مع اندلاع الحرب التجارية والضريبية، التي اشعلها الرئيس الأمريكي ترامب، لم يكن من المستغرب ان تكون الانعكاسات مبكرة سواء بشكل مباشر او غير مباشر على مختلف القطاعات في العالم، بما في ذلك القطاع العقاري. فقد شهدت الساعات الأولى من الإعلانات المتبادلة انهيارات في أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا خاصة بعد الرد الصيني على الرسوم الجمركية الأمريكية.
واجمالا، التضخم هو الانعكاس الأبرز الذي تقود اليه هذه الحرب، حيث ان الضريبة الأعلى تعني كلفة الاستيراد، مما ينعكس في الأخير على المستهلك النهائي. وهنا فإن الأسواق الأوروبية والصينية ستتأثر بشكل مباشر بهذه الضرائب، ما يعني اضطرابات اقتصادية واسعة. وحتى الدول التي لا تعتمد بشكل كبير على استيراد السلع أمريكية ستتضرر أيضا، لسبب بسيط أن معظم المصانع في العالم تعتمد على المواد والموارد الأمريكية في إنتاجها، وبالتالي فإن الضرائب الجديدة والمرتفعة تؤثر على سلاسل التوريد في العالم، وكل ذلك يؤثر على مختلف القطاعات بما فيها القطاع العقاري.
ونفس الأمر ينسحب على الدول التي لا تعتمد على الواردات الأمريكية بشكل كبير، حيث إن فرض رسوم مقابلة من الدول الأخرى سيؤدي إلى رفع أسعار مواد البناء المستوردة كالحديد والصلب، ومن ثم تضخم اسعار المباني والعقارات خلال الفترة المقبلة. وهذا ما ينعكس تباعا على الشركات العقارية والمطورين، خاصة تلك الشركات التي لديها استثمارات مباشرة أو غير مباشرة بالأسهم والبورصات العالمية.
أضف الى ذلك أن هذه الحرب الضريبية قد تؤدي كما يحذر الاقتصاديون إلى ركود القطاع العقاري في مختلف الدول مع عزوف الشركات والمستثمرين عن الشراء، لاسيما مع توقع مشاكل تتعلق بتوفير السيولة الكافية والحذر الشديد بسبب الضربات التي تلقتها أسواق الأسهم. وكل ذلك قد يؤدي الى تباطؤ كبير في حركة التداولات العقارية خاصة العقارات السكنية.
من جانب اخر، فإن سوق العقارات الذي عانى خلال السنوات القليلة الماضية تحديات وتقلبات كبيرة لعل أبرزها ارتفاع أسعار الفائدة والنقص في المعروض أكثر من زيادة الطلب نتيجة ازمة سلاسل التوريد بعد الجائحة، بات اليوم مهددا بمزيد من الضربات. فمثلا تزداد الوطأة على الأسواق العقارية الامريكية والأوروبية التي تشكو أساسا من ارتفاع الأسعار ونقص المعروض. ومن ثم فإن ضربات ترامب الضريبة وبعض القرارات مثل التوجه إلى ترحيل المهاجرين الذين يعمل كثير منهم في مجال البناء والعقارات، سينعكس سلبا على القطاع، وهو ما ينعكس بدوره على الأسواق العقارية الاخرى. لذلك قد تكون الأيام القادمة ليست إيجابية بشكل جيدة على الأسوق العقارية.
ولكن، لا يخلو الامر من إيجابيات، فوفقا لاقتصاديين متخصصين، فإن أثر حرب الضرائب بين أمريكا والصين قد يحمل تبعات إيجابية على أسواق العقارات في المنطقة وخاصة دول الخليج. فعلى الرغم من أن حدوث ركود او تباطؤ في الاقتصاد العالمي سيكون له تداعياته على جميع القطاعات بما فيها العقاري، إلا ان منطقة الخليج مهيأة لاستغلال آثار تلك الحرب التجارية بين العملاقين. ويتثمل ذلك في عدة أمور. فمن جانب، يمكن أن يؤدي تباطؤ السوق الامريكية وتصاعد الرسوم الجمركية إلى بحث المستثمرين الصينيين بشكل خاص عن بدائل أكثر استقرارا وامانا، وستكون منطقة الشرق الأوسط خاصة الخليج خيارا مفضلا بفضل الاستقرار والعوائد والفرص الاستثمارية.
ومن جانب، يمكن ان تؤدي تلك المشاكل الى تدفق رؤوس الأموال التي تبحث عن بيئات استثمارية أكثر امانا واقل كلفة. كما يمكن أن يقود ذلك إلى تزايد الطلب على العقارات خاصة الفاخرة والتجارية والاستثمارية، فالمستثمرون الاسيويون بل وحتى الاوروبيون يرغبون في توزيع الأصول خارج البيئات الاستثمارية التي تعاني من النزاع السياسي والتجاري، وهذا ما يرفع الطلب في السوق العقاري لاسيما العقارات الفاخرة والتجارية. وبنفس الوقت، فإن تزايد هذه الأنشطة الاستثمارية يرفع الطلب على العقارات الصناعية والمخازن والمستودعات. وفي النهاية تبقى كلها تكهنات ستكشف الأيام القادمة حقيقتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك