القراء الأعزاء
هناك سؤال يراودني كثيرا وهو: كم هو حجم الجمال والابداع الذي حُرمت منه أجيال المستقبل المعاصرة لزمن الألواح والهواتف الذكية والمحرومة من طفولتها الطبيعية؟ لا لسبب، سوى أن أكثر آباء هذا العصر قد اطبقت عليهم حبال الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى باتوا يبحثون عن الخلاص من شغب أطفالهم، عن طريق تسليمهم إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتتولى مهمة التربية نيابة عنهم، فلا تكاد ترى طفلاً إلا وعيناه متسمرتان على شاشة ما، وفي حالة غياب تام عن الواقع المحيط به، فلا تُتاح له الفرصة للتفاعل مع محيطة كما ينبغي ولا لاكتشاف قدراته ومواهبة الكامنة.
ثم يبدأ دور المؤسسات التعليمية وهي المحطة الثانية للطفل، والتي يتعلم فيها مهارات عديدة ويتم اكتشاف مواهبه فيها، ولا تخلو تلك المؤسسات من أنظمة وحصص دراسية متخصصة تُسهم في سبر أغوار الطلبة وإخراج مكامنهم وهباتهم من المواهب العلمية والأدبية كموهبة الفن والموسيقى والتمثيل وغيرها.
ولم تُظهر الوسائل الإعلامية نشاطاً ملحوظاً للمؤسسات التعليمية في المجالات الفنية والأدبية، ولا يعني ذلك التأكيد على وجود تقصير في هذا الجانب، بل ربما تكون هناك أنشطة موجودة لا نعلم عنها لأنها لم تحظ بالتسويق الإعلامي الذي يُبرزها.
ويجرّني الحديث السابق إلى فعالية أنيقة جداً تشرفت بحضورها يوم الخميس الماضي بصحبة نخبة من الفنانين البحرينيين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، وهي عبارة عن نشاط مدرسي أقامته مدرسة برايتس الخاصة، تمثّل في مسرحية بعنوان (الطرف الثالث) من حكايات ألف ليلة وليلة، بسيناريو مكتوب بيد الأستاذة سلوى سليمان المدرسة وقام بأداء الأدوار فيه مجموعة من الطالبات والطلبة على اختلاف أعمارهم بجدارة مثيرة للدهشة، وتميّزوا في إيصال رسالة المسرحية بصورة جميلة تمتزج فيها التلقائية بحسّ الدعابة والانضباط، حيث مزجت المسرحية بين تقليدية حكايات ألف ليلة وليلة وبين المستجدات العصرية وأثرها فيما لو كانت عاصرت تلك الليالي، حيث انعكس أثر وجود الهاتف النقال على طبيعة علاقة شهرزاد وشهريار وقلب موازينها.
ولعل أهم ما استرعى انتباهي في هذا العرض هو اهتمام المدرسة بالمسرح المدرسي، في المرحلة التي تم اهماله فيها من قبل الآخرين، ذلك أنه من المعلوم بأن المسرح المدرسي هو المختبر الحقيقي لاكتشاف المواهب المسرحية والتمثيلية الواعدة، وقد كانت تحضرني أثناء مشاهدتي للمسرحية شكوى الزملاء من المسرحيين من مسألة دعم وتشجيع المسرح باعتباره رافداً مهماً من روافد الأدب، وربما قد يُشكل نشاط هذه المدرسة بريق ضوء مبشّر بخير قادم، ولاسيما أن البحرين تزخر بالمواهب الجميلة والمميزة التي تستحق الدعم والتشجيع.
ومن المهم هنا الإشارة إلى فكرة (مجلس الآباء) في المدارس، وهي صورة متقدمة للتعاون وتفعيل مبدأ الشراكة بين المؤسسات التعليمية والأسرة باعتبارهما طرفي العملية التربوية في مرحلة التعليم الأساسي، وهي فكرة متقدمة ورائدة وتزداد أهميتها وقيمتها بقدر المشاركة الفعلية لأعضاء مجلس الآباء ووجودهم الدائم والداعم لمهام الإدارة في المؤسسة.
خالص أمنيات التوفيق للمواهب الطلابية الواعدة وللكادر التعليمي الذي تبنّى هذه المواهب وللإدارة التي أسهمت بصورة جادة في دعم ونجاح مثل هذا المنجز الطلابي المميز، والشكر لكل يد تمتد لتُسهم بالنهوض بالبلاد والعباد.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك