لماذا تبنى الكثير من المنازل في الدول الأوروبية والولايات المتحدة والصين واليابان ونيوزيلاندا وأستراليا وغيرها من الخشب؟ فيما تبنى البيوت في دول الشرق الأوسط مثلا من الخرسانة المسلحة؟ ما هو الفرق بين النوعين؟ هل بالإمكان استخدام البيوت الخشبية في مناطقنا؟ أم أن الخرسانة والطوب هو الخيار الوحيد المتاح لنا؟
تقرير علمي لقناة «عقول مضيئة» تناول هذا الموضوع، لافتا إلى أنه في أي منطقة، يتم الاعتماد على أكثر مواد البناء توافرا. وهنا نجد ان الصين واليابان تعتبران من أكثر دول العالم امتلاكا للغابات. والصين وحدها لديها أكثر من مليوني كيلومتر مربع من الغابات، وهو ما يعني ان مساحة الغابات الصينية تعادل ضعف مساحة دولة مثل جمهورية مصر العربية، وهذا ما جعل هذه الدول تعتمد على الخشب كمادة أساسية للبناء منذ القدم. وذات الامر ينسحب على الولايات المتحدة وكندا اللتين تأتيان في المركز الثالث والرابع ضمن أكبر الدول التي لديها غابات في العالم.
تاريخيا، عندما وصل الأوروبيون إلى أمريكا واحتلوا الأمريكتين، كانوا بحاجة الى بناء الكثير من البيوت في وقت قصير. وكان الخشب هو الحل الأمثل لأنه لا يتطلب وقتا طويلا في البناء ولا يتطلب عمالة كبيرة أو معدات معقدة.
ولكن، المهاجرون الهولنديون والبريطانيون كانوا يعرفون حرفة البناء بالطوب في دولهم، لذلك ابتداء من عام 1661 بدأت صناعة الطوب في امريكا وتحديدا في ولاية فرجينيا، ثم بدأت هذه الصناعة تتوسع خاصة مع توافر المواد المطلوبة مثل الصخور والرمال. لذلك نجد ان البيوت التقليدية في أمريكا حتى الان تعتمد على العنصرين وهما الطوب والخشب معا.
ولكن مع الأيام، لم يعد الامر يعتمد على وفرة هذه المواد فقط، بل أصبحت الظروف المناخية تلعب دورا في تحديد المواد المطلوبة.
وبالتالي بقي الخشب مادة أساسية في البناء في الكثير من الدول والمجتمعات مثل الولايات المتحدة وذلك لأسباب منها ان الخشب مناسب جدا للظروف المناخية في الكثير من الولايات، حيث يعتبر مادة عازلة بشكل ممتاز، حيث يعزل الحرارة أكثر من الطوب بخوالي خمسين مرة، وأكثر من الحديد بحوالي 700 مرة. وهذا ما يجعل البيت المصنوع من الخشب لا يسمح بدخول الحرارة، ولا بخروجها. لذلك أثبت الخشب نجاحه وفاعليته في الأجواء الباردة، واثبت قدرة على توفير الطاقة بشكل كبير. وكل ذلك جعل من الخشب خيارا مثاليا في الأجواء الباردة، وبقي مستخدما حتى الآن.
ولكن لو نظرنا الى الوضع في الدول العربية مثلا، نجد ان الأمر مختلف، فمثلا أكثر من 80% من مساحة الجزائر هي صحراء. وحوالي 94% من مصر صحاري. ونفس الامر بالنسبة الى السعودية ودول الخليج. وبالتالي فإن الرمال ومكونات البناء الأساسية كالحجر والطين متوافرة بشكل كبير في الدول العربية، ما جعل هذه الدول تعتمد على الخرسانة المسلحة منذ القدم. ونجد السعودية تليها مصر والجزائر أكبر الدول العربية انتاجا للأسمنت. ومن أكثر عشر دول انتاجا على مستوى العالم.
وعلى الرغم من ذلك لا تعتبر الخرسانة المسلحة هي الأنسب للبناء في مناخ دول المنطقة. وبالعودة الى التاريخ، نجد أن قدماء المصريين اعتمدوا على الطوب اللبني في بناء البيوت والاسواء، فيما استخدم الحجر الجيري في بناء المعابد والمقابر. وبقيت هذه المواد تستخدم في البناء حتى عهد محمد علي باشا الذي استعان بخبراء أجانب منهم خبراء في العمارة بهدف بناء دولة حديثة. وهؤلاء عمدوا الى بناء منشآت كبيرة مناسبة لمناخ المنطقة. وكانت الخيارات آنذاك هو الاعتماد على المباني ذات الأدوار القليلة ذات الاسقف العالية والجدران السميكة جدا. وهذا ما وفر ميزتين أساسيتين أولهما هو توفير مساحات فراغ كبيرة في الداخل، ما يتيح ارتفاع الهواء الساخن للأعلى. كما ان الجدران السميكة كانت عازلا طبيعيا للحرارة، ما يخلق دورة طبيعية للتدفئة والتبريد. وبقي هذا الأسلوب سائدا لفترات طويلة وانتقل الى دول المنطقة. ولكن تدريجيا دخلت الخرسانة المسلحة لأسباب، منها رخص تكلفة الاسمنت والطوب مقارنة بالنظام الذي أشرنا اليه. كما ان البناء بالخرسانة أسرع واقل احتياجا للعمالة. أضف الى ذلك تزايد اعداد المجتمع خاصة في المدن الرئيسية. وكان الحل الأفضل هو التوسع الرأسي في البناء بدل الافقي. وبالفعل ابتدأ بناء المباني العالية، وهو ما لا يمكن عمله في النظام القديم المعتمد على الأدوار القليلة والجدران السميكة.
ويمكن القول ان الكثافة السكانية كانت سببا في تغيير الطراز المعماري في اغلب دول العالم. فالصين مثلا بقيت متمسكة بالتراث المعماري خاصة البيوت الخشبية لأجيال. ولكنها اضطرت في العصور الحديثة الى اللجوء لناطحات السحاب للتعامل مع الكثافة السكانية المتزايدة. وذات الامر في الولايات المتحدة التي يطلق على بعض مدنها بالغابات الخرسانية.
وإلى جانب من سبق، لعبت عوامل أخرى في تحديد أسلوب البناء الأمثل في كل منطقة. فمثلا في بعض الدول التي تعاني من كوارث طبيعية، تبقى متمسكة بالخشب كمادة للبناء، كما هو الحال في الكثير من مناطق الصين خاصة تلك التي تتعرض باستمرار إلى زلازل وعواصف.
ولكن بالمقابل، لا تعتبر الهياكل الخشبية بنفس مستوى الأمان الذي توفره الهياكل الخرسانية. حيث إن الخشب أكثر عرضة للتأثيرات الخارجية مثل الحرائق والرياح والرطوبة والحشرات والعفن، ما قد يتسبب بأضرار كبيرة في البناء في بعض المناطق والمناخات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك