القراء الأعزاء
بالأمس شهدت أكثر من احتفال كان يتمحور حول مناسبة غالية جداً وهي «عيد الأم» الذي يحتفي فيه العالم بدور الأم والأمومة تكريماً لرابطة الأم بأبنائها وتقديراً لتأثير الأمهات على المجتمع.
وبالحديث عن الأم يتجلّى الحب كأسمى شعور انساني، حيث إن حُبّ الأم لأبنائها لا يتفوق عليه ولا يُضاهيه أي حب آخر، بينما في الجانب الآخر نجد بأن حب الأم هو الحب الأول في حياة الانسان، حيث ينشأ من الخلق الأول للجنين منذ تكوّنه ومكوثه في رحم الأم، حيث تبدأ تلك العلاقة الفريدة من نوعها بعيداً عن أعين الآخرين، فيستمد الجنين والأم من بعضهما طاقة هائلة مليئة بمشاعر عميقة ومتناقضة في آن واحد فهي مزيج من الحب والعطاء والاحتواء غير المشروط والفرح والترقب والقلق والخوف و.. و..
وفي وقتنا الحاضر، حيث ازدوج دور المرأة وتشعبت مهامها التي تُبعدها عن الأسرة وتجعل الموازنة بين الدورين تحديّاً جديداً لقدُراتها، إذ جمعت بين دورها الأساسي كزوجة مُلزمة بواجبات كثيرة نحو أسرتها كربّة أسرة وأهمها كونها أم مُربيّة تبني أجيال مجتمعها، وآخر هو دور المرأة العاملة في المجتمع، وبناء عليه كفل لها دستور مملكة البحرين التوفيق بين هذا الدور ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وفق ما تقتضيه أحكام الشريعة الإسلامية ( الفقرة – ب – من المادة 5 منه)، لذا توجد دائماً تحديات يتوجب على المرأة مواجهتها بحزم.
وفيما يتعلق ببعض التحديات الجوهرية التي تواجه المرأة الأم ودورها كركيزة أساسية في الأسرة، فإن حصيلتي من زياراتي للمجالس الرمضانية القليلة التي سمحت لي ظروف وقتي بحضورها، هما موضوعان، الأول هو نفقة الأبناء للمرأة المطلقة والثاني هو المهمة الأكثر صعوبة والتي تواجه تحديات من جبهات كثيرة وهو الحفاظ على الهوية الثقافية ولاسيما الحفاظ على اللغة العربية ونقلها الى الأبناء كما ينبغي لها ويليق بعراقة اللغة العربية كلغة القرآن وباعتبارها أهم اللغات الحيّة وأكثرها ثراءً.
أما فيما يتعلق بالتحدي الأول وهو نفقة الأبناء، وهي مسألة جوهرية لضمان المستوى المعيشي الملائم للأبناء الذين كثيراً ما يصبحون الضحية الأولى لواقعة الطلاق في حال عدم إمكانية استمرار الحياة الزوجية، فيُسلط الآباء أسواط عقابهم على نفقة الأبناء عقاباً للأمهات، فتعاني الكثير من المطلقات من موضوع عدم كفاية النفقة المحكوم بها لتغطية احتياجات الأبناء، والشكوى الأكثر شيوعاً تتمحور حول النفقة المقدرّة قضائيّاً والتي يستند فيها الحكم القضائي على نص الفقرة (أ) من المادة (47) من القانون رقم 19 لسنة 2017 بإصدار قانون الأسرة والتي قضت بأنه: (تقدّر النفقة بالنظر لسعة المنفق وحال المنفق عليهم، مع مراعاة الزمان والمكان والأعراف)، أخذاً بقوله تعالى (لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ، سيجعل الله بعد عسر يسرا) الآية 7 سورة الطلاق.
ولعل ختام النص القانوني بمراعاة الزمان والمكان والأعراف، تكون جزئية يتوجب الوقوف عليها، لأنه من الواضح بأنها لا تؤخذ في الاعتبار أبداً، ولعل الحكم بثلاثين دينارا نفقة لكل طفل شاهداً على ذلك في ظل غلاء المعيشة وتغيّر طبيعة الاحتياجات التي يفرضها تغيّر الزمان، كما أن النص القانوني والقرآني كلاهما يخاطبان الأسوياء من الأشخاص، الذين لا يفتئتون على حقوق أبنائهم بالكذب والتحايل، وليس بخاف صور الحيل التي يلعبها بعض الآباء لإظهار اعسارهم وضيق يدهم عن تحمل نفقات أبنائهم زوراً وبهتاناً لكي يُنفق أقل القليل مما يملكه فعلاً استناداً على الظاهر المخالف لواقع سعته المادية وكل ذلك نكاية في الأم واضراراً بمصلحة الأطفال الفضلى.
لذا فإن تعديل نص الفقرة المشار إليها صار لزاماً بأن يُحدد حد أدنى لنفقة كل ابن بحيث لا يقل عن 70 إلى 100 دينار، ويزداد بحسب سعة المنفق، على أن يُكلّف الأب الذي يدّعي الاعسار بالبحث عن عمل يرفع دخله، كما قالها (لا فُضّ فاه) أحد القضاة ذات جلسة: (انت ريال شوف لك شغل ثاني وأنفق على عيالك).
أما التحدي الثاني فهو مهمة الحفاظ على الهوية ولاسيما الحفاظ على لغتنا الأم ( اللغة العربية)، حيث صدف أن دار حوار حول هذا الموضوع بيني وبين أحد المستشارين في مجلس ما، حيث جمعنا قلقنا على اللغة العربية الفصحى، وهو همّ يحمله آخرون غيرنا، في ظلّ الملحوظ من انتشار ظاهرة حديث الأجيال الحديثة بلغات اجنبية وكأنها لغتهم الأم بل واعتبارها كذلك، متناسين اللغة الأم الحقيقية وهي اللغة العربية العريقة، وبحسب سعادة المستشار فإن اللغة العربية مُهددة بالانقراض خلال عقد من الزمن عند الأجيال القادمة إن لم تُتخذ إجراءات احترازية للحفاظ عليها، وعلى الصعيدين الرسمي والأهلي معاً، وتلك حقيقة مؤلمة.
لذا هنا سأركز على حضّ الأمهات جميعاً على القيام بدورهن في تعزيز اللغة العربية عند أبنائهن الصغار، حيث إن الأم هي المدرسة الأولى لأطفالها، وعليها أن تحرص على أن تجعل العربية هي اللغة الأساسية باعتبارها الأم وتكون اللغات الأخرى مساعدة لتحقيق مزيد من المعرفة والقدرة على التواصل والنماء والتطور والاستدامة، ويكون فخر الأم بأن أبناءها يتحدثون اللغة العربية بطلاقة وليس العكس، ولا نُغفل أبداً الدور الأساسي الذي تلعبه المناهج الدراسية في تعزيز اللغة وترسيخها الأمر الذي يستوجب إيلاء الموضوع العناية التي يستحقها من الأجهزة المختصة.
وكل يوم وكل أم بخير..
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك