيا والمهتمين بتكنولوجيا التداول.
وذلك إذ ينم عن شيء، فهو يؤكد الرؤية الثاقبة ذات الأبعاد المستقبلية الحكيمة التي تتبناها حكومة مملكة البحرين في مجال تطوير واستقطاب صناعة التكنولوجيا المالية ودعم الابتكارات والمبادرات المالية بما يرسخ مكانة المملكة الرائدة في المجال بين دول المنطقة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك