العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٨ - الجمعة ١٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

مقالات

حرّية الصحافة بين الأمس واليوم

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الاثنين ٠٩ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

بداية‭ ‬أتمنى‭ ‬لكم‭ ‬جميعاً‭ ‬عيد‭ ‬أضحى‭ ‬مباركا‭.‬

والسؤال‭ ‬كان‭: ‬هل‭ ‬إن‭ ‬صحفيين‭ ‬زمان‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬صحفيي‭ ‬اليوم؟‭ ‬

قبل‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬دهاليز‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬تعلمون‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬هي‭ (‬حكم‭ ‬الشعب‭ ‬للشعب‭) ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬أثينا‭ ‬معقل‭ ‬الحضارة‭ ‬اليونانية‭ ‬القديمة،‭ ‬وربما‭ ‬كانت‭ ‬نموذجاً‭ ‬مناسباً‭ ‬لزمنها‭ ‬بالصورة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عليها،‭ ‬وإن‭ ‬اختلف‭ ‬رأيي‭ ‬حولها،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬حينها‭ ‬نموذجاً‭ ‬للعدالة‭ ‬والمساواة‭ ‬لأنها‭ ‬أعملت‭ ‬مبدأ‭ ‬التمييز‭ ‬بسبب‭ ‬الجنس‭ ‬فكانت‭ ‬حكراً‭ ‬على‭ ‬الرجال،‭ ‬كما‭ ‬أغفلت‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬بالتمييز‭ ‬بين‭ ‬الأحرار‭ ‬وسواهم،‭ ‬فهي‭ ‬بصورتها‭ ‬الأولى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬ملائمة‭ ‬لزمنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬النموذج‭ ‬الأسمى‭ ‬للديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬تطورت‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬مع‭ ‬اختلافات‭ ‬في‭ ‬التطبيق‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬تقتضيه‭ ‬خصوصية‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭.‬

والديمقراطية‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬الدول‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬حيث‭ ‬يتمكّن‭ ‬المواطنون‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬القرارات‭ ‬السياسية‭ ‬بواسطة‭ ‬ممثلين‭ ‬يتم‭ ‬انتخابهم‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬حرّة‭ ‬ونزيهة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المشاركة‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬ابداء‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬الاستفتاءات‭ ‬الشعبية‭ ‬على‭ ‬المواضيع‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تطرحها‭ ‬السلطة‭ ‬للاستفتاء،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انتخاب‭ ‬الأعضاء‭ ‬الذين‭ ‬سيمثلونهم‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬القرارات‭ ‬السياسية‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬إلا‭ ‬بكفالتها‭ ‬وإعمالها‭ ‬كفالة‭ ‬واحترام‭ ‬وتعزيز‭ ‬وصون‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬وأهمها‭ ‬لأغراض‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬حيث‭ ‬يُسهم‭ ‬الشعب‭ (‬الصحفيون‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الفكر‭ ‬والرأي‭) ‬في‭ ‬نشر‭ ‬آرائهم‭ ‬وانتقاداتهم‭ ‬الإيجابية‭ ‬والسلبية‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الإصلاح‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬سياسياً‭ ‬واقتصادياً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬وثقافياً‭ ‬تعزيزا‭ ‬لمبدأ‭ ‬الشفافية‭ ‬وتمهيداً‭ ‬للمساءلة‭.‬

لذا‭ ‬حظيت‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬بدعم‭ ‬دولي‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية،‭ ‬ويتم‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بالمبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬وتقييمها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬لضمان‭ ‬استمرارية‭ ‬استقلال‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬وتم‭ ‬تخصيص‭ ‬يوم‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬يوماً‭ ‬عالمياً‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة،‭ ‬تذكيراً‭ ‬للدول‭ ‬بضرورة‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬تجاه‭ ‬كفالة‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬تعزيزاً‭ ‬لحرية‭ ‬الفكر‭ ‬والوجدان‭ ‬وما‭ ‬ينبثق‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬حرّية‭ ‬الرأي‭ ‬وحق‭ ‬الانسان‭ ‬وحريته‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬بجانب‭ ‬حق‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬العام،‭ ‬وهي‭ ‬حقوق‭ ‬كفلتها‭ ‬الشرعة‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭.‬

لذا‭.. ‬في‭ ‬سؤال‭ ‬وجهه‭ ‬مراسل‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭ ‬إلى‭ ‬الصحفي‭ ‬القدير‭ ‬الأستاذ‭ ‬أنور‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬،‭ ‬في‭ ‬احتفالية‭ ‬جمعية‭ ‬الصحفيين‭ ‬باليوبيل‭ ‬الفضي‭ ‬لتأسيسها،‭ ‬عن‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬صحفيي‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬الأفضل‭ ‬في‭ ‬رأيه؟،‭ ‬كان‭ ‬ردّ‭ ‬الأستاذ‭ ‬أنور‭ ‬بأن‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬وجهة‭ ‬الرقابة،‭ ‬ولنتفق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬ابداء‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬الصالح‭ ‬العام،‭ ‬والإصلاح‭ ‬للمنفعة‭ ‬العامة‭ ‬والخير‭ ‬العام،‭ ‬لذلك‭ ‬ففي‭ ‬رأيي‭ (‬والكلام‭ ‬للأستاذ‭ ‬أنور‭) ‬فإن‭ ‬صحفيي‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أفضل،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬النهج‭ ‬الديمقراطي‭ ‬يُتيح‭ ‬لهم‭ ‬إبداء‭ ‬آرائهم‭ ‬بحرية‭ ‬وأريحية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رقابة‭ ‬من‭ ‬السلطة،‭ ‬إلا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بضوابط‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العام‭ (‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬والآداب‭ ‬العامة‭ ‬والأمن‭ ‬الوطني‭) ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬وحريات‭ ‬الآخرين‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬سمعتهم‭ ‬وشرفهم،‭ ‬وفيما‭ ‬عدا‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الرقيب‭ ‬الأساسي‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬هو‭ ‬الشعب‭ ‬نفسه،‭ ‬حيث‭ ‬يتصدى‭ ‬ذوو‭ ‬الرأي‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬لكل‭ ‬رأي‭ ‬يحيد‭ ‬عن‭ ‬الصحة‭ ‬أو‭ ‬الصواب‭ ‬أو‭ ‬ينطوي‭ ‬ما‭ ‬نشره‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬المصداقية‭ ‬أو‭ ‬يرتقي‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الكيدية،‭ ‬أما‭ ‬صحفيو‭ ‬الأمس‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬فكرهم‭ ‬حُراً‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬مقيداً‭ ‬بأهداف‭ ‬وأيديولوجيات‭ ‬يسعى‭ ‬لتحقيقها،‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يتوافق‭ ‬بعضها‭ ‬مع‭ ‬سلامة‭ ‬واستقرار‭ ‬الدول،‭ ‬فكانت‭ ‬الرقابة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السلطة‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬وسلامتها‭ ‬ووحدة‭ ‬نسيجها‭ ‬المجتمعي‭.‬

وفي‭ ‬رأيي‭ ‬فإن‭ ‬حرية‭ ‬الصحافة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬السلطة‭ ‬الرابعة‭ ‬في‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الحديثة‭ ‬هي‭ ‬طائر‭ ‬بجناحين،‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تكفله‭ ‬الدولة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬من‭ ‬سقف‭ ‬لهذه‭ ‬الحرية‭ ‬والذي‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يعلو‭ ‬ويرتفع‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تتقدم‭ ‬ديمقراطيتها،‭ ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬وعي‭ ‬الصحفي‭ ‬وصاحب‭ ‬الرأي‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُقال‭ ‬وفق‭ ‬أسس‭ ‬المصداقية‭ ‬وحب‭ ‬الوطن‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬بنائه‭ ‬بالكلمة‭ ‬الصادقة‭ ‬المخلصة،‭ ‬وكيف‭ ‬يُقال‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ضرر‭ ‬ولا‭ ‬ضرار،‭ ‬لذا‭ ‬سيكون‭ ‬الصحفي‭ ‬الذي‭ ‬ينتهج‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬هو‭ ‬الأفضل‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ابن‭ ‬الأمس‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬اليوم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا