العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

مقالات

الخوف من فوات الفرصة «FOMO» وأثره في الأسواق والاقتصاد من منظور إسلامي

بقلم: د. أحمد أسعد

الخميس ١٢ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬ظلّ‭ ‬تدفّق‭ ‬المعلومات‭ ‬الماليّة‭ ‬والاقتصاديّة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬برزت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬ظاهرة‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬فوات‭ ‬الفرصة،‭ ‬التي‭ ‬تسمّى‭ ‬اختصارًا‭ (‬FOMO‭). ‬ويقصد‭ ‬بها‭ ‬شعور‭ ‬القلق‭ ‬والتوتّر‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الأفراد‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬ماليّة‭ ‬سريعة‭ ‬خشية‭ ‬تفويت‭ ‬فرص‭ ‬يرونها‭ ‬مربحة‭ ‬لمجرّد‭ ‬أنّ‭ ‬الآخرين‭ ‬قد‭ ‬اغتنموها‭.‬

وتنظر‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬الشّائع‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الاستثمار‭ ‬والمال‭ ‬نظرة‭ ‬سلوكيّة‭ ‬أخلاقيّة‭ ‬تتطلّب‭ ‬وقفة‭ ‬تأمل‭ ‬عميقة؛‭ ‬حيث‭ ‬يتجلّى‭ ‬مفهوم‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬فوات‭ ‬الفرصة‭ ‬في‭ ‬سلوكيّات‭ ‬استثماريّة‭ ‬غير‭ ‬مدروسة،‭ ‬يتّخذها‭ ‬الأفراد‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬الحماسة‭ ‬أو‭ ‬الهلع‭ ‬الجماعيّ،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬موضوعيّ‭ ‬أو‭ ‬تقييم‭ ‬ماليّ‭ ‬متّزن،‭ ‬ما‭ ‬يُؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة،‭ ‬وخاصّة‭ ‬عندما‭ ‬يتّضح‭ ‬لاحقًا‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬ظنّه‭ ‬الناس‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبيّة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬وهم‭ ‬عابر‭ ‬أو‭ ‬دعاية‭ ‬مضلِّلة‭.‬

ولا‭ ‬شكّ‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬للشريعة‭ ‬الإسلاميّة،‭ ‬أهمّها‭ ‬التوكّل‭ ‬على‭ ‬الله،‭ ‬الذي‭ ‬يقتضي‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬بذل‭ ‬الأسباب‭ ‬والثقة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الله‭.‬

ويدخل‭ ‬كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬التعاملات‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ (‬FOMO‭) ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬الغرر،‭ ‬وهو‭ ‬منهيٌّ‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلاميّة؛‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬جهالة‭ ‬ومخاطرة‭ ‬عالية‭ ‬تؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬تضييع‭ ‬الحقوق‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الاستثمارُ‭ ‬في‭ ‬منتجات‭ ‬ماليّة‭ ‬غير‭ ‬مفهومة‭ ‬أو‭ ‬أصول‭ ‬رقميّة‭ ‬متقلّبة،‭ ‬لأنّ‭ ‬السوق‭ ‬يشهد‭ ‬إقبالًا‭ ‬عليها‭ ‬فقط،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إدراك‭ ‬حقيقيّ‭ ‬لقيمتها‭ ‬أو‭ ‬مشروعيتها‭. ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬يُعرّض‭ ‬الفرد‭ ‬لخسائرَ‭ ‬غيرِ‭ ‬مبرّرةٍ‭ ‬شرعًا‭.‬

كما‭ ‬أنّ‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬موجات‭ (‬FOMO‭) ‬يتمّ‭ ‬تضخيمها‭ ‬عبر‭ ‬حملات‭ ‬دعائيّة‭ ‬أو‭ ‬توصيات‭ ‬من‭ ‬مؤثّرين‭ ‬يفتقرون‭ ‬إلى‭ ‬التأهيل‭ ‬العلميّ‭ ‬أو‭ ‬الأخلاقيّ‭. ‬وهذا‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬الغبن‭ ‬أو‭ ‬التدليس،‭ ‬وهما‭ ‬محرّمان‭ ‬شرعًا‭ ‬لما‭ ‬فيهما‭ ‬من‭ ‬خداع‭ ‬وتضليل‭ ‬للناس،‭ ‬ما‭ ‬يُضعف‭ ‬ثقة‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬ويؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬الشفافية‭ ‬والعدالة،‭ ‬وهما‭ ‬من‭ ‬مقاصد‭ ‬الشريعة‭ ‬في‭ ‬المعاملات‭ ‬الماليّة‭.‬

وأمّا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصاديّة‭ ‬فيتسبّب‭ (‬FOMO‭) ‬في‭ ‬خلق‭ ‬فقاعات‭ ‬ماليّة‭ ‬وهميّة،‭ ‬ويؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬تقلّبات‭ ‬حادّة‭ ‬في‭ ‬الأسعار،‭ ‬وخسائر‭ ‬جسيمة‭ ‬للمستثمرين‭ ‬غير‭ ‬المحترفين،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬السوق‭ ‬والإخلال‭ ‬بمبدأي‭ ‬التوازن‭ ‬والإنصاف‭ ‬اللذين‭ ‬تحرص‭ ‬الشريعة‭ ‬على‭ ‬ترسيخهما‭. ‬ولذلك؛‭ ‬فإنّ‭ ‬السوق‭ ‬الماليّة‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬والتخطيط‭ ‬والوعي،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬القلق‭ ‬أو‭ ‬التقليد‭ ‬الأعمى‭.‬

ولتحقيق‭ ‬مقاصد‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلاميّة؛‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُستبدَل‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬واعية‭ ‬بالسلوكيّات‭ ‬العاطفيّة،‭ ‬فينبغي‭ ‬التريّث‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الاندفاع‭ ‬مع‭ ‬السوق،‭ ‬ولا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬استشارة‭ ‬أهل‭ ‬الخبرة‭ ‬والتحقّق‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬قبل‭ ‬اتّخاذ‭ ‬أيّ‭ ‬قرار‭ ‬ماليّ‭. ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬تجاوز‭ ‬التقليد‭ ‬الأعمى‭ ‬بالبحث‭ ‬والتوثّق،‭ ‬والتمسّك‭ ‬بتحقيق‭ ‬الربح‭ ‬الحلال‭. ‬وأمّا‭ ‬السعي‭ ‬خلف‭ ‬الأرباح‭ ‬السريعة‭ ‬فيُقابل‭ ‬بالاستثمار‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصاديّة‭ ‬والماليّة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصاديّ‭ ‬الحقيقيّ‭.‬

وهكذا؛‭ ‬فإنّ‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬فوات‭ ‬الفرصة‭ ‬ليس‭ ‬مجرّد‭ ‬حالة‭ ‬نفسيّة‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬سلوك‭ ‬يحمل‭ ‬أبعادًا‭ ‬أخلاقيّة‭ ‬واقتصاديّة‭ ‬حسّاسة‭. ‬إنّ‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬يرفض‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬الرزق،‭ ‬وإنّما‭ ‬يحثّ‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬من‭ ‬العقل‭ ‬والاتّزان‭ ‬والتثبّت‭. ‬وأمّا‭ ‬الانسياق‭ ‬وراء‭ ‬العاطفة‭ ‬والشائعات‭ ‬فيُعكّر‭ ‬صفو‭ ‬التعاملات‭ ‬ويُهدّد‭ ‬استقرار‭ ‬السوق‭ ‬ويُعرّض‭ ‬الحقوق‭ ‬للضياع‭. ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬الأسواق‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬متينة‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬والسلوك‭ ‬القويم،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬مشاعر‭ ‬الخوف‭ ‬والهوس‭ ‬الجماعيّ‭.‬

{‭ ‬محاضر‭ ‬رئيس‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الـبحريـن‭ ‬للدراسات‭ ‬المالية‭ ‬والمصرفية‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا