وراء كُل كتابةٍ مؤثِّرةُ في نفس القارئ إيمانٌ بقضيَّةٍ تُغذّي روح الكاتِب بالتوهُّج والتوق لمسِّ الخراب في هذا العالم بالعصا السحريَّة للإصلاح والتطوير، تلك الروح المُفعمة بالطموح لتحقيق المُستحيل تُشرق أمام بصيرة القارئ من سطور الكاتبة د. أنيسة فخرو التي تُسلّط بها ضوء الاهتمام على نُخبةٍ من قضايا المُجتمع والوطن والعالم، وضمن حملة «البحرين تقرأ 2025م» تم تدشينُ كِتابي «ضوء الفِكر» و«ضوء الشمس» ليُخلِّدا باقاتٍ من تلك المقالات.
في قاعة «عيسى بن سلمان» التابعة لـ«نادي الخرّيجين» أطلَّ نجم المحافل الثقافيَّة الأديب عيسى هجرس على جمهور الحاضرين من نُخبة المُثقفين بأسلوبه الجذَّاب للمُنصتين مُقدمًا الحفل بقوله: أُحييكُم بتحيَّة الثقافة والأدب والمعرِفة في حفل تدشين الكتابين القيمين: «ضوء الفِكر» و«ضوء الشمس» للأديبة الكاتبة الدكتورة أنيسة فخرو.. لقد غمرَتْني السَّعادة عندما اتّصَلَت بي الدكتورة ووجهت لي الدعوة لأكونَ مُقدّمًا في هذا الحفل، وهي دعوة تشريف لي أن أكونَ عُنصُرًا مُساهمًا ببعض الجُهد أمام هذه القامة الكبيرة والرصيد الضخم من التأليف والإبداع المُترامي الأطراف الذي بلَغَ الثلاثينَ كتابًا غطَّت قضايا وهموم الوطَن والعالم في كُل نواحي الحياة، عطاءٌ امتدَّ عقودًا من الزمن لم تهدأ فيه الحروف ولم تسترِح فيه الكلمات، وظلَّ الذهنُ راصدًا لكُل فائتٍ وآت، والأديبةُ الكاتبةُ تُرسلُ رسائل على كُل العناوين؛ إلى أصحاب القرار ومُلاّك المواقِف، مع زاجل الأثير والبريد العادي، ومع كُل سائرٍ ويطير، مُتوخّيةً صحوة الضمير.. كتاب «ضوء الشمس» بث شُعاع الضوء على قضايا تربوية وثقافيَّة ومُجتمعيَّة، وكتاب «ضوء الفِكر» شخَّصَ الوجَع، وضمّد جراح فلسطين الحبيبة، واحتضنَ بحميميَّة العروبة مصر والسودان وأقطار الخليج العربي وقضايا فكريَّة مهمة.. كتابان في فهرسهما فُتِحَت محاضِر، ورُفِعَت قضايا، وجلسَت هموم، ووُثِّقَت ملفَّات، بهذا القلم الحُر الذي لا يترك حقًا سجينًا إلا ويُطلقهُ يهرول فوق السطور ويصدح بكلمات الحق والفضيلة».
انتقلَت دفَّة الحديث لبطلة مسرح الحفل د. أنيسة فقالَت: «كانت الكتابة – ومازالت- بالنسبة إلي متعة وعشقًا جارفًا، لأنها تُعبّر عمَّا يختزن في الداخل من أفكار وانفعالات ومشاعر، كانت رسالتي في الحياة منذ الصغر أن أكون مُصلحة اجتماعية، واستعنتُ بالكتابة لتكون وسيلتي في تحقيق شيء من هذه الرسالة».. وأضافَت: «سأحاول التحدث قليلاً عن تجربتي في الكتابة، والحقيقة أن من أصعب الأمور أن يتحدث الكاتب عن نفسه وتجربته، والسؤال الذي ربما يطرق أذهانكم: ما العوامل المؤثرة في الكتابة؟ الكتابة لها علاقة بعدة عوامل؛ قد يكون من أهمها علاقة الكتابة بالقراءة، علينا أن نُقر أن الكتابة لها علاقة وثيقة بالقراءة، لقد بدأتُ القراءة مُبكرًا منذ الخامسة من عمري، وعندما بلغتُ الثالثة عشرة كنتُ أنهيتُ قراءة كثير من الروايات العالميَّة لنُخبة من الأدباء المُتميزين مثل مكسيم غوركي، ليو تولستوي، ألبير كامو، ومُعظم كتابات الأدباء العرب ولا سيما توفيق الحكيم ويوسف السباعي، إحسان عبدالقدوس، نجيب محفوظ، وعباس محمود العقَّاد».. وأكملَت حكايتها مع الكتابة قائِلة: «بدأتُ الكتابة في الرابعة عشرة من عُمري، كتاباتٍ على شكل خواطِر ومُحاولات شعرية خجولة لم تُنشر في أي مكان ولن تُنشر، وكانت أغلب تلك المُحاولات حماسيَّة تُخاطب الوطن.. الكتابة أيضًا لها علاقة بالوضع الاجتماعي والسياسي السائِد، في السبعينيَّات والثمانينيَّات كان الوضع السياسي والاجتماعي العربي بوجه عام والخليجي بوجه خاص مُلتهبًا التهابًا صحيًا إيجابيًا. لقد عشنا في خِضم مرحلة العروبة وانتشار الأفكار القومية واليسارية.. وتسترسِل د. أنيسة: «الانفتاح الفكري مُهم جدًا، فالوضع المُجتمعي يؤثر في الفكر.. هناك أيضًا علاقة الكتابة بالعمل التطوعي الذي أعتبره مدرسة تعليميَّة لشخصيَّة الإنسان لا سيما خلال مراحل حياته المبكرة، فهو يُسهمُ في صقل الشخصية ويدفع للتفكير والإنتاج والعطاء، وفي تجربتي تمكنتُ من الانخراط في العمل التطوعي منذ المرحلة الإعدادية، ما جعلني قادرة على كثير من الدراسات ذات الطابع الاجتماعي عن المرأة والطفل».
وعن علاقة الكتابة بالتخصص الدراسي والأكاديمي أوضَحَت: «كان تخصصي الأول بعد تخرجي في القسم العلمي هو الأحياء والكيمياء، وأنا مُغرمة بالأحياء، دخلتُ كلية الطب التابعة لجامعة «عين شمس» في القاهرة، لكن شاءت الظروف توقفي عن مواصلة دراسة الطب، فدخلتُ قسم الفلسفة وعلم النفس في جامعة بيروت، وخلال هذه المرحلة اطّلَعتُ على الجوانب التُّراثيَّة الثرية في الفلسفة العربية الإسلامية ومنها علم الكلام، وتعمَّقتُ في دراسة التصوف والحركات الفكرية، فأصبحَ لدي مخزون ثقافي ساعدني على رفد تجربتي في الكتابة».
واسترسَلَت بثقة: «من العوامل الأساسية في الكتابة علاقة الكتابة بالانفتاح العقلي واحترام ثقافات الشعوب الأخرى، وقد كانت تجربتي في الحياة منذ الطفولة تشجع على الانفتاح العقلي واحترام الآخرين، إذ نشأتُ في المحرَّق، في بيت جد والدتي الذي كان فقيهًا من فقهاء المذهب الشافعي، فكان يُردد أشعار الإمام الشافعي باستمرار وأنا أستمتع بسماعها خلال تلك المرحلة المبكرة من طفولتي، وكانت جدتي تُخاطب جدي أحيانًا بالشعر، كما كان مجلسه يستضيف الزائرين والزائِرات من مُختلَف التوجُّهات الفكريَّة والثقافيَّة، وكان كُل كياني يغوصُ في تلكَ اللذة الروحيَّة الآسِرة».
بدوره أشارَ مُقدم الحفل الأديب عيسى هجرس إلى أن السيرة الإبداعيَّة والثقافيَّة للمؤلّفة غزيرة الإنتاج بصورةٍ تصعُب مُجاراتها أو مُنافستها، إذ لها تاريخ طويل في مجال العمل الاجتماعي والتطوُّعي قدَّمت من خلاله مُساهماتٍ مؤثِّرة في خدمة الوطن والمُجتمع، كما أن لها ثلاثين إصدارًا وأكثر من أربعين دراسة تربويّة واجتماعيَّة وثقافيَّة وأدبيَّة، كانت عضوا مؤسسًا في اللجنة الاستشاريَّة الأولى لهيئة الإذاعة والتلفزيون برئاسة وزير الإعلام الأسبق طارق المؤيَّد، وحازت شهادة مؤسسة ناسا بصفتها كاتبة وأديبة تُمثل البحرين ليوثَّق اسمها على قُرص مرِن ضمن أسماء الشخصيَّات المُرسلة من الأرض عبر مركبة فضائيَّة إلى كوكب المرّيخ عام 2004م، حائزة جائزة اليوم العالمي للكتاب لكونها الأكثر إنتاجًا وغزارة في الكتابة لوزارة التربية والتعليم عام 2006م، وعلى جائزة روَّاد الكتابة والتأليف من مركز عيسى الثقافي عام 2017م.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك