استطاعت مملكة البحرين على مدى إحدى وعشرين سنة أن ترسخ لنفسها مكانة مهمة ومتقدمة في المشهد الرياضي العالمي، محققة بذلك الريادة والاستدامة في مجال سباقات السرعة (الفورمولا وان)، إذ تمكنت خلال عقدين من الزمن أن تصنع حكاية تضم فصولها الفخر والإنجاز الوطني، والإلهام لدول المنطقة كنموذج يحتذى به في ذات المجال.
تحت شعار «نبض الصحراء لا يتوقف» استضافت مملكة البحرين «جائزة البحرين الكبرى لطيران الخليج 2025» لسباق (الفورمولا وان) بنسخته الحادية والعشرين في حلبة البحرين الدولية «موطن رياضة السيارات في الشرق الأوسط» من قلب صحراء منطقة الصخير، ومن المتوقع أن تسدل اليوم ستائر النهاية على هذه الفعالية السنوية الضخمة التي تحتضنها المملكة، وذلك من بعد 3 أيام حافلة بالمنافسات الشرسة والفعاليات الترفيهية المثيرة.
تعد حلبة البحرين الدولية أحد أكثر الحلبات فرادة في العالم، كما تصنف أحد الصروح العملاقة بالمملكة والمنطقة، إذ تضم خمسة مضامير معتمدة من قبل الاتحاد الدولي للسيارات مما يسمح باستضافة مجموعة من السباقات في آن واحد، بالإضافة إلى أنها مزودة بأحدث المواصفات الفنية والتكنولوجية في هذا المجال، كما إنها تضم برجا لمراقبة السباق يحتوي على أكثر من 40 كاميرا يتم التحكم فيها عن بعد وتتسم بمشاهدة كاملة للسباق من نقطة مركزية واحدة.
هذا وتتبنى حلبة البحرين سياسة تطوير خدماتها وتكنولوجياتها بصورة مستمرة، وذلك بهدف تعزيز إمكانياتها ودعم استخدام الطاقة المستدامة من خلال توظيف التكنولوجيا والابتكار؛ لتعزيز خطط الاستدامة التي ترنو إليها (الهيئة الإدارية لسباقات الفورمولا وان) ضمن إستراتيجيتها بتصفير نسب انبعاث الكربون بحلول عام 2030.
حيث حرصت الحلبة منذ عام 2023 على تركيب أول نظام من نوعه في العالم يربط لوحات الإعلام الرقمية على المضمار بكاميرات المراقبة في السباق، مما من شأنه أن يوفر على مراقبين الحوادث الوقت والجهد، إلى جانب تركيب لافتات توجيهية إلكترونية للجماهير القادمة، وذلك بهدف تنسيق الحركة المروية بأفضل شكل، هذا وتحتوي الحلبة على منشأة لإنتاج الطاقة الشمسية المتجددة قادرة على تغطية جميع استخدامات السباق كما توفر قدرة احتياطية إضافية، إلى جانب ذلك اتخذت الحلبة عددا من الإجراءات المبتكرة لتوفير الطاقة منذ عام 2023 شملت نظامًا لإدارة المباني؛ يعمل على إدارة وتوفير الإضاءة وتكييف الهواء بفاعلية تصل لأكثر من 30% من الاستخدام السنوي للطاقة، ومن هذا المنطلق فازت «جائزة البحرين الكبرى لطيران الخليج للفورمولا وان لعام 2023» بجائزة الابتكار من قبل إدارة (الفورمولا وان).
لا شك إن التكنولوجيا اليوم باتت عنصرا محركا لكل ميادين الحياة بما فيها سباقات (الفورمولا وان)، إذ تعتمد هذه السباقات على نظام اتصالات تكنولوجي يُمكن الفرق من تحليل البيانات واتخاذ القرارات بشكل أسرع، كما تخضع عمليات تصنيع سيارات السباق لمراحل من التصاميم الافتراضية تسمح لمهندسين البرمجيات من محاكاة أداء السيارة وفق سيناريوهات متعددة؛ وذلك بهدف الوصول إلى أفضل نموذج عبر قياسات الذكاء الاصطناعي باعتبار أنه أكثر سرعة على الاستجابة من البشر بكثير، هذا وتتزود السيارات المصنعة بنظام تكنولوجي قادر على تحميل بيانات السيارات للسحابة لتحليلها وتحسين أدائها بما يوفر نظام حماية أكثر أمانًا وسلامة للسائقين.
هذا واعتمدت (الهيئة الإدارية لسباقات الفورمولا وان) على اختبار تكنولوجيا معالجة انتهاك المسار وذلك باستخدام تقنية «رؤية الكمبيوتر» وهي أحد تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعمل على تحليل الشكل لتحديد عدد وحدات البيكسل التي تجاوزت حافة المسار، والهدف منها تقليل العبء على مركز العمليات عن بعد وتسريع عمليات الاستجابة، هذا وتتعاون مع الشركات والمؤسسات الرائدة في مجال التكنولوجيا بغرض الوصول إلى عملية تحليلية للبيانات عبر نماذج التعلم الآلي، وذلك من خلال الوصول للبيانات المخزنة على أجهزة استشعار السيارات، بحيث تكون قادرة على التنبؤ بعدد اللفات وتقييم استراتيجيات السائقين والتغيرات التي تطرأ عليها والنتائج المحتملة، إلى جانب قياس مدى هيمنة السائق على الحلبة ومقارنة أداء السيارات المشاركة في السباق.
كما تعتمد سباقات (الفورمولا وان) على تدريب السائقين عبر تنفيذ تجارب سباقات افتراضية تحاكي الواقعية باستخدام الذكاء الاصطناعي وذلك بهدف تحسين الاستراتيجيات والأداء، إلى جانب توظيف تقنيات التوثيق باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق زوايا كاميرا جديدة لم تلتقط من قبل، حيث تم استخدامها لأول مرة في «جائزة البحرين الكبرى لطيران الخليج 2024» وذلك بهدف ضمان صور واضحة ونقية رغم تحديات السرعة وظروف الإضاءة المتغيرة، بالإضافة إلى اعتماد نظام البث المباشر المدعوم بالذكاء الاصطناعي القادر على إعادة تشغيل اللقطات الرئيسية لكي لا تفوت المشاهد، والجدير ذكره أن هناك توجه لاستخدام تقنيات الطائرات من دون طيار (الدرون) لالتقاط المزيد من اللقطات الحية.
في الوقت التي تتعدد فيه استخدامات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في سباقات السرعة، السؤال الذي يخطر على الأذهان ماذا بعد؟ وما الجديد المتوقع؟ وما يثير الفضول هو إذا ما كنا سنشهد في مستقبل الابتكارات الصارخة والتكنولوجيات المتسارعة روبوتات تحل محل السائقين البشريين وطاقم الصيانة! يبقى جواب هذا السؤال مرهون بالمستقبل، لكن لا شيء مستحيل طالما نحن في عصر اللا متوقع والممكن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك