الرأي الثالث

محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
صراخ على الفاضي..!!
دخلنا إلى أحد المطاعم.. كان المكان مزدحما.. والجرسونات مشغولين.. لمحنا طاولة تكفي لأربعة أفراد.. أبلغنا مسؤول المطعم أننا حجزنا طاولة في هذا الوقت عبر الهاتف.. وبعد التأكد من المعلومات والبيانات جلسنا على الطاولة.. كان أحد الأصدقاء جائعا.. لم يعجبه طول الانتظار على الطاولة.
بدأ يتململ ويتأفف.. ثم أخذ (بالتحلطم) الذي تبعه الانتقاد.. ثم بالصراخ بسبب تأخر الوجبات.. كان الوضع محرجا.. هل يوجد أناس في هذا الوقت يمارسون هذه السلوكيات.. هل يستحق الأمر كل هذا الصراخ..؟؟ وهل المكان مناسب وأمام الناس للقيام بتلك التصرفات.. حاول الجرسون الاعتذار عن التأخير ولم يفلح.. بعد فترة جاء مسؤول المطعم وتحدث مع صديقنا ونجح في امتصاص غضبه وتهدئته.. على الرغم من أن الطعام وصل متأخرا.
فلماذا إذا كان كل ذلك الصراخ..؟ وماذا فعل مسؤول المطعم لاحتواء الموقف..؟؟ سؤال كان يدور في ذهني، حتى بعث لي بالأمس أحد الأصدقاء مقالا جميلا للإعلامي الإماراتي د. يوسف الشريف بعنوان: «صراخ ع الفاضي».. وقال لي أرسل هذا المقال الى زميلنا الذي كان يصرخ ويغضب على أي شيء لعله يكون مفيدا له.
حيث يقول الأستاذ يوسف: في كثير من المواقف نعتقد أن رفع الصوت أسرع وسيلة لاسترداد الحقوق.. نصرخ، نحتج، نُلوّح بالشكاوى، معتقدين أن ذلك يكفي ليُحدث تغييراً، لكن الواقع غير ذلك: الصراخ من دون متابعة وإصرار، لا يتجاوز كونه مجرد رد عابر، سرعان ما يذوب وسط تجاهل المسؤولين، وازدحام التفاصيل اليومية.
تجربة سفر مررت بها أخيراً في أحد المطارات خارج الدولة، كشفت لي الوجه الحقيقي لهذا الغضب المؤقت، تأخير لساعات داخل طائرة، حرارة خانقة، وجوع تجاهلته وعود متكررة بأن الإقلاع «قريباً»، بدأ الصبر ينفد، ومعه تصاعدت أصوات الاحتجاج، بعض الركاب طالبوا بالنزول، وآخرون لوّحوا بضرورة اتخاذ إجراء فوري، كنا نظن أن الضوضاء ستدفع الطاقم الى إيجاد حل سريع، لكن النتيجة؟ بقينا مكاننا حتى أنزلونا بعد خمس ساعات من الاحتجاز غير المبرر.
خرجنا غاضبين، وتدافع البعض نحو موظفي المطار لتقديم شكاوى عاجلة، وبمرور الوقت بدأت الانفعالات تخفت، وتحوّل الصراخ الى صمت، وانشغل الركاب بالهواتف أو فنجان قهوة، وكأن ما حدث كان مجرد موجة غضب لحظية.
لكن المفارقة أن هذه الشركات ليست عشوائية في تعاملها مع العملاء، هي مدربة على امتصاص الغضب الأوّلي، مستندة إلى أن معظم الناس يثورون، ثم يتراجعون تدريجيّاً، حتى يصبح الأمر مجرد قصة.
ما لا يدركه كثيرون أن التجاهل ليس دائماً ضعفاً بالأداء، بل قد يكون جزءاً من استراتيجية مدروسة، فالعميل الغاضب يعتقد أنه يُحدث تأثيراً عندما يصرخ أو يشتكي، لكن في الحقيقة، النظام مصمم لامتصاص هذه الطاقة حتى تتلاشى.
لكن ماذا لو أن كل شخص تابع شكواه بإصرار؟.. حتى إن سكتُّ عن حقي فلن أمنحهم تقييماً إيجابيّاً، بل أُقيّم التجربة بـ«صفر من 10»، لأن المشكلة في تحول العميل من محور اهتمام إلى مجرد رقم بنظام خدمة العملاء.
الصراخ وحده لا يُغيّر شيئاً، والحقوق لا تُنتزع بالصوت العالي فقط، بل بالإصرار والصبر لإنهاء القضية.
ختاما.. كبح جماح الغضب في المواقف الحياتية اليومية مطلوب.. ولكن أن تملك فن التعامل مع الشخص الغاضب مطلوب أكثر.
إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك