الاستثمار في القطاعات الواعدة هو أحد أهم الركائز التي تعزز من مكانة الدول إقليميًا وعالميًا، لاسيما في مجال الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة التي تعد لغة العصر، والتي أصبح لها اليوم حضور مهم في مختلف القطاعات الأخرى وتسهم بشكل أو بآخر في نمائها، كما بات لها أثر كبير في تطور الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانة الدولة كبيئة جاذبة للاستثمارات التخصصية في ذات المجال.
ومن أهم التكنولوجيات التي تتبوأ مكانة مهمة عالميًا في الوقت الراهن؛ هي تكنولوجيا الفضاء باعتبارها أحد أبناء الثورة الصناعية الرابعة التي لا تنفصل عن أخواتها في مجال التحول الرقمي كالحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتحليل البيانات الضخمة وتكنولوجيا النانو وسلاسل الكتل وصناعة الروبوت وغيرها، وإن مرت كمجال قائم بذاته بالعديد من المراحل التطويرية حتى إن البعض ينسب ولادتها إلى الثورات الصناعية السابقة؛ إلا أن التطور الحاصل بالمجال وارتباطه بتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة هو ما يصفها لجانبهم.
هذا ويشجع ويدعم بدوره (مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي) الدول للوصول إلى الفضاء تحت شعار «الفضاء للجميع» وذلك ضمن خطته 2030، إذ يدعو الدول إلى اكتشاف الفضاء والاستفادة من تكنولوجياته وتطبيقاته؛ بما يحقق أهداف التنمية المستدامة وبما يعود بالنفع على الحياة البشرية وتحسين الحياة على الأرض بشكل عام، ليمتد ويشمل باقي الكائنات الحية والموارد الطبيعية والبيئة.
ومملكة البحرين باعتبارها أحد دول المنطقة التي تولي اهتمامًا بالغًا بالتقدم العلمي والتقني ضمن إستراتيجيتها الرامية لتعزيز القدرات الوطنية في مجال علوم الفضاء والاستفادة من تطبيقاته، أطلقت مؤخرًا بنجاح أول قمر صناعي بحريني «المنذر» والذي تم تصنيعه وإداراته بالكامل بسواعد بحرينية داخل المملكة، حيث يقدر وزنه بـ 2.3 كجم ويدور في مدار متزامن مع الشمس على ارتفاع 550 كجم عن سطح البحر، بهيكل ميكانيكي ذو معايير تتوافق مع الاستدامة الفضائية.
الجدير بالذكر أنه سيحمل أول حمولة بصرية بحرينية يتم اختبارها في الفضاء، وتشمل أربع حمولات تقنية رئيسية منها حمولة الاستشعار عن بعد المجهزة بكاميرا فضائية متوسطة الدقة خصصت لالتقاط صور المملكة ومياهها الإقليمية، بالإضافة إلى حمولة تحليل الصور الفضائية الأولى من نوعها في الشرق الأوسط وذلك لأنها توظف خوارزميات الذكاء الاصطناعي على متن القمر نفسه، إلى جانب حمولة الأمن السيبراني المكلفة بحماية بياناته من أي اختراق، ورابعهم حمولة البث الراديوي التي سيتم من خلالها بث السلام الملكي البحريني عبر ترددات مختلفة حول العالم وكذلك بث كلمة سامية لجلالة الملك، وذلك كنوع من الترويج لإنجاز المملكة وتعزيزًا لمكانتها الدولية في المجال.
هذا ويعد إطلاق «المنذر» بمثابة إعلان رسمي لوجود المملكة في حيز الفضاء؛ بما يوعد بتأسيس منظومة بحرينية متكاملة وبنية تحتية فضائية قادرة على دعم الخطط المستقبلية في هذا المجال، بالإضافة إلى أنه إنجاز وطني بارز يعكس النهج الوطني الطموح للاستثمار في اقتصاد المستقبل؛ بما يخلق مجالات اقتصادية جديدة ومتنوعة تكفل التنمية الاقتصادية المستدامة للمملكة بما يدعم أهداف الرؤية الاقتصادية 2030 التي تتبناها المملكة، وبما يعزز من مكانتها كوجهة استثمارية بارزة في ذات المجال، خاصة إنها تتمتع ببيئة استثمارية جاذبة نظرًا لوجود بنية تحتية متطورة وخدمات لوجستية متقدمة قادرة على استقطاب مشاريع التكنولوجيا المتقدمة.
هذا ولابد أن نشيد بسير العمل الذي اتبعته (الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء) وبكل منتسبيها من السواعد البحرينية المعطاءة والمخلصة لجهودهم الجبارة في سبيل تنفيذ مشاريع الهيئة وصولًا لهذا الإنجاز التاريخي غير المسبوق والحلم الوطني المحقق والتحدي الذين كانوا أهلًا له والذي يعد مدعاة للفخر.
لا شك إن مملكة البحرين بتوجيهات الحكومة الحكيمة والسديدة وبسواعد وجهود أبنائها تسجل العديد من الإنجازات اللافتة في مختلف المجالات لترسخ لنفسها مكانة مميزة إقليميًا وعالميًا، بما يعزز من ريادتها في الابتكار والتطور العلمي وبما يعكس التزامها بتبني مختلف القطاعات الحديثة وتوظيفها لصالح الوطن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك