العدد : ١٧١٨١ - الاثنين ٠٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٨١ - الاثنين ٠٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ شوّال ١٤٤٦هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

صراخ على الفاضي..!!

دخلنا‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬المطاعم‭.. ‬كان‭ ‬المكان‭ ‬مزدحما‭.. ‬والجرسونات‭ ‬مشغولين‭.. ‬لمحنا‭ ‬طاولة‭ ‬تكفي‭ ‬لأربعة‭ ‬أفراد‭.. ‬أبلغنا‭ ‬مسؤول‭ ‬المطعم‭ ‬أننا‭ ‬حجزنا‭ ‬طاولة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭.. ‬وبعد‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬والبيانات‭ ‬جلسنا‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭.. ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬جائعا‭.. ‬لم‭ ‬يعجبه‭ ‬طول‭ ‬الانتظار‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭.‬

بدأ‭ ‬يتململ‭ ‬ويتأفف‭.. ‬ثم‭ ‬أخذ‭ (‬بالتحلطم‭) ‬الذي‭ ‬تبعه‭ ‬الانتقاد‭.. ‬ثم‭  ‬بالصراخ‭ ‬بسبب‭ ‬تأخر‭ ‬الوجبات‭.. ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬محرجا‭.. ‬هل‭ ‬يوجد‭ ‬أناس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬يمارسون‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭.. ‬هل‭ ‬يستحق‭ ‬الأمر‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الصراخ‭..‬؟؟‭ ‬وهل‭ ‬المكان‭ ‬مناسب‭ ‬وأمام‭ ‬الناس‭ ‬للقيام‭ ‬بتلك‭ ‬التصرفات‭.. ‬حاول‭ ‬الجرسون‭ ‬الاعتذار‭ ‬عن‭ ‬التأخير‭ ‬ولم‭ ‬يفلح‭.. ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬جاء‭ ‬مسؤول‭ ‬المطعم‭ ‬وتحدث‭ ‬مع‭ ‬صديقنا‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬امتصاص‭ ‬غضبه‭ ‬وتهدئته‭.. ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الطعام‭ ‬وصل‭ ‬متأخرا‭.‬

فلماذا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الصراخ‭..‬؟‭ ‬وماذا‭ ‬فعل‭ ‬مسؤول‭ ‬المطعم‭ ‬لاحتواء‭ ‬الموقف‭..‬؟؟‭ ‬سؤال‭ ‬كان‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬ذهني،‭ ‬حتى‭ ‬بعث‭ ‬لي‭ ‬بالأمس‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬مقالا‭ ‬جميلا‭ ‬للإعلامي‭ ‬الإماراتي‭ ‬د‭. ‬يوسف‭ ‬الشريف‭ ‬بعنوان‭: ‬‮«‬صراخ‭ ‬ع‭ ‬الفاضي‮»‬‭.. ‬وقال‭ ‬لي‭ ‬أرسل‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬الى‭ ‬زميلنا‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يصرخ‭ ‬ويغضب‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬لعله‭ ‬يكون‭ ‬مفيدا‭ ‬له‭.‬

حيث‭ ‬يقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬يوسف‭: ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬رفع‭ ‬الصوت‭ ‬أسرع‭ ‬وسيلة‭ ‬لاسترداد‭ ‬الحقوق‭.. ‬نصرخ،‭ ‬نحتج،‭ ‬نُلوّح‭ ‬بالشكاوى،‭ ‬معتقدين‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يكفي‭ ‬ليُحدث‭ ‬تغييراً،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭: ‬الصراخ‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬متابعة‭ ‬وإصرار،‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬كونه‭ ‬مجرد‭ ‬رد‭ ‬عابر،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يذوب‭ ‬وسط‭ ‬تجاهل‭ ‬المسؤولين،‭ ‬وازدحام‭ ‬التفاصيل‭ ‬اليومية‭.‬

تجربة‭ ‬سفر‭ ‬مررت‭ ‬بها‭ ‬أخيراً‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المطارات‭ ‬خارج‭ ‬الدولة،‭ ‬كشفت‭ ‬لي‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬لهذا‭ ‬الغضب‭ ‬المؤقت،‭ ‬تأخير‭ ‬لساعات‭ ‬داخل‭ ‬طائرة،‭ ‬حرارة‭ ‬خانقة،‭ ‬وجوع‭ ‬تجاهلته‭ ‬وعود‭ ‬متكررة‭ ‬بأن‭ ‬الإقلاع‭ ‬‮«‬قريباً‮»‬،‭ ‬بدأ‭ ‬الصبر‭ ‬ينفد،‭ ‬ومعه‭ ‬تصاعدت‭ ‬أصوات‭ ‬الاحتجاج،‭ ‬بعض‭ ‬الركاب‭ ‬طالبوا‭ ‬بالنزول،‭ ‬وآخرون‭ ‬لوّحوا‭ ‬بضرورة‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراء‭ ‬فوري،‭ ‬كنا‭ ‬نظن‭ ‬أن‭ ‬الضوضاء‭ ‬ستدفع‭ ‬الطاقم‭ ‬الى‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬سريع،‭ ‬لكن‭ ‬النتيجة؟‭ ‬بقينا‭ ‬مكاننا‭ ‬حتى‭ ‬أنزلونا‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬الاحتجاز‭ ‬غير‭ ‬المبرر‭.‬

خرجنا‭ ‬غاضبين،‭ ‬وتدافع‭ ‬البعض‭ ‬نحو‭ ‬موظفي‭ ‬المطار‭ ‬لتقديم‭ ‬شكاوى‭ ‬عاجلة،‭ ‬وبمرور‭ ‬الوقت‭ ‬بدأت‭ ‬الانفعالات‭ ‬تخفت،‭ ‬وتحوّل‭ ‬الصراخ‭ ‬الى‭ ‬صمت،‭ ‬وانشغل‭ ‬الركاب‭ ‬بالهواتف‭ ‬أو‭ ‬فنجان‭ ‬قهوة،‭ ‬وكأن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬موجة‭ ‬غضب‭ ‬لحظية‭.‬

لكن‭ ‬المفارقة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬ليست‭ ‬عشوائية‭ ‬في‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬العملاء،‭ ‬هي‭ ‬مدربة‭ ‬على‭ ‬امتصاص‭ ‬الغضب‭ ‬الأوّلي،‭ ‬مستندة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الناس‭ ‬يثورون،‭ ‬ثم‭ ‬يتراجعون‭ ‬تدريجيّاً،‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬الأمر‭ ‬مجرد‭ ‬قصة‭.‬

ما‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬كثيرون‭ ‬أن‭ ‬التجاهل‭ ‬ليس‭ ‬دائماً‭ ‬ضعفاً‭ ‬بالأداء،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬مدروسة،‭ ‬فالعميل‭ ‬الغاضب‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يُحدث‭ ‬تأثيراً‭ ‬عندما‭ ‬يصرخ‭ ‬أو‭ ‬يشتكي،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬النظام‭ ‬مصمم‭ ‬لامتصاص‭ ‬هذه‭ ‬الطاقة‭ ‬حتى‭ ‬تتلاشى‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬تابع‭ ‬شكواه‭ ‬بإصرار؟‭.. ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬سكتُّ‭ ‬عن‭ ‬حقي‭ ‬فلن‭ ‬أمنحهم‭ ‬تقييماً‭ ‬إيجابيّاً،‭ ‬بل‭ ‬أُقيّم‭ ‬التجربة‭ ‬بـ«صفر‭ ‬من‭ ‬10‮»‬،‭ ‬لأن‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬تحول‭ ‬العميل‭ ‬من‭ ‬محور‭ ‬اهتمام‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬رقم‭ ‬بنظام‭ ‬خدمة‭ ‬العملاء‭.‬

الصراخ‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬يُغيّر‭ ‬شيئاً،‭ ‬والحقوق‭ ‬لا‭ ‬تُنتزع‭ ‬بالصوت‭ ‬العالي‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬بالإصرار‭ ‬والصبر‭ ‬لإنهاء‭ ‬القضية‭.‬

ختاما‭.. ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬الغضب‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الحياتية‭ ‬اليومية‭ ‬مطلوب‭.. ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬تملك‭ ‬فن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الشخص‭ ‬الغاضب‭ ‬مطلوب‭ ‬أكثر‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا