مواجهة البطالة ليست مجرد سياسة قصيرة المدى، بل تحتاج إلى رؤية استراتيجية تضمن استدامة فرص العمل وتحقيق التوازن في سوق العمل. في البحرين، يمكن تبني خطط خماسية تعتمد على استراتيجيات متكاملة تسهم في تقليل البطالة بشكل مستدام، مع تعزيز الاستقرار الاقتصادي وضمان أن فرص التوظيف تواكب التطورات الحديثة في القطاعات المختلفة.
أحد المحاور الأساسية في هذه الخطة هو تقليل خروج الأموال إلى الخارج عبر تعزيز بيئة الأعمال المحلية، حيث يمكن تشجيع الاستثمار الداخلي من خلال تحفيز الشركات الأجنبية على إعادة تدوير أرباحها داخل البحرين بدلًا من تحويلها إلى الخارج. يمكن تحقيق ذلك عبر تقديم حوافز مالية، وتسهيل إعادة استثمار الأرباح في مشاريع محلية، وتشجيع الشركات المتعددة الجنسيات على إنشاء مراكز إقليمية في المملكة توفر وظائف عالية الجودة للمواطنين البحرينيين.
إلى جانب ذلك، فإن مراجعة المناهج التعليمية وتحديثها كل خمس سنوات يعدان عنصرًا محوريًا لضمان أن مهارات الخريجين تتماشى مع متطلبات سوق العمل. ينبغي أن تكون هذه المراجعة مستندة إلى دراسات دقيقة حول مستقبل القطاعات الاقتصادية، بحيث تدمج التكنولوجيا والمهارات الحديثة في التعليم الجامعي والتدريب المهني، مما يجعل الخريجين مؤهلين للعمل في وظائف المستقبل بدلًا من أن يواجهوا تحديات البطالة بسبب فجوة المهارات.
أما على مستوى التخطيط الاستراتيجي لسوق العمل، فإن إلزام وزارة العمل بتقديم تقارير دورية عن احتياجات السوق إلى الجامعات يمكن أن يسهم في ضبط أعداد الخريجين بحيث تتناسب مع الطلب الفعلي على الوظائف. هذا التنسيق بين وزارة العمل والجامعات يمكن أن يمنع تخريج أعداد زائدة من تخصصات مشبعة، ويوجه الطلاب نحو المجالات التي تشهد طلبًا متزايدًا، مثل التكنولوجيا، والهندسة، والتحول الرقمي.
إضافة إلى ذلك، فإن وضع معايير دقيقة لسوق العمل يضمن تنظيم العلاقة بين أصحاب العمل والموظفين، مما يساعد في تحسين جودة الوظائف وحماية حقوق العاملين. من خلال وضع معايير شفافة تشمل الحد الأدنى للأجور، ومعايير الترقيات، ومتطلبات التدريب المستمر، يمكن للبحرين أن تخلق بيئة عمل أكثر استقرارًا وجاذبية للمواطنين.
أما بالنسبة إلى الوظائف المتخصصة التي تعتمد على مهارات عالية، فإن وضع خطة زمنية لإحلال البحرينيين في الوظائف ذات التخصصات الدقيقة يعد أمرًا أساسيًا. يمكن تنفيذ ذلك عبر برامج تدريبية مكثفة توفر للبحرينيين المهارات المطلوبة في القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا المالية، والهندسة، والطاقة المتجددة، مما يسهم في تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية في هذه المجالات على المدى الطويل.
تعزيز التوظيف المحلي يتطلب أيضًا تحفيز الشركات على استقطاب الكفاءات البحرينية من خلال تقديم مزايا ضريبية للشركات التي تحقق معدلات توطين مرتفعة، وربط دعم الحكومة للقطاع الخاص بمعدل توظيف المواطنين. إلى جانب ذلك، فإن إنشاء »صندوق تطوير الكفاءات البحرينية« يمكن أن يكون أداة قوية لتمويل برامج إعادة التأهيل المهني والتدريب المستمر للعاملين، مما يساعدهم على البقاء متوافقين مع احتياجات السوق..
تحت قيادة جلالة الملك المعظم، وبدعم سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظهم الله ورعاهم، تواصل البحرين تبني استراتيجيات مستدامة لمعالجة البطالة بطريقة مبتكرة تضمن توافر الفرص للمواطنين البحرينيين، وتحقق التوازن في سوق العمل، مما يعزز استدامة الاقتصاد ويدعم رؤية البحرين لمستقبل أكثر ازدهارًا واستقرارًا.
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية العالمية (MIET)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك