العدد : ١٧٢٤٠ - الخميس ٠٥ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٠ - الخميس ٠٥ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

مقالات

الميزة التنافسية في القطاع الحكومي.. تكامل الحوكمة مع الهوية المؤسسية

بقلم: عبير محمد دهام {

الثلاثاء ٠٣ يونيو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬مسار‭ ‬التحولات‭ ‬الإدارية‭ ‬المتسارعة‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية،‭ ‬تزداد‭ ‬أهمية‭ ‬مراجعة‭ ‬الأدوات‭ ‬التنظيمية‭ ‬ومنهجيات‭ ‬العمل‭ ‬بما‭ ‬يواكب‭ ‬متطلبات‭ ‬الكفاءة‭ ‬ويُعزز‭ ‬من‭ ‬موثوقية‭ ‬الأداء‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬يبرز‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الميزة‭ ‬التنافسية‮»‬‭ ‬بوصفه‭ ‬مؤشراً‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬الجهة‭ ‬الحكومية‭ ‬على‭ ‬إبراز‭ ‬نقاط‭ ‬قوتها‭ ‬المؤسسية‭ ‬وتفعيل‭ ‬عناصر‭ ‬التميز‭ ‬النوعي‭ ‬ضمن‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬واختصاصاتها‭ ‬المحددة‭. ‬هذا‭ ‬التميز‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإجراءات‭ ‬التقليدية‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬يتطلب‭ ‬تكاملاً‭ ‬فعالاً‭ ‬بين‭ ‬هوية‭ ‬مؤسسية‭ ‬راسخة‭ ‬وحوكمة‭ ‬ناضجة‭ ‬توجه‭ ‬السلوك‭ ‬الإداري‭ ‬وتُحقق‭ ‬التوافق‭ ‬بين‭ ‬الرؤية‭ ‬والتنفيذ‭.‬

ويُطرح‭ ‬هنا‭ ‬تساؤل‭ ‬جوهري‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لهذا‭ ‬التكامل‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬ركيزة‭ ‬لبناء‭ ‬ميزة‭ ‬تنافسية‭ ‬مستدامة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الحكومي،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬التحولات‭ ‬وتحقيق‭ ‬أثر‭ ‬مؤسسي‭ ‬يتسم‭ ‬بالثبات‭ ‬والموثوقية؟

الهوية‭ ‬المؤسسية،‭ ‬في‭ ‬جوهرها،‭ ‬لا‭ ‬تختزل‭ ‬في‭ ‬الشعارات‭ ‬أو‭ ‬الألوان‭ ‬البصرية،‭ ‬وإنما‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬والسلوكيات‭ ‬والممارسات‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬المؤسسة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬تعاملاتها‭. ‬إنها‭ ‬التعبير‭ ‬العميق‭ ‬عن‭ ‬‮«‬من‭ ‬نحن‮»‬،‭ ‬و«كيف‭ ‬نعمل‮»‬،‭ ‬و«لماذا‭ ‬نوجد‮»‬‭. ‬وكلما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الهوية‭ ‬واضحة‭ ‬ومفعّلة‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬الإدارية‭ ‬اليومية،‭ ‬تزداد‭ ‬قدرة‭ ‬المؤسسة‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬التميز‭ ‬الأصيل‭.‬

وتأتي‭ ‬الحوكمة‭ ‬هنا‭ ‬كضمانة‭ ‬جوهرية‭ ‬لتوجيه‭ ‬الهوية‭ ‬المؤسسية‭ ‬نحو‭ ‬أهداف‭ ‬مستدامة‭. ‬فالعمل‭ ‬المؤسسي‭ ‬الذي‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬مبادئ‭ ‬الشفافية،‭ ‬والمساءلة،‭ ‬والعدالة،‭ ‬يُحول‭ ‬الهوية‭ ‬إلى‭ ‬التزام‭ ‬جماعي‭ ‬وسلوك‭ ‬إداري‭ ‬تتجسد‭ ‬آثاره‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭ ‬ومستوى‭ ‬الثقة‭ ‬المجتمعية‭.‬

ولا‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬النظر،‭ ‬أن‭ ‬التطورات‭ ‬التنظيمية‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬الجهاز‭ ‬الحكومي‭ ‬كما‭ ‬تمت‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق‭ ‬حول‭ ‬الثقة‭ ‬المؤسسية‭ ‬تُشكل‭ ‬نقطة‭ ‬اختبار‭ ‬حقيقية‭ ‬لقدرة‭ ‬المؤسسات‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هويتها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التغيير،‭ ‬وتحويل‭ ‬الانتقال‭ ‬الإداري‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬لترسيخ‭ ‬الاستقرار‭ ‬وتعزيز‭ ‬الموثوقية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مواءمة‭ ‬القرارات‭ ‬التنظيمية‭ ‬مع‭ ‬خصوصية‭ ‬المؤسسة‭ ‬وخبراتها‭ ‬المتراكمة‭. ‬

فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬تعيين‭ ‬قيادات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمكينهم‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬السياق‭ ‬الثقافي‭ ‬للمؤسسة،‭ ‬قد‭ ‬تنشأ‭ ‬فجوات‭ ‬داخلية‭ ‬تُضعف‭ ‬الانتماء‭ ‬وتربك‭ ‬مسار‭ ‬العمل‭. ‬وتتجلى‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬أحياناً‭ ‬في‭ ‬اختلاف‭ ‬أولويات‭ ‬الإدارة‭ ‬الجديدة،‭ ‬أو‭ ‬تبدل‭ ‬أساليب‭ ‬التواصل،‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬فرق‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬الخبرات‭ ‬المتراكمة‭ ‬والاستمرارية‭ ‬المؤسسية،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تآكل‭ ‬تدريجي‭ ‬في‭ ‬الانسجام‭ ‬الوظيفي‭ ‬والثقة‭ ‬الداخلية‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬الممارسة‭ ‬العملية‭ ‬أن‭ ‬يُقترن‭ ‬نقل‭ ‬القيادات‭ ‬الإدارية‭ ‬‮«‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬المحورية‮»‬‭ ‬ببرامج‭ ‬تأهيل‭ ‬نوعية‭ ‬تُعرّف‭ ‬هذه‭ ‬القيادات‭ ‬على‭ ‬خصوصية‭ ‬المؤسسة،‭ ‬وتُهيئها‭ ‬للاندماج‭ ‬لا‭ ‬الاستبدال،‭ ‬وللتطوير‭ ‬دون‭ ‬الإرباك‭.‬

فالهوية‭ ‬المؤسسية‭ ‬هي‭ ‬البوصلة‭ ‬التي‭ ‬تحفظ‭ ‬للمؤسسة‭ ‬وحدتها‭ ‬الداخلية،‭ ‬وتمنح‭ ‬موظفيها‭ ‬شعوراً‭ ‬بالانتماء‭ ‬والاستقرار‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬تأتي‭ ‬الحوكمة‭ ‬كآلية‭ ‬متكاملة‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬الهياكل‭ ‬والأنظمة،‭ ‬بل‭ ‬تُفعل‭ ‬لحماية‭ ‬روح‭ ‬المؤسسة‭ ‬أثناء‭ ‬التغيير‭ ‬وضمان‭ ‬ألا‭ ‬يتحول‭ ‬التحديث‭ ‬الإداري‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاغتراب‭ ‬الوظيفي‭ ‬أو‭ ‬التناقض‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والمستقبل‭.‬

ولا‭ ‬يخفى‭ ‬أن‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬نهجاً‭ ‬حوكمياً‭ ‬متكاملاً،‭ ‬تعزز‭ ‬موقعها‭ ‬كمكون‭ ‬استراتيجي‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي،‭ ‬وتُترجم‭ ‬ثقة‭ ‬القيادة‭ ‬والمجتمع‭ ‬إلى‭ ‬إنجازات‭ ‬ملموسة‭. ‬ويُعد‭ ‬ما‭ ‬تحققه‭ ‬من‭ ‬ترتيب‭ ‬متقدم‭ ‬في‭ ‬أولويات‭ ‬الخطط‭ ‬والبرامج‭ ‬الوطنية‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬نضج‭ ‬هويتها‭ ‬المؤسسية،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬ومستدامة‭.‬

الهوية‭ ‬المؤسسية‭.. ‬عندما‭ ‬تُفعّل‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬حوكمي‭ ‬ناضج،‭ ‬لا‭ ‬تمنح‭ ‬المؤسسة‭ ‬ميزة‭ ‬تنافسية‭ ‬في‭ ‬الحاضر‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تؤسس‭ ‬أيضاً‭ ‬لمكانتها‭ ‬المستقبلية‭. ‬كما‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬سمعة‭ ‬مؤسسية‭ ‬راسخة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الثقة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وتحويل‭ ‬التحديات‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭ ‬حقيقية‭ ‬للنمو‭ ‬المؤسسي‭ ‬المستدام‭.‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬فإن‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬ميزة‭ ‬تنافسية‭ ‬مستدامة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬عميق‭ ‬بالهوية‭ ‬المؤسسية،‭ ‬وتفعيل‭ ‬فعلي‭ ‬لمبادئ‭ ‬الحوكمة‭. ‬فعندما‭ ‬تُترجم‭ ‬القيم‭ ‬إلى‭ ‬ممارسات،‭ ‬وتُدار‭ ‬التحولات‭ ‬الإدارية‭ ‬بانسجام‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬المؤسسة،‭ ‬تنشأ‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التميّز‭ ‬الحقيقي‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الميزة‭ ‬التنافسية‭ ‬المنشودة‭: ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المؤسسة‭ ‬متفردة‭ ‬بجوهرها،‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬قيمها،‭ ‬ومتفوقة‭ ‬بأدائها‭.. ‬مهما‭ ‬تغيرت‭ ‬الأدوار‭ ‬أو‭ ‬تعاقبت‭ ‬الأسماء‭.‬

 

{‭ ‬مهتمة‭ ‬بالحوكمة‭ ‬وتطوير‭ ‬الأداء‭ ‬المؤسسي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا