القراء الأعزاء
يُقال «إن أهل مكة أدرى بشعابها». وعليه، فقد حرصت أثناء عملي في صياغة القرارات والقوانين وقتما كنت محامية ثم رئيسة شؤون قانونية في وظيفة حكومية، على ضرورة إشراك العاملين في الحقل الذي ينظمه القرار أو القانون باعتبارهم الأكثر خبرة في هذا المجال والأعلم باحتياجاته ونواقصه وعوائقه وآلية تذليلها.
التقيت مؤخراً بشخص اعتز كثيراً بصدفة معرفته، ويُدعى عمران الرحبي، هو مسرحي وإنسان رائع ذو شخصية فريدة من نوعها ومعرفتها ووعيها وفكرها، استمعت اليه يتحدث معلقاً على جزئية كانت تعتبر محوراً مهما طُرح في ندوة علمية نظمتها جمعية التعاون الثقافي لمساندة ذوي الإعاقة في مدينة الرباط في المملكة المغربية تحت عنوان (دور الإبداع في خدمة الشباب ذوي الإعاقة)، حيث تناولت الندوة نقاط محورية طرحها مجموعة من الخبراء والأكاديميين المختصين فناقشوا محاور عدة وهي سوسيولوجيا الإعاقة والتمثلات المجتمعية والإبداع كوسيلة للتمكين الاجتماعي لذوي الاعاقة والفن والادماج في الفضاء العمومي وتحارب ميدانية لمبدعين من ذوي الاعاقة.
توقّف عمران (وبالمناسبة هو انسان كفيف بصر نافذ بصيرة، لا مجاملة ولكنها حقيقة) توقف عند المسميات التي انتقيت لتطلق على هذه الفئة التي أُلصقت بها مسميات مثل المعاقين، ذوي الهمم والاشخاص في وضعية الاعاقة، وتساءل: لماذا يجب أن تُطلق علينا مثل هذه المسميات؟
وفي الواقع اننا نُعاني معاناة كبيرة جداً لماذا يطلق علينا مسمى مثل ذوي الهمم؟ وفي رأيي أنها مسميات عاطفية جداً، وهي في الواقع لا تُساعدنا بل تُشكّل عبئاً اجتماعياً ونفسياً علينا، فلماذا ترهقونا بهذا المسمى وتعرضونا لضغط اجتماعي وتحمّلونا مسؤولية أن نكون مختلفين وتنتظرون لنا بشكل الزامي عاطفي أن نكون مبدعين؟
فأنا كشخص ضرير -والكلام على لسان عمران- أريد أن أعيش كشخص طبيعي كما أراني ولا أريد أن أكون من ذوي الهمم، لا أريد أن يُتوقع مني أن أثبت نفسي وقدرتي على الإبداع فقط لأنني فاقد البصر لكي أبهر المجتمع وأقنعه بأنني مبدع، على الرغم من أنني من ذوي الهمم، كما أسميتموني.
والفكرة التي استقيتها من حديث عمران وهو يتكلم بلسان الكثير ممن تعرضوا لإعاقات جسدية ظاهرة، هي: أننا أشخاص طبيعيون جدا ونستطيع أن نكون مبدعين ومتميزين ولكن يا أيها المجتمع دعنا نختار أن نكون كذلك من دون ضغط عاطفي أو اجتماعي يُجبرني على أن أحقق تطلعاتكم بشأني، شكراً لجهودكم ولكن دعوني أختار أن أكون ذا همّة أو أكون دونها فلربما اختار الكسل مثلاً، دعوني أعيش حياتي كما اريدها وفق وضعي الذي أتقبله جدا وأتعايش معه جداً، وهنا انتهى حديث عمران وبعده رأيي الخاص الذي كونته وصغته على لسانه.
أما على صعيد مهني، فإنه يهمني توضيح أهمية الجهود التي تبذلها الدولة من أجل منح حقوق خاصة لازمة وضرورية لفئة ذوي الاعاقة (وهنا أتمنى أن نشتغل جميعا على إيجاد اسم أكثر واقعية واخف وطئاً ومسؤولية من جميع الاسماء التي ذكرناها، والتي وضعتها المواثيق الدولية الخاصة بحقوق هذه الفئة) فإن جهود الدولة تأتي من أجل سد الفجوة الاجتماعية على صعيد تمتّع هذه الفئة (المهمشة) بحقوق انسان مهمة كالحق في العمل والتنقل وغيرها من الحقوق الاساسية تحقيقاً لمبدأ المساواة، لذا فقد انضمت مملكة البحرين إلى اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة بالقانون رقم 22 لسنة 2011 بالتصديق على الاتفاقية.
والحق أن عدم المساواة والتمييز ضد هذه الفئة يستحوذ المجتمع على الحظ الأكبر منها، عن قصد أحياناً وعن غير قصد أحيانا أخرى، من خلال نظرته الى هذه الفئة على انها غير قادرة أو عاجزة، رغم أن العلم قد أثبت أن التكوينية الخلقية لجسم الانسان واعضائه تقوم على أسس التكامل فهي تسهم في اكمال نقص بعضها الآخر، ذلك ان جسد الانسان إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، بل إن عجز عضو منه يترتب عليه قوة أعضاء أخرى فسبحان من خلق الإنسان (أربعة وعشرين قيراطاً) كما يقول اخوتنا المصريون، أي انه كامل متكامل يحظى بالأربعة وعشرين قيراطاً كاملةً، وإن اختلف توزيعها ولكن مجموعها ثابت لكل إنسان.
اما فيما يتعلق بإهمال الابداع والمبدعين ففي رأيي انها ليست مرتبطة بالإعاقة، فالإهمال واللامبالاة قد تطول جميع الفئات.
وفي رأيي أن اسهام المجتمع في تهميش هذه الفئة هو الذي يحتاج إلى مواجهة تثقيفية لتعزيز الوعي الجمعي بثقافة احترام الآخر من دون النظر الى اختلافاته الجسدية أو الذهنية، وعدم التركيز عليها باعتبارها نقصاً فيه، لاسيما أن الإعاقات الظاهرة لا تعتبر شيئاً أمام الإعاقات الخافية في الكثير من سليمي الأبدان.
وانتهي هنا مليئة بالأسئلة حول ذوي الهمم أو الإعاقة والمعاقين،
هل ذوي الإعاقة هم معاقون فعلاً؟ أم أن الخلل مجتمعي؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك