لم يتخلف قطاع البناء عن الركب في اللحاق بالتطورات المتسارعة في الجوانب التقنية، حيث دأب هذا القطاع على تبني أحدث التطورات في كافة مفاصله بدءا من الإجراءات الرسمية مرورا بالتصاميم ورسم الخرائط بأحدث التقنيات والبرامج الذكية، وصولا إلى مراحل التنفيذ والبناء وإدارة المباني.
وهنا ظهر ما يعرف بالبناء الذكي، حيث باتت التكنولوجيا تلعب دورًا محوريا في تطوير قطاع البناء والتشييد، وأصبحت تكنولوجيا البناء الذكي معيارا أساسيا يتنافس عليه كبار المطورين العقاريين.
وشهد سوق البناء الذكي انتشارا مطردا في السنوات الأخيرة، ففي عام 2023، بلغت قيمة سوق المباني الذكية 82,85 مليار دولار أمريكي، وتجاوز 83 مليار في العام الماضي. ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي يصل الى 13,9%. كما يتوقع أن يؤدي قطاع المدن الذكية المتنامي، والطلب المتزايد على المباني الموفرة للطاقة، والتطورات من قبل اللاعبين في السوق إلى زيادة الطلب على المباني الذكية.
ويمكن تعريف البناء الذكي بأنه نموذج أو نهج حديث في تصميم وبناء وتشغيل وإدارة المباني، وذلك بالاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة والأنظمة الذكية، ما يجعل المبنى أكثر كفاءة وأمانًا واستدامة. وبالتالي فإن البناء الذكي يتميز بقدرة أكبر على تحليل البيانات واتخاذ القرارات بشكل أكثر فعالية.
ويوفر البناء الذكي مميزات مهمة منها:
- القدرة على إدارة الطاقة بكفاءة أكبر نظرا إلى الاعتماد على أنظمة ذكية لتوفير استهلاك الكهرباء والمياه والتدفئة والتبريد.
- الاعتماد إلى حد كبير على الآليات والمعدات الاحدث في التشغيل بما في ذلك الإضاءة، والتهوية وفقا للطقس والظروف.
- تحسين الكفاءة من خلال تقليل الوقت والتكاليف المرتبطة بعمليات البناء والتشييد.
- الاستدامة: حيث يتم الاعتماد على مواد بناء أكثر كفاءة وأقل إضرارا بالبيئة وعلى مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات متطورة لإدارة الطاقة. ما يسهم حتى في خفض تكاليف التشغيل والانبعاثات.
- رفع كفاءة العمليات بصناعة العقارات.
- تقليل التكاليف التشغيلية.
- تحسين جودة المنتجات العقارية.
- تطوير أساليب العمل.
- تعزيز الأمن والسلامة نتيجة الاعتماد على الأجهزة الحديثة مثل أجهزة الاستشعار والأنظمة المراقبة الذكية وتحليل المخاطر المحتملة وتحسين الاستجابة للحوادث.
- تحقيق درجات أعلى من الرفاهية والراحة للسكان، حيث أثبتت تجارب البناء الذكي انها قادرة على تقديم تجربة مميزة للمستخدمين من خلال ما توفره من أنظمة ذكية للتحكم.
إجمالا يعتمد البناء الذكي على عدة تقنيات منها:
- الذكاء الاصطناعي الذي يسهم في تحسين عمليات التصميم والبناء والتحليل والتنبؤ بالمشاكل قبل حدوثها وإدارة المشاريع ومراقبة الإنجاز وتحسين الكفاءة.
- تقنيات الواقع الافتراضي التي توفر تصورات شبه واقعية للمشاريع قبل بنائها، وهو ما يسهم في تحسين عمليات التصميم والتخطيط ويقلل من فرص الأخطاء.
- إنترنت الأشياء، الذي يمكن من ربط الأجهزة والأنظمة داخل المبنى ببعضها البعض وبالإنترنت، ويشمل ذلك أجهزة الاستشعار التي تراقب الجودة الهواء، وأنظمة التحكم في الإضاءة والتدفئة والتهوية، مما يسمح بجمع البيانات وتحليلها لتحسين إدارة المباني.
- الطباعة الثلاثية الأبعاد، وهذه التقنية الحديثة التي بدأت تنتشر في السنوات الأخيرة تساعد على إنشاء أجزاء أساسية من المباني بسرعة وكفاءة ملفتة ودقة عالية، مع التقليل من مخلفات البناء بشكل كبير وخفض كلف الإنتاج.
وبالحديث عن الذكاء الاصطناعي، يمكن القول بأن هذا المجال أحدث بالفعل ثورة في صناعة البناء الذكي، وأدى دمج الذكاء الاصطناعي في قطاع البناء إلى تقدم كبير بما في ذلك التغلب على التحديات وتقليل المخاطر وتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف وتطوير عمليات تخطيط وإدارة المشاريع.
كما يسهم في التنبؤ بالكميات الدقيقة للمواد اللازمة للمشروع مما يقلل حتى من التكاليف ومن النفايات.
وأسهمت برامج الذكاء الاصطناعي في تحسين عملية التصميم بصناعة البناء من خلال أدوات تصميم متقدمة مع إمكانية تحليل المتغيرات المختلفة مثل المواد والتكاليف والمتطلبات البيئية لتقديم تصاميم محسنة. كما أسهم البناء الذكي والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تحسين سلسلة التوريد من خلال إمكانات الصيانة التنبؤية والإدارة الذكية للمخزون. والى جانب ذلك، تساعد تقنيات البناء الذكي على توفير إدارة ذكية للموقع ومراقبة الجودة واكتشاف العيوب وإدارة القوى العاملة.
وفي الوقت نفسه، يلعب الاعتماد على الآليات الحديثة في البناء الذكي دورا في زيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل وتنفيذ مهام دقيقة بما في ذلك اللحام وبناء الهياكل، وكل ذلك انعكس على تقليل الأخطاء المعتادة.
ولا يقتصر الأمر على مرحلة البناء فقط، بل يمتد الى الصيانة التنبؤية من خلال الاعتماد على تحليل البيانات بمستشعرات مدمجة في المباني لتوقع مشاكل المعدات قبل حدوث الأعطال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك